07 نوفمبر 2024
الكوتا النسائية.. لزوم ما لا يلزم
بعد مفاوضاتٍ ومماحكات، زُفّ إلى اللبنانيين أخيراً... القانون الجديد للانتخابات التشريعية. قيلت في هذا القانون بيوتٌ من الشعر: جديد، تجديدي، إصلاحي، صناعة لبنانية، يصحِّح التمثيل... والغرض من هذا التطْبيل زيادة عدم فهمنا آلياته، أو تركنا هكذا في البرية، نتدبّر أمر ذكائنا وحدنا، أو يخوننا هذا الذكاء... اعتراضاتٌ قليلة وقفت بوجه هذا "الإنجاز". ولكن أكثرها إثارةً للرثاء تلك التي لاحت بوادرها في أثناء فترة "توليد" القانون، والتي تجسّدت بالفعاليات النسائية المطالبة بمشاركة النساء في السياسة عن طريق إدخال بندٍ يُلزم كل المرشحين وضع مرشحاتٍ من النساء على لوائحهم، بنسبة 30%. استنكار شخصيات وجمعيات نسائية صدور القانون "الجديد" من دون هذا البند كان بديهياً، بعد الحملة المحمومة التي سبقت صدوره. إذ فهمت صاحبات الطموح السامي أن إدخال نساءٍ إلى البرلمان، وقبله إلى الوزارة، "مشاركة في السياسة". ويُصَبن كل مرة بخيبةٍ جديدة، فيُعدن بعد ذلك الكرّة، وينظّمن الحملات الجديدة، وهكذا.. كأن شيئا لم يكن.
ثمّة مشكلة إذن، في عقول أولئك النساء أنفسهن: تُختصر السياسة عندهن بالوصول إلى واحدةٍ من الهيئتين، التنفيذية أو التشريعية. لا مجال للمشاركة في السياسة لغيرهما من المجالات. لا سياسة إلا في بلوغ "مراكز القرار"، ولا غيره. فباستثناء الحملات ضد العنف الأسري، وتلك المطالِبة بحق النساء اللبنانيات في منح الجنسية لأولادهن، والتي تقودها جمعيات نسائية.. لا ترى لهن فعاليات ديناميكية، "وطنية" جامعة، غير المطالبة بأن يكون بينهن وزيرات أو نائبات في البرلمان اللبناني. وهن بذلك ينقلن تصوّرهن معنى السياسة: السياسة هي دائما "من فوق"، لا من تحت ولا من الوسط. ثم هي ممارسة للسلطة، لا للحكم، كما تشهد عمليه تحطيم الدولة وقوانينها على يد الممسكين بهذه السلطة. فالسياسة، ولو من فوق، هي خدمة عامة، إدارة شؤون الناس، وتنظيم مشكلاتهم، والسهر على تطبيق القانون، وإنجاز قوانين جديدة تفرضها وقائع جديدة. والحال، كما هو معروف للقاصي والداني، أن نظامنا السياسي لم يستطع أن ينتج أكثر من هؤلاء الرجال الذين حوّلوا السياسة إلى سلطةٍ سافرةٍ فاسدة. النساء الطامحات إلى مشاركة طاقم كهذا في القرار لا تختلف تصوراتهن للسياسة عن التي يكاد يصرّح بها "الرجال" علناً، من دون حرَج.
أي أنه باسم مصطلحات برّاقة، مستوحاة من اتفاقاتٍ عالميةٍ حول حقوق المرأة، من نوع:
"التمييز الإيجابي"، "التمكين الجنساني"، "الإجراء المؤقت والضروري".. تبحر النساء المطالبات بحقهن في الشراكة، في مستنقع الطائفية والعائلية والمحاصصة والسمْسرة والصفقات. وكلها سمات للنظام، أصبحت الآن راسخة. لن تقدر عليها أشدّ العنتريات الأخلاقية، أو "الإصلاحية". أنظر فقط إلى "التيار الوطني الحر" الذي رفع "نظافة الكفّ" و"الإصلاح" و"التمثيل الصحيح" و"التغيير والإصلاح".. كيف أصبح، بمجرد وصول عميده إلى الرئاسة، مضرباً للمثل عن كيف يكون الفاسدون الجُدد، ذوو البطون الجائعة.
ولكن، ما علينا الآن: النساء المطالِبات بالشراكة مع آلة السلطة هذه لا يطرحن أي "برنامج"، ولا أية "مطالب"، أو "حساسية" معينة. جلّ ما في الأمر أنهن يرغبن بأن تكون واحدةٌ منهن هناك، فوق.. برنامجهن الوحيد هو أنهن نساء، فقط لا غير. والنتيجة أن الوزيرة الوحيدة التي "اختارها" رئيس "أمل" نبيه بري في الوزراة الجديدة لم تضِف شيئا، لم تتميّز بأمر، ولم يرْشح منها نبضٌ آخر، نسائي أو غير نسائي، لكي لا نقول نسوياً. أما النساء القليلات في البرلمان، فيعود وجودهن إلى أنهن نساء ورثن مقعداً عن أبيهن أو أخيهن أو والدهن أو زوجهن أو جدّهن، أو نساء "حجزنَ" المقعد النيابي لأولادهن، ريثما يبغلون سن الرشد. ولكن، مع ذلك، يمكن تجاوز ذلك ولو مؤقتا، والسؤال عما أضافته تلك النائبات الصامتات، إلا عن "سر جمال" بعضهن، لا إلى سياسة بلادهن العامة أو لنساء بلادهن. بل أكثر من ذلك: لم نرَ أربعتهن يجتمعن، بعددهن القليل هذا، ويقلنَ قولاً مختلفاً في القوانين المجحفة بحق النساء، أو في تصاعد الجرائم الزوجية أو الجنسية.. إلخ. وهذا أمر طبيعي، لأنهن من صلب السلطة، موالياتٌ لها ومسدِّداتٌ خطاها.
أما مع القانون الانتخابي "الجديد"، فسوف تزداد الهوّة بين اللبنانيين، ناهيك عن البرلمانيات.
فهو يفرض أن ينتخب ابن كل طائفة لمرشحين من طائفته نفسها. أي أنه سوف يزيد من عيار الغربة بين اللبنانيين أنفسهم، وينعكس على "الأداء" البرلماني، التعبوي الفولكلوري. ماذا تريد النساء الطامحات إلى الكوتا فعله وسط عش الدبابير هذا؟ واضحٌ لكل من أراد النظر أن المطالبة بالكوتا هي كالمطالبة بالمشاركة في حفلة تدمير الدولة وقوانينها. ثم إن "حصة" النساء فيها أكثر من غيرها من "الحصص" الهامشية، هي في آخر سلم أولويات السياسيين المتفرِّغين لهذا المحْفل. فالحصص قليلة أصلاً، ولا أسرار حول تناتشها، والبازارات المرافقة لها. عام ونصف العام لانتخاب رئيس، ستة أشهر لتشكيل الحكومة، تسع سنوات لانتخاب مجلس نيابي "جديد" (إذا صدقوا).. وكل هذه الأمور مصيرية، تقرّر بقاء البلد أو انهياره، وتريدون بعد ذلك أن نجد حصّةً ضائعةً من بين حسابات الحصص، ونمنحها لكنّ أيتها النساء الفاضلات؟
كل الأحزاب الحاكمة أعطت موافقتها على "الكوتا النسائية". بل استقبل رؤساؤها الوفود النسائية الناشطة في فعاليات "الكوتا". رحّبوا بها، وأثنوا على جهودها الجبارة. وحده حزب الله لم يوافق على الكوتا النسائية، ولاعتبارات فقهية تلزمه، هو الحزب الأصولي الديني. وهو بذلك ساعد كل الأحزاب "الموافِقة" على حفظ ماء وجهها. سئل أحد نواب الحزب عن سبب رفضهم الكوتا النسائية، فردّ بأن الموافقين عليها ليسوا جدّيين أساساً. أما "الموافِقون"، فأحالوا "عجزهم"، كلهم مجتمعين، عن فرض الكوتا، إلى رفض حزب الله لها. وهم بذلك مخلصون لسلوكهم التذرعّي، المبرِّر ضعفهم وتقهْقرهم. ولكن من قال إن الشرّ حكر على "الأقوياء" وحدهم؟
ثمّة مشكلة إذن، في عقول أولئك النساء أنفسهن: تُختصر السياسة عندهن بالوصول إلى واحدةٍ من الهيئتين، التنفيذية أو التشريعية. لا مجال للمشاركة في السياسة لغيرهما من المجالات. لا سياسة إلا في بلوغ "مراكز القرار"، ولا غيره. فباستثناء الحملات ضد العنف الأسري، وتلك المطالِبة بحق النساء اللبنانيات في منح الجنسية لأولادهن، والتي تقودها جمعيات نسائية.. لا ترى لهن فعاليات ديناميكية، "وطنية" جامعة، غير المطالبة بأن يكون بينهن وزيرات أو نائبات في البرلمان اللبناني. وهن بذلك ينقلن تصوّرهن معنى السياسة: السياسة هي دائما "من فوق"، لا من تحت ولا من الوسط. ثم هي ممارسة للسلطة، لا للحكم، كما تشهد عمليه تحطيم الدولة وقوانينها على يد الممسكين بهذه السلطة. فالسياسة، ولو من فوق، هي خدمة عامة، إدارة شؤون الناس، وتنظيم مشكلاتهم، والسهر على تطبيق القانون، وإنجاز قوانين جديدة تفرضها وقائع جديدة. والحال، كما هو معروف للقاصي والداني، أن نظامنا السياسي لم يستطع أن ينتج أكثر من هؤلاء الرجال الذين حوّلوا السياسة إلى سلطةٍ سافرةٍ فاسدة. النساء الطامحات إلى مشاركة طاقم كهذا في القرار لا تختلف تصوراتهن للسياسة عن التي يكاد يصرّح بها "الرجال" علناً، من دون حرَج.
أي أنه باسم مصطلحات برّاقة، مستوحاة من اتفاقاتٍ عالميةٍ حول حقوق المرأة، من نوع:
ولكن، ما علينا الآن: النساء المطالِبات بالشراكة مع آلة السلطة هذه لا يطرحن أي "برنامج"، ولا أية "مطالب"، أو "حساسية" معينة. جلّ ما في الأمر أنهن يرغبن بأن تكون واحدةٌ منهن هناك، فوق.. برنامجهن الوحيد هو أنهن نساء، فقط لا غير. والنتيجة أن الوزيرة الوحيدة التي "اختارها" رئيس "أمل" نبيه بري في الوزراة الجديدة لم تضِف شيئا، لم تتميّز بأمر، ولم يرْشح منها نبضٌ آخر، نسائي أو غير نسائي، لكي لا نقول نسوياً. أما النساء القليلات في البرلمان، فيعود وجودهن إلى أنهن نساء ورثن مقعداً عن أبيهن أو أخيهن أو والدهن أو زوجهن أو جدّهن، أو نساء "حجزنَ" المقعد النيابي لأولادهن، ريثما يبغلون سن الرشد. ولكن، مع ذلك، يمكن تجاوز ذلك ولو مؤقتا، والسؤال عما أضافته تلك النائبات الصامتات، إلا عن "سر جمال" بعضهن، لا إلى سياسة بلادهن العامة أو لنساء بلادهن. بل أكثر من ذلك: لم نرَ أربعتهن يجتمعن، بعددهن القليل هذا، ويقلنَ قولاً مختلفاً في القوانين المجحفة بحق النساء، أو في تصاعد الجرائم الزوجية أو الجنسية.. إلخ. وهذا أمر طبيعي، لأنهن من صلب السلطة، موالياتٌ لها ومسدِّداتٌ خطاها.
أما مع القانون الانتخابي "الجديد"، فسوف تزداد الهوّة بين اللبنانيين، ناهيك عن البرلمانيات.
كل الأحزاب الحاكمة أعطت موافقتها على "الكوتا النسائية". بل استقبل رؤساؤها الوفود النسائية الناشطة في فعاليات "الكوتا". رحّبوا بها، وأثنوا على جهودها الجبارة. وحده حزب الله لم يوافق على الكوتا النسائية، ولاعتبارات فقهية تلزمه، هو الحزب الأصولي الديني. وهو بذلك ساعد كل الأحزاب "الموافِقة" على حفظ ماء وجهها. سئل أحد نواب الحزب عن سبب رفضهم الكوتا النسائية، فردّ بأن الموافقين عليها ليسوا جدّيين أساساً. أما "الموافِقون"، فأحالوا "عجزهم"، كلهم مجتمعين، عن فرض الكوتا، إلى رفض حزب الله لها. وهم بذلك مخلصون لسلوكهم التذرعّي، المبرِّر ضعفهم وتقهْقرهم. ولكن من قال إن الشرّ حكر على "الأقوياء" وحدهم؟