تحاول الرياضة ترميم الشرخ الذي أحدثته الحرب في اليمن. وبعد أن توقفت الحياة في الملاعب اليمنية منذ عام 2014 مع اندلاع شرارة الصراع المتصاعد حتى الآن، عادت الكرة مجدداً إلى الملاعب من خلال أول بطولة رياضية يمنية منذ نحو 6 أعوام، احتشد في مباراتها النهائية، الأحد الماضي، أكثر من 35 ألف مشجع من محافظات مختلفة.
وعادت كرة القدم هذه المرة لتدور من محافظة جنوبية، تحت مسمى "الدوري التنشيطي لأندية الدرجتين الأولى والثانية"، في بروفة أراد الاتحاد اليمني لكرة القدم تجريبها قبيل استئناف دوري الدرجتَين الأولى والثانية بشكل رسمي خلال الفترة المقبلة.
وتوّج نادي شعب حضرموت، بلقب البطولة الرياضية التي شهدها الملعب الأولمبي في مدينة سيئون، شرقي البلاد، في محافظة حضرموت، وذلك على حساب نادي وحدة عدن، بركلات الترجيج، حيث تم تكريمه بميداليات ذهبية ومكافأة مالية بلغت 6 ملايين ريال (نحو عشرة آلاف دولار) فيما مُنح الوصيف ميداليات فضية ومكافآت بلغت 4 ملايين ريال يمني.
وكان الحضور الجماهيري هو العلامة الفارقة التي شهدها نهائي البطولة، وأعلن الاتحاد اليمني لكرة القدم، أنه تجاوز 30 ألف متفرج، في رقم وصفه متابعون بالقياسي.
وقال الصحافي الرياضي، محمد بن عبدات، لـ"العربي الجديد"، إن الحضور كان أكبر من الرقم المعلن، كون سعة الملعب 35 ألف مقعد، لكن الجماهير لم تجد مقاعد شاغرة وجلست على المدرجات الإسمنتية، كما أن الممرات بين كافة المدرجات كانت ممتلئة.
وأضاف: هذا أكبر حضور جماهيري في تاريخ الرياضة اليمنية على الإطلاق... كان عرساً كروياً بديعاً والحضور كان من مختلف المحافظات".
ووصف متابعون تدفق الجماهير بأنه أشبه باستفتاء لمصلحة الرياضة والسلام، وطيّ كافة مشاريع الموت التي سممت كافة مجالات الحياة ومنها الرياضة.
واعتبر عبدالله مهيم، وهو مستشار وزير الشباب والرياضة اليمني، في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن الحضور اللافت "رسالة جماهيرية قوية بعودة كرة القدم للملاعب باعتبارها المتنفس الوحيد في زمن الحرب".
وأضاف: كانت بطولة ناجحة بكل المقاييس، ودائماً ما تدهشنا حضرموت باحتضان سلس لكافة الأنشطة الرياضية، وتنجح في مختلف الظروف العصيبة.
- لماذا نُظمت البطولة في سيئون؟
خلافاً لكل المدن اليمنية، احتفظت سيئون خلال السنوات الخمس الماضية بموقعها كمنطقة خضراء لكل اليمنيين بدون استثناء، وخلافاً لاحتضان التصفيات النهائية للدوري التنشيطي، كانت المدينة الواقعة في أقاصي الشرق اليمني قد احتضنت فعالية سياسية كبيرة، وهي استئناف جلسات البرلمان العام الماضي لأول مرة منذ بدء الحرب.
وفي الموسم الرياضي الذي أعقب اندلاع الحرب، كان الاتحاد اليمني لكرة القدم قد أبلغ الأندية عجزه في توفير الأمان للفرق الرياضية من أجل التنقل شمالاً وجنوباً، جراء توسع الشرخ المجتمعي، وتصاعد النبرة المناطقية.
ويبدو أن الرياضة قد بدأت بإذابة الجليد الذي صنعته السياسة في أوساط المجتمع، بداية من المرور السلس للأندية الشمالية في المحافظات الجنوبية ذهاباً وإياباً، وختاماً بالحضور الجماهيري الكبير في نهائي البطولة.
وقال وكيل وزارة الشباب والرياضة اليمني، شفيع العبد، لـ"العربي الجديد" إن الجماهير الغفيرة التي اكتظّت بها مدرجات الملعب الأولمبي بمدينة سيئون، أثبتت حقيقة أن للرياضة قيمتها المجتمعية ودورها في تعزيز التعايش والإخاء، وأن لها المقدرة في تجميع ما فرقته السياسة والحرب.
وأضاف المسؤول اليمني أن "لسيئون مكانتها في قلوب اليمنيين، فقد فتحت المدينة أبوابها لهم منذ اندلاع الحرب من دون أن تفتش في هوياتهم وانتماءاتهم، ووضعت نفسها كواجهة وقبلة لهم من خلال مطارها نافذتهم على العالم، أو ملعبها الأولمبي مفتتح بهجتهم الرياضية".
- كيف عادت الكرة للدوران في ظل الحرب؟
عودة الحياة إلى الكرة اليمنية بعد توقف كافة الأنشطة الرياضية منذ 6 سنوات لم تكن بالأمر السهل بالنسبة لاتحاد الكرة اليمني، وخلافا للدمار الذي حل بعشرات الملاعب، شكّل الهاجس الأمني، الهم الأكبر لقيادات اتحاد الكرة منذ 3 سنوات مضت، وفقاً لرئيس لجنة المسابقات بالاتحاد، أبوعلي غالب.
وكشف غالب، وهو رئيس اللجنة المنظمة للبطولة أيضاً، لـ"العربي الجديد"، أن الاتحاد فكر بإيجاد بدائل للدوري المتوقف جراء الظروف التي تشهدها البلاد، فكانت الفكرة هي إقامة دوري تنشيطي على مرحلتين.
وأضاف غالب أنه "في المرحلة الأولى، كانت بعض فروع اتحاد الكرة ترفض فكرة استئناف الدوري بشكل مطلق جراء الظروف الأمنية، ولكن مع تصميم الاتحاد على إقامتها، بدأ النجاح يتحقق، وأدرك المشككون أننا جادون في عملنا".
ولفت إلى أن إدارات الأندية الثمانية المتأهلة للمرحلة الثانية "كانت تتخوف من الوصول إلى سيئون، وتتحجج تارة بطول مسافة الطريق والوضع الأمني، وتارة بعدم توفر الميزانية، لكن التواصل والتطمينات من قبل الاتحاد، جعلتهم يشاركون النجاح الذي حصل أخيراً".
وشهدت البطولة التنشيطية غياب عدد من الأندية اليمنية العريقة، مثل وحدة صنعاء وشعب إب وحسان أبين، وذلك بسبب خروجها في المرحلة الأولى التي أقيمت داخل نطاق محافظاتها. ووفقاً لقيادات في اتحاد الكرة اليمني، فإن نجاح البطولة رسالة لاتحادات كرة القدم، العربي والآسيوي والدولي، بأن اليمنيين يعشقون كرة القدم رغم كل الظروف.
وطالب رئيس اتحاد المسابقات بالاتحاد، بتأهيل الملاعب اليمنية مرة أخرى من قبل الفيفا، وكذلك رفع الحظر عن الملاعب اليمنية لإقامة المباريات الدولية، بعد النموذج المشرف الذي قدّمته سيئون.