تمكنت قوات النظام السوري من الوصول إلى طريق الكاستيلو، المنفذ الوحيد لشرقي مدينة حلب الذي تسيطر عليه قوات المعارضة، والذي يتيح لها الوصول إلى ريف حلب الشمالي، ما يعني وقوع أجزاء المدينة الخاضعة لسيطرة المعارضة، ومدنييها الذين يزيد عددهم عن الربع مليون، تحت حصار تجويعي كامل. وقال الصحافي والناشط ماجد عبد النور، الموجود في حلب، لـ"العربي الجديد"، إن قوات النظام تمكنت بالفعل من السيطرة على أجزاء من طريق الكاستيلو وإغلاقه بشكل كامل، بعدما كانت وضعته، منذ عشرة أيام، تحت مرمى نيرانها، موضحاً أن هذه القوات وصلت إلى الطريق العام وسيطرت على أجزاء منه من جهة حي الخالدية، في حين يستمر رصد الطريق نارياً في بقية المناطق. وأضاف أن المعارك تواصلت بعد ظهر أمس الأحد، في محيط الطريق قرب مجمع الكاستيلو والحرش المتاخم له، مشيراً إلى أن هذا المجمع هو بناء سُمي الطريق باسمه، وكان عبارة عن منتزه ومطعم قبل انطلاق الثورة السورية. وقالت مصادر موالية إن قوات النظام سيطرت على هذا المجمع.
ورأى عبد النور أن تقدم قوات النظام جاء بسبب القصف الجوي والمدفعي الكثيف جداً والذي حول المكان إلى محرقة لكل شيء موجود فيها، لافتاً إلى أن الغارات شملت أيضاً كل المناطق في حلب، حيث سقط أكثر من 60 قتيلاً في استهداف للأسواق والأماكن السكنية. وفي سياق متصل، نقلت وكالة "فرانس برس" عن مدير المرصد السوري، رامي عبد الرحمن، أن قوات النظام قطعت "طريق الكاستيلو بشكل رسمي بعد وصولها إلى أسفلت الطريق من جهة الليرمون (في الجهة الغربية)"، مضيفاً أن الأحياء الشرقية لحلب "باتت محاصرة بشكل رسمي وكامل". وأوضح عبد الرحمن أن "قوات النظام تقدمت في شمال مدينة حلب بغطاء جوي روسي".
وذكر ناشطون أن مقاتلي المعارضة أحبطوا هجوماً واسعاً لقوات النظام والمليشيات الموالية لها على حييّ الخالدية وبني زيد في شرقي حلب، حيث دارت اشتباكات عنيفة بين الجانبين على أطراف المنطقة. وأكدت المعارضة أن مقاتليها تمكنوا من قتل وجرح العشرات من عناصر جيش النظام خلال هذه الاشتباكات.
وبدأت محاولات النظام محاصرة حلب منذ منتصف عام 2013، وسيطرت قواته على مدينة السفيرة في الريف الجنوبي الشرقي، وتقدمت شمالاً لتسيطر على النقارين شرقي حلب، وصولاً إلى المدينة الصناعية، ثم توجهت غرباً نحو السجن المركزي، وقطعت الطريق الرئيسي بين المدينة والريف الشمالي، قبل أن تسيطر على حندرات والسجن المركزي، وحردنتين ورتيان، وصولاً إلى نبل والزهراء التي تم رفع الحصار عنهما. وبذلك طوقت قوات النظام القسم الشرقي من المدينة، حيث يسيطر مقاتلو المعارضة، قبل أن تتمكن أمس الأحد من استكمال عملية إغلاق طريق الكاستيلو، لتطبق الحصار على المدينة تماماً. وكان واضحاً أن كل قوة معسكر النظام المدعوم إيرانياً وروسياً، عاجزة عن اقتحام الأحياء الخاضعة للمعارضة في المدينة، لأسباب جغرافية وعسكرية عديدة، ليجد هذا المعسكر نفسه امام خيار وحيد، هو مفضل لديه، كما تظهر التجربة في حمص وداريا وبقية المناطق المنتفضة ضد النظام، ألا وهو فرض حصار التجويع الذي راح ضحيته مئات القتلى السوريين والفلسطينيين منذ بداية الثورة على يد قوات النظام السوري وحلفائه.
ومن شأن هذا الحصار على حلب، ثاني أكبر المدن السورية، أن يفاقم الأوضاع الإنسانية في المدينة من ناحية ارتفاع الأسعار وفقدان المواد الأساسية، فضلاً عن التداعيات العسكرية السلبية، المتمثلة في قطع الإمدادات عن الفصائل العسكرية الموجودة داخل المدينة والتي، بفضلها، استطاعت طيلة السنوات الماضية منع قوات النظام من التقدم داخل حلب.
وبسبب القصف الجوي والمدفعي العنيف الذي تتعرض له المدينة المحاصرة وريفها، قررت ما يعرف بـ"المحكمة الشرعية في حلب" (التابعة للفصائل المسلحة) وقف العمل لمدة أسبوع. وقالت "المحكمة" في بيان لها إنها اتخذت هذه الخطوة "نظراً للهجمة الشرسة التي تشنها طائرات العدوان الروسي على مدينة حلب، ونظراً لما تعرضت له المحاكم التابعة لها من ضرر مباشر جراء ذلك". وطالبت المحكمة المدنيين في مدينة حلب بالتزام منازلهم وعدم الخروج إلا للضرورة، مشددة على ضرورة تجنب التجمعات، لا سيما خلال قيام عناصر الدفاع المدني بتأدية واجباتهم.
من جهة أخرى، لا يزال الغموض يلف الانفجارات الكبيرة التي وقعت في معامل الدفاع بريف حلب الجنوبي، والتي يقول ناشطون إنها أسفرت عن تدمير مروحيات ودبابات عدة تابعة للنظام. وفيما ترددت شائعات بأن الانفجارات ناتجة عن قصف إسرائيلي لمصانع أسلحة، تحدثت رواية أخرى عن تفجير سيارات مفخخة في مستودع للبراميل المتفجرة داخل المنطقة، في حين أفادت مواقع موالية للنظام السوري بأن التفجيرات سببها انفجار داخلي في المستودعات نتيجة أخطاء فنية أو ارتفاع درجة الحرارة، مشيرة إلى أن الخسائر اقتصرت على الماديات، ولا صحة للأنباء التي تتحدث عن مقتل 150 عنصراً من قوات النظام.
وكانت انفجارات ضخمة هزت معامل الدفاع التابعة للنظام السوري في منطقة السفيرة بريف حلب الجنوبي. وهذه المعامل من أكبر المستودعات العسكرية في سورية، وتعتبر المركز الرئيس لتصنيع البراميل المتفجرة التي تضرب مناطق المعارضة.
وفي ريف حمص الغربي، قامت قوات النظام بتهجير بعض أهالي بلدتي قزحل وأم القصب ذات الأغلبية التركمانية، ونقلتهم بحافلات إلى ريف حمص الشمالي، وهو ما يندرج في سياق التهجير القسري والتغيير الديمغرافي لتلك المناطق، بحسب مراقبين.
وقال الناشط أبو عمر لـ"العربي الجديد" إن النظام يمارس سياسة الحصار والتجويع إزاء كثير من مناطق حمص، وقد اتفق مندوبون عنه مع وجهاء بلدتي قزحل وأم القصب على وقف القصف المتواصل على البلدتين، وفك الحصار عنهما مقابل ترحيل قسم من أفراد الفصائل المسلحة من البلدتين مع أسرهم باتجاه ريف حمص الشمالي. كما يتضمن الاتفاق توقف مقاتلي المعارضة، من خارج البلدتين، عن محاولات التقدم نحوهما أثناء تبادل الأسرى لدى الطرفين. وقد وصلت بالفعل الدفعة الأولى وقوامها 6 حافلات إلى بلدة الدار الكبيرة على أن تتبعها دفعة ثانية، فيما توقفت قوات النظام عن قصف البلدتين.