يتصاعد التخوّف من تفشي القبلية والعنصرية في صفوف السلطات الحاكمة في السودان ولا سيما في إقليم دارفور، وهو ما بدا واضحاً في كلام مساعد رئيس الجمهورية السوداني نائب رئيس حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم ابراهيم غندور، الذي حذر من تفشي القبلية والعنصرية داخل حزبه الذي يعمل حالياً على تنظيم صفوفه واختيار مرشحيه للمناصب القيادية في البلاد في الانتخابات العامة التي حُددت في أبريل/نيسان المقبل.
وجاءت تحذيرات غندور، التي أطلقها يوم الأربعاء الماضي، على خلفية انحياز أعضاء الحزب الحاكم في اختيار مرشحيهم للمناصب العليا في البلاد على أساس قبلي، ولا سيما في إقليم دارفور الذي تنامت فيه قضية القبلية بشكل كبير بعد الحرب التي اندلعت قبل أحد عشر عاماً.
ويرى مراقبون أن الحكومة في الخرطوم أصبحت في مواجهة قبلية شرسة، هي من أسهمت في تغذيتها وجعلها قوة ضاربة، بعدما أقدمت على تسليحها ولا سيما في إقليم دارفور ومنطقة كردفان، لمواجهة التمرد الذي ضرب أجزاء واسعة من البلاد في فترات متفاوتة.
عجز الحكومة عن إدانة تمرد زعيم قبيلة "المحاميد" موسى هلال، المثير للجدل، والذي فرض سيطرته على أجزاء من ولاية شمال دارفور، أو تجريده من عضوية البرلمان ومنصبه التنفيذي كمستشار في الحكومة، شكّلا علامة فارقة وأفرزا تساؤلاً حول مدى سيطرة الحكومة على تلك القبائل التي قامت بتسليحها. كما طرحت تساؤلات عما إذا خرجت تلك القبائل عن سيطرة الحكومة، وبالتالي أصبحت الأخيرة تخشى تلك القبائل، ولا سيما أن هلال نفسه، الذي ينحدر من إحدى القبائل الدارفورية الكبيرة، زوّدته الحكومة بالسلاح واستعانت به في محاربة التمرد في دارفور، وهو شكّل وقتها قوة ضاربة، حتى أن اسمه تردد ضمن قائمة المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية في جرائم انتهاكات دارفور.
وكان رئيس حركة "الإصلاح الآن" المعارضة غازي صلاح الدين، وتعليقاً على خطوة البرلمان حرمانه من عضويته بعد انشقاقه عن حزب المؤتمر الوطني الحاكم مقابل الإبقاء على عضوية هلال رغم تمرده، قد جزم باستحالة إقدام النظام في الخرطوم على خطوة إسقاط عضوية هلال من البرلمان، وشدد في حوار صحافي سابق على أن "أحداً لا يجرؤ على فعل ذلك لأن هلال يحمي مقعده "بذراعه" (في إشارة إلى قوة الرجل)". وأضاف "الحكمة المستفادة من ذلك أنك إذا أردت أن تحترمك الحكومة فكبّر عصاك".
ويكتوي الحزب الحاكم حالياً من القبلية خلال الحملات التي ينفذها لاختيار مرشحيه للمناصب القيادية لإدارة البلاد في الانتخابات المقبلة، إذ بدت التكتلات القبلية واضحة في تلك الفعاليات ولاسيما بعدما ظهرت طموحات بعض القبائل في أن يكون لها تمثيل كبير في السلطة لتقوية نفوذها وحمايته.
وأظهرت هذه الحملات انحيازاً للقبلية عبر التكتلات التي بدت واضحة في نتائج التصويت الخاصة بالترشيحات، أو التي خالفت في بعضها رغبات الحزب، الأمر الذي عكس عدم سيطرة تامة للمؤتمر الوطني. وهذا ما عبّر عنه غندور الذي حذّر أعضاء الحزب من تفشي القبلية بداخله، مشيراً الى أن من شأن ذلك تفتيت تماسك الحزب، مبدياً رفضه القاطع الاعتماد على القبلية في الكسب السياسي على حساب ثوابت الحزب، التي قال إنها تركّز على جمع الصف والانحياز للوطن. وطالب أعضاء الحزب بالابتعاد عن اختيار المرشحين على أسس قبلية.
كذلك اعترف والي جنوب درافور آدم محمود جار النبي، بانجراف أعضاء الحزب في ولايته إلى العنصرية في انتخابات هيئة شورى الحزب لاختيار المرشح لمنصب الوالي في الانتخابات المقبلة، وهو الأمر الذي يعدّه مراقبون بمثابة كارثة تهدّد تماسك الحزب الحاكم وتنذر بتشرذمه، ولاسيما أنه سيواجه معضلة حقيقية عند الدفع بمرشحيه لمفوضية الانتخابات، وخصوصاً إذا لم تحظَ هذه الأسماء برضى القبائل.
ويخشى مراقبون من تمدد القبلية وتحكّمها في الحياة السياسية في البلاد عبر سحب البساط من الأحزاب السياسية، ولا سيما أن هذه الظاهرة أصبحت فاعلة في المشهد السوداني، وأبرز دلالة على ذلك فشل النظام على مدى أكثر من عام في تكوين حكومة في ولاية شرق دارفور بسبب امتعاض إحدى القبائل من الخطوة، الى جانب تعطيل قبيلة المسيرية في كردفان تنفيذ قرار محكمة دولية بشأن تحديد منطقة أبيي المتنازع عليها مع دولة جنوب السودان رغم موافقة الخرطوم على قرار التحكيم.
ويرى المحلل السياسي الطيب زين العابدين في حديث لـ"العربي الجديد" أن الحكومة مُطالبة بإيجاد معالجة سريعة لقضية القبلية عبر حلول منطقية وسلمية وفيها قدر كبير من العدالة، قبل أن تنفجر تلك القضية بشكل يصعب مواجهته، ولا سيما أن الحكومة لا تستطيع الدخول في حرب مع القبائل أو نزع سلاحها.
ويلفت الى أنه "أصبح للقبائل الآن طموحات لأن يكون لها وجود في الإدارة سواء التقليدية أو الحديثة لتقوية نفوذها، ولا سيما في ظل الخلافات القديمة بينها والمتعلقة بالحدود والأرض والزراعة والمراعي".
ويشير زين العابدين الى أنه "كان يتم سابقاً السيطرة على تلك الخلافات لأن الحكومة وقتها كانت تلتزم الحياد في أي صراع يندلع بين القبائل حول تلك الخلافات، كما كانت للإدارات الأهلية مكانة كبيرة، أما الآن فالإدارات الأهلية ضعيفة ولا قيمة لها ولا ينصت لها أحد، والحكومة نفسها غير محايدة ودخلت في الصراع بهدف الكسب السياسي".
من جهته، يقول رئيس مجلس شورى القبائل العربية في الفاشر ابراهيم عبدالله لـ"العربي الجديد" إن الحكومة قامت بتجنيد بعض العناصر من قبائل في دارفور لصالح القوات النظامية، وبذلك خرج هؤلاء عن نطاق القبيلة وسيطرتها، وأصبحت غير مسؤولة عن تصرفاتهم باعتبارهم يتبعون الى الحكومة.
ويعترف عبدالله بأن تلك القوات عادة ما تدخل في النزاعات القبلية بأن ينحاز كل طرف الى قبيلته، ما يؤجج النزاع عبر إدارته عسكرياً لترتفع بذلك أعداد الضحايا، مشيراً الى أن "الإدارة الأهلية" أعلى سلطة في القبيلة، "غير مسؤولة عنهم وبالعكس تتضرر من تدخلهم في النزاعات".
ويرى أن الحكومة عاجزة تماماً عن حسم وضع هؤلاء لأنها تخشى أن يفتحوا لها جبهة قتال جديدة معها، كما أن هؤلاء يشكلون قوة جاهزة تحت إشارتها للاستعانة بهم في مواجهة المتمردين في أي بقعة باعتبارهم قوة ضاربة.