القصّة التخييلية: الخوف من المقدّس

02 نوفمبر 2016
+ الخط -

ازداد اهتمام الباحثين في الدول الغربية، خصوصًا في مجال الأدب المقارن بموضوع "القصّة التخييلية"، ليس فقط من وجهة نظر أنثروبولوجية بل أيضًا من زاوية فنية وأدبية.

فقد صدرت مؤخرًا بعض الأبحاث تثبت وجود حدود واضحة، بين ما يدخل في باب التخييل وما يتناول الواقع الخطاب الجدّي، شأن التاريخ في المجال الثقافي الأوروبي.

تتميّز هذه النظرية عن نظريات كثيرة نشأت في السبعينيات؛ تشكك بإمكانية وجود خطاب عقلاني جدّي بالمعنى الحصري (خطاب تاريخي أو علمي أو...) لا يتضمّن أيّ عنصر تخييلي. وقد صدر كتاب عام 2010 بعنوان "الثقافة والتخييل" أعدّته الباحثة فرانسواز لافوكا، تقترح فيه أدوات جديدة لدراسة هذا الموضوع مقتبسة من المقارنة بين الثقافات.

في هذا الكتاب مقالتان عن الأدب العربي، تهمّنا واحدة منهما بعنوان "الخوف من التخييل"، تركّز فيه مايا بوتاغو على نشوء فضاء أدبي جديد أثناء النهضة، الفضل الأكبر فيه للرّواية التي أدخلت العنصر التخييلي.

لكنّ الجنسين الأدبيين الرئيسين (الرواية التاريخية ثم الرواية الواقعية التي تلتها)، بقيا متأثرين بأسلوب المقامات والأخبار؛ إذ احتفظت الرواية بخطاب جدّي ودور تعليمي، والرواي بمسؤولية معنوية تجاه القارئ، والشخصيات بنماذج محدّدة، لكن عناصر تخييلة دخلت في الرواية لكي تنتج الخطاب الجدي الهادف إلى إنجاز مشروع تعليمي أو ايديولوجي.

اكتسبت الشخصيات شيئاً فشيئاً بعض الاستقلالية، وازداد الاهتمام بالتجربة الجمالية (experience esthétique)، التي أنتجت أواخر القرن العشرين نوعًا جديدًا في الأدب العربي، وهو الواقعية السحرية المركبة من عناصر مقتبسة من الواقعية والسوريالية والعجائبية (merveilleux)، ما ساهم في تحرير الكتابة من الواقع ومن مسؤوليتها الاجتماعية.

تسمح هذه النصوص الجديدة بكسر الحواجز بين عوالم التخييل (Décloisonnement des univers de la fiction)، لكن الخيال بقي مرتبطًا بنوع من نقد الواقع.

أهم أسباب الخوف من التخييل، بالنسبة للباحثة، ناجم أولًا عن إشكالية اللغة العربية بوصفها لغة مقدسة، وثانيًا عن الحذر من الوقوع في خطاب غير منطقي وغير عقلاني، لا تقبل به الذات المقدّسة التي تهيمن على كافة المعتقدات. هنا، نستطيع أن نشير إلى سبب ثالث، وهو سعي المثقف إلى ممارسة دوره في تسيير المجتمع، الأمر الذي جعله موضع نقد اشتد بعد قيام الربيع العربي.

كما يؤخذ على الباحثة وقوعها في مطبّ الانتقائية، حيث اقتصر بحثها على مجموعة من الكتب لا تمثّل سوى جزء صغير من مجمل النصوص المكتوبة في الأدب العربي، غير أن الكتابة لم تعد تقتصر على وسائل النشر التقليدية، لا سيما بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي على سبيل المثال.

وأخيرًا أعتقد أن أحد أهمّ أسباب الحذر من التخييل، قد يكون تقيّد الكتّاب العرب بحيّزهم المكاني، ليس كبلد أو كدولة بل كمكان بشكل لا يسمح لهم تجاوزه.


(كاتبة سورية مقيمة في باريس)