ووفقاً للمحاضر التي نشرها موقع "والاه" الإسرائيلي، عمّا قال إنّها الجلسة المصيرية التي عقدت في الرابع من حزيران، وأقرّت في نهايتها اللجنة تخويل رئيس الحكومة ووزير الأمن إعلان موعد بدء العمليات ضد مصر، يتضح أنّ قادة حكومة الاحتلال كانوا قد بلوروا تصوّراً للمناطق التي سيتمّ احتلالها، والتي سيكون على حكومة الاحتلال الاحتفاظ ببعضها مهما طال الأمر إلى حين فرض تسوية والتوصّل إلى اتفاقيات سلام مع الدول العربية.
وتبيّن التفاصيل التي يوردها الموقع، كيف تبدّلت صورة الأمر وتقديرات الوزراء، من حالة الخوف الحقيقي على مصير الدولة الإسرائيلية، إلى حالة من النشوة الكاملة وصولاً إلى حدّ قول وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك موشيه ديان، إنّ الجيش قادر على احتلال كامل شبه جزيرة سيناء والوصول إلى القاهرة إذا طلب منه ذلك، في الجبهة الجنوبية، وتحذير لبنان بالقدرة على الوصول إلى بيروت خلال ساعات في حال تمّ التعرّض ليهود لبنان، واحتلال كامل بحيرة طبريا وشواطئها الشرقية، والعودة إلى حدود فلسطين الانتدابية.
ووفقاً لما ينشره الموقع الإسرائيلي، فإنّ من حسم عملياً اتخاذ القرار لجهة تخويل رئيس الحكومة ليفي أشكول ووزير الأمن موشيه ديان، تحديد موعد العمليات القتالية وشنّ الحرب، كان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" الجنرال أهرون يريف، الذي أوضح للوزراء، أنّ مسألة الصدام والحرب مع مصر "حتمية" ولا مجال للتشكيك في ذلك، وأنّ مصر بدأت تعمل على ضمان فتح جبهات إضافية ضدّ إسرائيل من كل من الأردن وسورية.
ويتضح أيضاً، أنّ الجلسة تناولت بطبيعة الحال، الردود الدولية، حيث يبّين الموقع أنّ ديان أكد أنّ الولايات المتحدة ستقف إلى جانب إسرائيل، وأنّه لا يمكن لواشنطن الطلب من إسرائيل ألا تكون صاحبة المبادرة في شنّ الحرب.
وقال إنّه "في حال بدأ المصريون الحرب فلن تكون لإسرائيل فرصة ولو حتى لإطلاق الرصاصة الثانية، لأنّها ستوجّه كل قواتها للدفاع عن القدس، وفي منع احتلال إيلات، وحتى في الدفاع عن تل أبيب، فإذا اندلعت الحرب بمبادرة مصرية، سيكون الثمن باهظاً يحصد آلاف القتلى".
إلى ذلك، تبيّن المحاضر، أنّ زعيم حركة "حيروت"، مناحيم بيغن، الذي كان تمّ ضمّه قبل ذلك بثلاثة أيام للحكومة الإسرائيلية، طالب هو الآخر بأن تشنّ إسرائيل الحرب قبل أن يبدأها المصريون، مدّعياً أنّ إغلاق مضائق تيران، هو بمثابة إعلان حرب علنية على إسرائيل.
ووفقاً للتقرير، فقد رُفعت جلسة اللجنة الوزارية للشؤون الأمنية والسياسية عند هذا الحد، وعادت للاجتماع بعد جلسة الحكومة مرة أخرى، بمشاركة 20 وزيراً هذه المرة، ورئيس الموساد أريه عاميت، ورئيس شعبة الاستخبارات أهرون يريف، الذي زاد من حدة الدعوة للمسارعة ببدء العمليات العسكرية، مدعياً أنّ الوضع يتغيّر من ساعة لساعة، وتزداد احتمالات شنّ هجوم مصري سوري أردني.
ويتضّح من مداولات اللجنة الوزارية للشؤون الأمنية، أنّ التقديرات الإسرائيلية، أشارت إلى أنّ الاتحاد السوفييتي سيكون قادراً فقط على إرسال طائراته للقصف، ثم العودة إلى روسيا، ولكنّه لن يرسل مقاتلات جوية.
في المقابل، يتضح أنّ إسرائيل كانت خائفة من نفاد ذخيرتها وأسلحتها، خاصة وأنّه لن تكون أمام مصر مشكلة بالتزود بالذخيرة من الجزائر والدول العربية الأخرى، مما دفع وزير الصحة الإسرائيلي، أنذاك، إلى المطالبة إما ببدء القتال فوراً أو تأجيله لعدة أيام.
وقد أقرت اللجنة في نهاية جلستها، بأغلبية 18 وزيراً، من أصل 20، اتخاذ قرار نصّ على "أن تقوم الحكومة بعملية عسكرية لتحرير إسرائيل من الدائرة العسكرية الخانقة التي بدأت تضيق عليها. تخوّل الحكومة رئيس الحكومة ووزير الأمن المصادقة على موعد بدء العمليات وإصدار الأوامر لرئاسة أركان الجيش".
وفي فجر الخامس من يونيو/ حزيران 1967، بدأ الطيران الحربي الإسرائيلي عملية إبادة القوات الجوية لكل من مصر وسورية والأردن والعراق، وذلك بموازاة إطلاق عمليات الاجتياح البرية لشبه جزيرة سيناء والضفة الغربية، بما فيها الشطر الشرقي من مدينة القدس.
ويتضح من المحاضر التي نُشرت، أنّ الاحتلال بدأ منذ اليوم الثاني للحرب، التخطيط لاحتلال هضبة الجولان والسعي للسيطرة على مصادر نهر الأردن، مع إعلان رئيس الحكومة أشكول ليفي، أنّ ما أُنجز في اليوم الأول، كان يُفترض أن يتم على مدار ثلاثة أيام.
ووصف ليفي أيام الحرب بأنّها "تاريخية لشعب إسرائيل وللشعب اليهودي"، لأنّها لا تبشّر فقط بفرصة القضاء على كسر قوة العدو، وإنّما أيضاً بفتح آفاق سياسية لتغيير وجه العلاقات بين إسرائيل والعرب في هذه الفترة بالذات، وهي آفاق كانت تبدو بعيدة المنال، ثم ينتقل مباشرة للحديث عن الجبهة الشمالية.
كما تبيّن أنّ في هذه الجلسة، التي بدأت في الرابعة بعد الظهر، طالب يغئال ألون بعدم الاكتفاء بالوصول إلى الحدود الانتدابية لفلسطين مع سورية، بل احتلال أراضٍ لضمان وقوع مصبات الأردن تحت سيطرة الاحتلال، وكذلك الحال أيضاً بالنسبة للشواطئ الشرقية لبحيرة طبريا.
ويشير التقرير، إلى أنّ ألون وليفي يعتقدان أنّ هذا يجب أن يكون ورقة للتوصّل بعد الحرب إلى تسوية سياسية شاملة، وعدم الاكتفاء هذه المرة باتفاقيات لوقف إطلاق النار، وحتى يتم ذلك "سنحتفظ بالأجزاء التي تم تحريرها طالما لا يوجد حل سياسي، حتى لو استغرق الأمر سنوات وشهوراً"، بحسب التقرير.
ويتضح من تصريحات ديان في الجلسة أنّ الاحتلال كان بدأ يصل إلى درجة عالية من الثقة بالنفس، جعلت وزير الأمن الإسرائيلي يقول إنّه بمقدور الجيش أن يحتلّ كافة الضفة الغربية حتى ضفاف نهر الأردن، وكامل سيناء، وإذا لزم أيضاً حتى حدود نهر الليطاني في لبنان.
لكن أهم ما يتضح في جلسة اليوم الثاني للحرب، هو زرع بذور النوايا الإسرائيلية بالإبقاء على الضفة الغربية تحت حكم الاحتلال، وليس فقط البلدة القديمة وكامل الشطر الشرقي من القدس، إذ لفت بيغن في الجلسة إلى تساؤلات وزير الأديان من حزب "مفدال" زيرح فير هافتيج، بشأن حدود السيطرة الإسرائيلية ومداها المستقبلي، وما إذا كانت ستعود "لحدودها الدولية"، كما فعلت بعد العدوان الثلاثي على مصر، مشيراً إلى أنّ ديان أبلغه أنّ بمقدور إسرائيل أن تحافظ على سيناء لمائتي عام، مبدياً تأييده لإجراء تعديلات حدودية أمنية، وإبقاء احتلال القدس وقطاع غزة.
وبحسب ما ينشره موقع "والاه"، ففقد تدخل بيغن ليسأل: "وماذا عن الخليل وبيت لحم؟" فيردّ عليه الوزير فير هافتيج: "كلّها لنا. السؤال هو هل سنضطر إلى فعل ما فعلناه بعد حملة سيناء"، فيرّد عليه بيغن "على الجيش أن يحرّر الجزء الشرقي من أرض إسرائيل الغربية، متى ستتاح لنا فرصة كهذه مرة أخرى".
في هذه المرحلة ينتقل بيغن، مباشرة للحديث عن احتلال ما تبقى من القدس، وضرورة أن "تقوم الحكومة مع إنهاء احتلال القدس، بالتوجّه سوية مع الربانيين الرئيسيين إلى الحائط الغربي، وتأدية صلاة (مبارك الرب الذي أحيانا حتى هذه اللحظة وأعادنا إلى صهيون)، وكل ما ينبغي قوله أيضاً".
لكنّ رد وزير التعليم، من حزب "مباي"، زلمان أراز، حول مسألة احتلال الشطر الشرقي من القدس، يشير إلى تخوّف إسرائيل، أنذاك، من ردّ الفعل الإسلامي والمسيحي، "فقد يندلع هنا حريق تعلو ألسنته كافة النيران المجتمعة التي يمكن للجيوش العربية إشعالها معاً"، بحسب قوله.
وتبين المحاضر أيضاً، أنّ وزير الأمن موشيه ديان، رفض الالتزام بإصدار أوامر للقادة العسكريين والجنود بشأن حماية ومعاملة الأسرى العرب، واكتفى بالادعاء أنّ هناك أوامر عامة لكنّه لا يستطيع ضمان التزام الجميع بها.
وتبيّن بعد الحرب، أن ّجنود الاحتلال نفّذوا مجازر ومذابح مختلفة بحق أسرى من الجيوش العربية، خاصة الأسرى المصريين في شبه جزيرة سيناء.
وفي السابع من يونيو/ حزيران 1967، بعد أن كان تم احتلال شبه جزيرة سيناء والضفة الغربية كاملة بما فيها القدس، توجّه رئيس أركان الجيش الجنرال يتسحاق رابين، ليطرح أمام اللجنة الوزارية الأمنية للحكومة، موضوع مهاجمة سورية، قائلاً إنّ "بمقدورنا معالجة أمر سورية". ويضيف رابين، وسط تجاهل تحذيرات مدير عام الخارجية الإسرائيلية أوري لوبراني (تولّى لاحقاً منصب منسق أعمال الاحتلال في لبنان)، "ستكون خسارة أن ننهي مثل هذه الحرب، دون أن يتلقّى السوريون ضربة".
ويوضح رابين أنّ هناك خطتين، أو خيارين، إما الخطة الصغيرة والتي تقضي بالتوغّل لاحتلال أجزاء من الهضبة السورية حتى تل عزيات، أو الذهاب وفق الخطة الأكبر التي يؤيدها أيضاً قادة حزب "مبام" وهي احتلال الهضبة كلها.
لكن القرار النهائي لشن الهجوم على هضبة الجولان لاحتلالها، جاء في السابعة صباحاً من التاسع من يونيو/ حزيران 1967، بعد أن غيّر موشيه ديان موقفه الذي كان معارضاً لاحتلال الجولان خشية التورّط مع الاتحاد السوفييتي، وبفعل ضغوط على اللجنة الوزارية لشؤون الأمن من نشطاء الكيبوتسات في الجليل الأعلى.
وفسّر ديان، التغيير في موقفه بما وصفه "الانهيار السياسي لدى العدو"، وأنّ موافقة مصر وسورية، فجر اليوم نفسه، على وقف إطلاق النار كان يعني اعترافاً بالهزيمة، وبما أنّ الفرضية الأساسية تقول إنّهم سيواصلون القتال فهناك "إمكانية لتغيير الخريطة الدولية"، بحسب قوله.
ولعلّ اللافت في هذه المحاضر، أنّ وزراء حزب "مفدال" (حزب الصهيونية الدينية، تحوّل اليوم إلى حزب البيت اليهودي) كانوا أكثر من أبدوا تخوّفاً من مغبة مشاعر الانتصار والنشوة، طيلة أيام إدارة الحرب، وقد عارضوا يومها إعلان ديان عن بدء شن الهجوم لاحتلال كامل الجولان، ووصف وزير الداخلية عنهم حاييم شابيرا، أنّ المشكلة التي عرضها ممثلو الكيبوتسات بشأن خطر القصف السوري قد انتهت، مع موافقة سورية على وقف إطلاق النار، وبالتالي كل قتيل إضافي في الحرب سيكون موته مجانياً.
في المقابل، يتضح أيضاً، أنّ حكومة الاحتلال ضلّلت الأمم المتحدة، وردّت على إعلان سورية للأمم المتحدة موافقتها على التوصّل إلى وقف إطلاق النار، بإبلاغ المنظمة الدولية أنّ السوريين يواصلون القتال، وعندما اعترض وزير "مفدال" على هذا "التضليل" من قبل مدير عام الخارجية الإسرائيلية، قائلاً لكن هذه ليست الحقيقة، ردّ عليه يغئال ألون قائلاً "أعترف أنّ هذه ليست الحقيقة ولكنّها من نوع الأكاذيب التي يُسمح بها من أجل السلام"، على حدّ تعبيره.