خاصة عندما تبذل مجهودًا كبيرًا في دفع أحدهم، ذاك الذي يتلاصق بك بشكل مريب من الخلف، ثم تنظر فتجد نفسك دون كلوشك!
إن فقدان كلوش أمر تافه.
فقدت كلوشي مرتين في وقت متقارب جدًا. من الممكن أن تقول إني لم أعد أتعجب من الأمر.
أدخل عربة الترام ولديَّ كلوشين على قدمي الاثنين، وأخرج فأجد كلوشًا واحدًا على إحدى قدميَّ، والآخر قد اختفى. الحذاءان موجودان وكذلك الجوربان، والسراويل التحتية أيضًا مازالت في مكانها، ولكن أحد الكلوشين قد اختفى. وبالطبع لا يمكنك أن تركض لتلحق بالترام.
خلعت الكلوش المتبقي، ووضعته داخل الصحيفة وأكملت طريقي. أفكر أن أبحث عنه بعد العمل. أليس من الممكن أن يكون قد سقط مثلا على أحد الأرصفة؟ سأبحث عنه في مكان ما.
رحت أبحث عنه بعد العمل. أول شيء فعلته أن استشرت أحد السائقين الذين أعرفهم، فأكد لي مباشرة قائلاً:
- الحمد لله أنك قد فقدته في عربة الترام. إن كنت قد فقدته في مكان آخر لم نكن لنجده أبدًا، ولكن إن فقدته في عربة الترام فأنت محظوظ حقًا. لدينا غرفة خاصة بالأغراض الضائعة. اذهب إلى هناك وخذ كلوشك... يا لك من محظوظ!
قله له:
- شكرًا... كنت أشعر أني أحمل جبلا فوق كتفيَّ. كان الكلوش جديدًا إلى حد كبير، فهذا هو الموسم الثالث فقط الذي أرتديه فيه.
وفي اليوم التالي ذهبت إلى غرفة المفقودات. قلت لهم:
- هل أعاد إليكم أحد كلوشًا؟ لقد فقدته في إحدى عربات الترام.
- ما شكله؟
- كلوش عادي مقاس 12.
- قد يكون لدينا الآلاف بهذا المقاس. صفه لنا تفصيلا.
- إنه عادي جدًا.متآكل بعض الشيء من الخلف، وليس به بطانة.
- قد تكون لدينا نفس المواصفات بأعداد أكبر. أليست به تفاصيل مميزة؟
- بالطبع لديه. إنه ممزق من عند مقدمة الإصبع، وتقريبًا ليس به كعب... متآكل تمامًا. لكنه مازال سليمًا من عند الجوانب
- انتظر.. سوف أبحث لك عنه.
وفجأة جاءوا بكلوشي. فرحت جدًا وتأثرت للغاية.
انظروا إلى ما حدث... أعتقد أن نظامنا يعمل بشكل رائع... ويا لهم من أناس مثاليين كي يعتنوا بأمر كلوشي بهذا الشكل! قلت:
- سأظل أشكركم يا أصدقائي حتى الممات. أعطوني إياه سريعًا. سوف أرتديه الآن.. شكرًا لكم.
- لا أيها الرفيق المبجل... لا يمكننا أن نمنحك إياه. إننا لا نعلم. قد لا تكون فقدت كلوشًا فعلا.
- لا.. لقد فقدته. بشرفي فقدته.
- نحن نصدقك تمامًا بل ونتعاطف معك، لكن لا يمكننا أن نعطيك إياه. عليك أن تجلب لنا دليلا على أنك فقدت كلوشًا فعلا. فلتجعل إدارة المنزل الذي تقطن فيه تؤكد لنا ذلك، وسنمنحنك إياه دون مزيد من الجدال.
- يا أشقائي... يا رفاقي الطيبين... إنهم لا يعرفون شيئًا عن هذا في المنزل. ربما لا يمنحونني مثل هذه الشهادة.
- سيمنحونك إياها. هذا عملهم، وإلا فما هو عملهم تحديدًا؟
رمقت الكلوش بنظرة أخيرة وغادرت المكان.
في اليوم التالي ذهبت إلى ممثل لجنة المنزل الذي أقطن فيه وقلت له:
- امنحني شهادة بأني فقدت كلوشي.
- وهل فقدته فعلا أم أنك تخادع؟ يمكن أن تكون قد رغبت في الحصول على واحد إضافي من السوق.
- أقسم بالله إني قد فقدته.
- بالطبع لا يمكنني أن أمنحك الشهادة بناءً على كلامك فقط. إن كنت أريد أن أمنحك الشهادة فاذهب إلى محطة الترام وائتني بشهادة من هناك تفيد بأنك قد فقدت كلوشك.
- لقد ذهبت إليهم، وهم من أرسلوني إليك.
- اكتب لي إفادة إذن.
- إفادة بماذا؟
- في اليوم الفلاني فقدت كلوشي... إلخ. ولن أتحرك من مكاني حتى يتم حل الأمر تمامًا.
كتبت الإفادة، وفي اليوم التالي حصلت على شهادة رسمية. ذهبت بها إلى غرفة المفقودات، وقد منحوني هناك كلوشي دون كلمة واحدة. وعندما ارتديت كلوشي ثانية... حينها فقط شعرت برقة متناهية... الناس تقوم بعملها فعلا.
أين يمكن في هذا العالم أن يشغل الناس أنفسهم بكلوشي بمثل هذه الطريقة؟ ربما حتى كانوا قد ألقوا به من عربة الترام. أما هنا فلم يستغرق الأمر سوى أسبوع حتى منحوني إياه.
أمر واحد مؤسف في هذه الحكاية، وهو أني في غضون هذا الأسبوع، وبينما كنت أحاول استرجاع كلوشي فقدت الآخر. كنت أحمله طوال الوقت ملفوفًا أسفل ذراعي، ولا أذكر أين فقدته تحديدًا. لم أفقده في عربة ترام.... أمر مؤسف أني لم أفقده في عربة الترام. ولكن أين أبحث عنه؟ ولكن على أية حال لديَّ ذلك الكلوش الآخر. لقد وضعته على الكومود. عندما أشعر بالحزن سوف أنظر إليه، وسوف تفرح روحي وتبتهج. إن نظامنا يعمل حقًا بجودة! سيظل هذا الكلوش في ذاكرتي إلى الأبد!
* الكلوش: حذاء مطّاطي
** كاتب روسي ولد سنة 1894 ورحل في 1958، يعتبر أحد أبرز أسماء الأدب
الساخرة. النص من كتاب "قصص مختارة" الصادر مؤخراً ضمن سلسلة "إبداعات عالمية".
ترجمة من الروسية: نبيل يوسف