07 نوفمبر 2024
القتل الروسي باسم قرار مجلس الأمن
لم يشأ الروس تمرير قرار مجلس الأمن الدولي 2401، إلّا حينما أصبح تشريعاً لاستباحة كل مناطق سورية، التي دخلت ضمن مناطق خفض التصعيد، أو سواها. ترد في البند الثاني للقرار جملة "وجميع الجماعات الأخرى"، أي أن هذه الجماعات مع تنظيم داعش وجبهة النصرة ليست مشمولة ضمن إيقاف النار، ثم يقول وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، إن جيش الإسلام وحركة أحرار الشام أيضاً منظمتان إرهابيتان، وهو بذلك يتفق مع رأي النظام والإيرانيين. وبالتالي، يصبح القرار لاغياً، في الغوطة خصوصاً، باعتبار القوى السابقة من أقوى الجماعات هناك. لم يهتم الروس لبيانات أصدرها جيش الإسلام وفيلق الرحمن، وترحب بالهدنة وبتصريحات صدرت عنهم، وتؤكد استعدادَهم لترحيل الأعضاء المئتين من حركة النصرة في الغوطة إلى خارجها.
عكس ذلك، وتخوفاً من ضغوط دولية لتطبيق الهدنة وإرسال مراقبين دوليين، باعتبار أن العالم أصبح يعرف أن لا جبهة نصرة ولا "داعش" في الغوطة، بل وقد تراجع وجود "النصرة" في كل سورية، وأخيراً تتم تصفيتها في إدلب! وبالتالي لا بد من تطبيق هدنة وإدخال المساعدات الإنسانية وفك الحصار عن مناطق واسعة، وتفعيل مناطق خفض التصعيد. بوتين ولافروف
والقيادة الروسية، وانسياقاً من رؤيتهم للحل في سورية، بتهجير كل أهالي مناطق الثورة، حدّدوا خمس ساعات للهدنة و19 ساعة للقتل في الغوطة. تبدو الساعات الخمس هذه لإعادة تمركز الجيوش المقادة روسياً على حدود الغوطة، وليس لأمرٍ آخر، سيما أن هدنة الساعات هذه رفضتها كل فصائل الغوطة، ويتخوّف منها الأهالي، لأن تكون تهجيراً جديداً، رأوا نتائجه الكارثية في القصير وداريا والمليحة وحمص وحلب وسواها كثير.
المناشدات الدولية للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لتطبيق الهدنة، وهو من يشن طيرانه الحرب في كل سورية منذ 2015، لا تعني إلا تسليماً بتطبيق الحل الروسي على سورية، وباعتبار أن هذا الحل فشل، تصبح هذه المناشدات لاغية، وبالتالي لن يتوقف قصف الغوطة. الأميركان ليسوا معنيين بالقرار الدولي، ومناطق نفوذهم تحميها قواعدهم العسكرية فيها، حيث تُسحق أيّة قوات عسكرية تقترب منها كما حدث في دير الزور أخيراً.
حصار الغوطة الأخير بقيادة الروس هو ما فرض التحرّك الدولي، ولا يغير في الأمر شيئاً إن روسيا ذاتها طالبت به! ورافق ذلك تهديدٌ روسي لبقية مناطق الصراع بإنهاء مناطق خفض التصعيد، واستبدالها بمصالحات مع النظام، كما الحال مع ريف حمص والقلمون، وبالتالي يريد الروس السيطرة الكاملة على العاصمة وريفها، سيما أن الأميركان حددوا مناطقهم بدقة. يأتي تصريح بوتين بأنه يطالب بلجنة دولية لتقييم الوضع في الرقة قبالة القرار الأممي لفرض الهدنة، بمثابة إعلان إضافي لتحديد نفوذها، وأن العاصمة وغوطتها من حصة روسيا! وكذلك يمكن قراءة الصمت التركي عن حصار الغوطة بمثابة ضوء أخضر منهم قبالة استمرار عمليتهم في عفرين؛ هذا يعني أن القرار، وبدلاً من أن يُستخدم في إطار تهيئة الأجواء للحل السياسي، أصبح بمثابة تشريع للروس، لفرض سيطرتهم على الغوطة، وهو ما فعله بوتين بأمره لإيقاف النار من التاسعة صباحاً وإلى الثانية بعد الظهر لإخراج المدنيين، وبالتالي لتصفية الغوطة بشكل كامل.
يستخلص مما تقدّم أن هدنة القرار الدولي لاغية، وأن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بعد خمسة عشر يوماً الذي يُفترض أن يقدمه إلى مجلس الأمن الدولي، لن تختلف صيغته عما قاله هو بذاته عن الوضع في الغوطة، أن "الجحيم على الأرض". إذاً أفرغ الروس القرار من قيمته في الهدنة، وظلّت العمليات العسكرية للاحتلالات على سورية كما هي. وبالتالي، السؤال الجوهري الآن: لماذا يريد الروس تصفية الغوطة؟
تعد الغوطة الشرقية آخر المعاقل القوية للمحيطين، الإقليمي والدولي، أي ليست خاضعة للروس أو الأتراك، وهناك إمكانات عسكرية فيها تهدّد العاصمة والمشروع الروسي والإيراني في تأمين العاصمة. ليس المصريون والسعوديون في وارد الدفاع عنها، سيما أن جيش الإسلام مدعومٌ من السعودية، وكان المصريون ضامنين لخفض التصعيد فيها؛ فالدولتان تحكمهما أنظمة مأزومة. وبالتالي، وبغياب دورٍ دوليٍّ جاد لإنهاء الحرب على الأراضي السورية، فإن أهالي الغوطة يُتركون "عراة" في مواجهة الهمجية الروسية والدول الحليفة لها.
الدعوات السياسية إلى فتح كل الجبهات بسبب الغوطة، ليست خاطئةً؛ فإن استباحتْها روسيا لن يكون صعباً عليها استباحة ريف حمص الشمالي أو بقية المناطق. ربما ستظل درعا صامدةً نظراً إلى أن الأميركان ضامنون لها؛ تكاد الدعوات إلى فتح الجبهات تكون بلا معنى لها، باعتبار أغلبية جبهات سورية تمّت تصفيتها عبر خفض التوتر أو الهدن أو التهجير أو
المصالحات. ففي إدلب، الأمر غير ممكن، وكذلك يبدو في درعا، إذاً هناك مصلحة لريف حمص بفتح بالتصعيد. ولكن هل سيُعيق ذلك العملية الروسية، ربما! أردت القول إن العمل العسكري "المعارض" لم يعد هو الحاسم، بل العمل الثوري المدني مجدّداً، وهو ما يجب التركيز عليه، سيما أن أغلبية المناطق "الثائرة" وفصائلها قد هُجِّرت. المهمة الراهنة للسوريين يجب أن تتناول غير العسكريين خصوصاً، وإعادة رسم المشروع الوطني السوري مجدداً؛ فهناك مدنيون في مناطق في حمص وإدلب ودرعا وأرياف حلب وأرياف الرقة ودير الزور وسواها، عدا عن الملايين في الخارج، والواقعين تحت سيطرة النظام.
حينما يصدر قرارٌ دوليٌّ، ولا تلتزم به دولة واحدة، ولا يتضمن أي ملحقات تنفيذية، يكون من أجل الاستهلاك المحلي العالمي. سبب القرار كما يبدو هو الهمجية الروسية على الغوطة، والتي قتلت أكثر من 550 شخصاً في الغوطة، ودمرت كل المشافي، وكان معظم القتلى من الأطفال والنساء، وقد لاقت تغطية دولية كبيرة؛ وبالتالي كان لا بد من إسكات الاحتجاج الدولي الواسع والرافض للهمجية. إذاً، ليس القرار الأممي لإيقاف الروس، بل لتشريع الهمجية الروسية والإيرانية والنظامية.
السوريون وأينما كانوا، وحدهم المعنيون بممارسة كل أنواع التصعيد، لإيقاف همجية الروس وحلفائهم، ولإظهار تفاهة القرارات الدولية، وأن سورية أصبحت محتلةً بالكامل، وأن تلك القرارات لا معنى لها، طالما لا تنتقل بالوضع السوري نحو الحل النهائي، وتمكين السوريين من مصيرهم وتطبيق مبادئ جنيف1.
عكس ذلك، وتخوفاً من ضغوط دولية لتطبيق الهدنة وإرسال مراقبين دوليين، باعتبار أن العالم أصبح يعرف أن لا جبهة نصرة ولا "داعش" في الغوطة، بل وقد تراجع وجود "النصرة" في كل سورية، وأخيراً تتم تصفيتها في إدلب! وبالتالي لا بد من تطبيق هدنة وإدخال المساعدات الإنسانية وفك الحصار عن مناطق واسعة، وتفعيل مناطق خفض التصعيد. بوتين ولافروف
المناشدات الدولية للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لتطبيق الهدنة، وهو من يشن طيرانه الحرب في كل سورية منذ 2015، لا تعني إلا تسليماً بتطبيق الحل الروسي على سورية، وباعتبار أن هذا الحل فشل، تصبح هذه المناشدات لاغية، وبالتالي لن يتوقف قصف الغوطة. الأميركان ليسوا معنيين بالقرار الدولي، ومناطق نفوذهم تحميها قواعدهم العسكرية فيها، حيث تُسحق أيّة قوات عسكرية تقترب منها كما حدث في دير الزور أخيراً.
حصار الغوطة الأخير بقيادة الروس هو ما فرض التحرّك الدولي، ولا يغير في الأمر شيئاً إن روسيا ذاتها طالبت به! ورافق ذلك تهديدٌ روسي لبقية مناطق الصراع بإنهاء مناطق خفض التصعيد، واستبدالها بمصالحات مع النظام، كما الحال مع ريف حمص والقلمون، وبالتالي يريد الروس السيطرة الكاملة على العاصمة وريفها، سيما أن الأميركان حددوا مناطقهم بدقة. يأتي تصريح بوتين بأنه يطالب بلجنة دولية لتقييم الوضع في الرقة قبالة القرار الأممي لفرض الهدنة، بمثابة إعلان إضافي لتحديد نفوذها، وأن العاصمة وغوطتها من حصة روسيا! وكذلك يمكن قراءة الصمت التركي عن حصار الغوطة بمثابة ضوء أخضر منهم قبالة استمرار عمليتهم في عفرين؛ هذا يعني أن القرار، وبدلاً من أن يُستخدم في إطار تهيئة الأجواء للحل السياسي، أصبح بمثابة تشريع للروس، لفرض سيطرتهم على الغوطة، وهو ما فعله بوتين بأمره لإيقاف النار من التاسعة صباحاً وإلى الثانية بعد الظهر لإخراج المدنيين، وبالتالي لتصفية الغوطة بشكل كامل.
يستخلص مما تقدّم أن هدنة القرار الدولي لاغية، وأن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بعد خمسة عشر يوماً الذي يُفترض أن يقدمه إلى مجلس الأمن الدولي، لن تختلف صيغته عما قاله هو بذاته عن الوضع في الغوطة، أن "الجحيم على الأرض". إذاً أفرغ الروس القرار من قيمته في الهدنة، وظلّت العمليات العسكرية للاحتلالات على سورية كما هي. وبالتالي، السؤال الجوهري الآن: لماذا يريد الروس تصفية الغوطة؟
تعد الغوطة الشرقية آخر المعاقل القوية للمحيطين، الإقليمي والدولي، أي ليست خاضعة للروس أو الأتراك، وهناك إمكانات عسكرية فيها تهدّد العاصمة والمشروع الروسي والإيراني في تأمين العاصمة. ليس المصريون والسعوديون في وارد الدفاع عنها، سيما أن جيش الإسلام مدعومٌ من السعودية، وكان المصريون ضامنين لخفض التصعيد فيها؛ فالدولتان تحكمهما أنظمة مأزومة. وبالتالي، وبغياب دورٍ دوليٍّ جاد لإنهاء الحرب على الأراضي السورية، فإن أهالي الغوطة يُتركون "عراة" في مواجهة الهمجية الروسية والدول الحليفة لها.
الدعوات السياسية إلى فتح كل الجبهات بسبب الغوطة، ليست خاطئةً؛ فإن استباحتْها روسيا لن يكون صعباً عليها استباحة ريف حمص الشمالي أو بقية المناطق. ربما ستظل درعا صامدةً نظراً إلى أن الأميركان ضامنون لها؛ تكاد الدعوات إلى فتح الجبهات تكون بلا معنى لها، باعتبار أغلبية جبهات سورية تمّت تصفيتها عبر خفض التوتر أو الهدن أو التهجير أو
حينما يصدر قرارٌ دوليٌّ، ولا تلتزم به دولة واحدة، ولا يتضمن أي ملحقات تنفيذية، يكون من أجل الاستهلاك المحلي العالمي. سبب القرار كما يبدو هو الهمجية الروسية على الغوطة، والتي قتلت أكثر من 550 شخصاً في الغوطة، ودمرت كل المشافي، وكان معظم القتلى من الأطفال والنساء، وقد لاقت تغطية دولية كبيرة؛ وبالتالي كان لا بد من إسكات الاحتجاج الدولي الواسع والرافض للهمجية. إذاً، ليس القرار الأممي لإيقاف الروس، بل لتشريع الهمجية الروسية والإيرانية والنظامية.
السوريون وأينما كانوا، وحدهم المعنيون بممارسة كل أنواع التصعيد، لإيقاف همجية الروس وحلفائهم، ولإظهار تفاهة القرارات الدولية، وأن سورية أصبحت محتلةً بالكامل، وأن تلك القرارات لا معنى لها، طالما لا تنتقل بالوضع السوري نحو الحل النهائي، وتمكين السوريين من مصيرهم وتطبيق مبادئ جنيف1.