في كل دورة أولمبياد تظهر على السطح قصص أسطورية حول معاناة ونجاح أبطال رياضيين فيها، وبعيداً عن القصص الدائمة التي تتكرر كل دورة حول نجاحات السباح الأميركي مايكل فيلبس كأفضل رياضي في التاريخ والعدّاء الجامايكي يوسيان بولت كأسرع رجل في العالم برزت قصة بعثة فريق الكويت الأولمبية كإحدى قصص الإلهام في الأولمبياد لهذه السنة بسبب عدم مشاركتها لأول مرة تحت العلم الوطني واستبداله بالعلم الأولمبي تحت مسمى "فريق الرياضيين الأولمبيين".
وتعود جذور القصة إلى شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الفائت، عندما أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية منع دولة الكويت من ممارسة أي نشاط رياضي عالمي أو محلي بسبب تدخل الحكومة في القوانين الرياضية، وهو ما يعارض الميثاق الأولمبي، لكن الحكومة الكويتية تعهدت في يناير/كانون الثاني من هذا العام بوقف تنفيذ هذه القوانين أثناء اجتماع لمبعوثيها مع أعضاء اللجنة الدولية، قبل أن تقرر الحكومة مرة أخرى عدم الوفاء بهذه التعهدات ليبقى الإيقاف سارياً حتى ابتداء الأولمبياد، مما اضطر بعثة الكويت المكونة من تسعة رياضيين ورياضية واحدة فقط، إلى الانضمام إلى فريق سمي بفريق "الرياضيين الأولمبيين المستقلين" ورفع العلم الأولمبي بدلاً من العلم الكويتي في كل المسابقات التي يشاركون بها، ومعاقبة أي لاعب يظهر علامةً على انتمائه للكويت.
وعلى الجانب الآخر أنذرت الحكومة في بيان رسمي لها اللاعبين وطالبتهم بعدم اللعب تحت راية لجنة الأولمبياد، مطالبة إياهم بعدم تغليب المصلحة الشخصية على مصلحة الوطن، وقال رئيس لجنة الشباب والرياضة في البرلمان النائب عبدالله المعيوف في تصريح تلفزيوني: إن مشاركة هؤلاء اللاعبين هي خيانة للوطن والمبادئ الوطنية، ويجب أن يحاسبوا ويعاقبوا معاقبة شديدة.
لكن اللاعبين الأولمبيين الذين شاركوا في الأولمبياد على حسابهم الخاص وأقاموا معسكرات تدريبية خاصة بهم دون دعم حكومي تجاهلوا طلبات ونداءات الحكومة وشارك فهيد الديحاني في مسابقة "الدبل تراب" وكانت المفاجأة أنه حقق الميدالية الذهبية متفوقاً على الإيطالي ماركو إينوتشي، ثم شاركت السباحة، فيّ السلطان، في مسابقة 50 متراً وحصدت المركز الأول على مجموعتها في التصفيات لكنها لم تتأهل بسبب فارق التوقيت عن المتأهلين وعدم حصولها على مركز مناسب من بين جميع المتسابقات.
وبعدها استطاع الرامي عبدالله الطرقي تحقيق الميدالية البرونزية في منافسات "السكيت"، لتتحول النقمة الحكومية والرسمية على المشاركين إلى فرحة وافتخار، إذ قامت الحكومة عبر وسائل الإعلام الرسمية بتكريمهم والإشادة بإنجازاتهم وحظي الأبطال الأولمبيون باستقبال شعبي بعد أن غادروا البلاد باتجاه ريو دي جانيرو وهم مهددون بالمحاكمة في محاكم البلاد.
وقال الرامي فهيد الديحاني بعد فوزه مباشرة وهو يغالب دموعه في تصريح لوسائل الإعلام العالمية: إن هذا الفوز جاء رداً على هؤلاء الذين دمروا مستقبل الرياضة الكويتية بسبب خلافاتهم - في إشارة للخلافات بين الأطراف الكويتية الموالية للجنة الأولمبية وبين الموالية للحكومة والبرلمان - وعلى هؤلاء المختلفين أن يخجلوا من أنفسهم كونهم تسببوا في عدم رفع العلم الكويتي وعدم الغناء بالنشيد الوطني والاستعاضة عنه بالعلم والنشيد الأولمبيين.
وقال الرامي عبدالله الرشيدي بعد سؤاله عن سبب تنكيسه رأسه أثناء التكريم إنه لا يريد أن يرى علماً آخر سوى العلم الكويتي مرفوعاً في الهواء. لكن المفاجأة الكبرى هي احتفاء الهيئة العامة للرياضة والشباب؛ وهي الجهة المسؤولة عن الرياضة في الكويت، بالرياضيين الأولمبيين المشاركين ووصفهم "بالأبطال الذي شرّفوا الوطن في محفل دولي مهم"، وقرارها تكريمهم بعد أن كانت قد حذرتهم من المشاركة وطالبتهم بالرجوع إلى الكويت.
وقال الصحافي الرياضي خالد جازع المطيري لـ"العربي الجديد": "ما حدث هو أمر مضحك فلو أن هؤلاء الرياضيين عادوا بدون ميداليات أولمبية لتمت معاقبتهم وربما محاكمتهم لكن عند الفوز نسبت الهيئة العامة للشباب والرياضة كل الإنجازات لها وقالت إن الفضل عائد لها في تدريبهم، رغم أنها، باعتراف الأولمبيين، رفضت مساعدتهم حينما ذهبوا إلى الأولمبياد".
وقررت الحكومة الكويتية مكافأة الرامي فهيد الديحاني براتب شهري لمدة أربع سنوات قدره خمسة آلاف دينار كويتي (16 ألف دولار تقريباً) بمجموع قدره 240 ألف دينار كويتي (800 ألف دولار تقريباً) كأعلى مكافأة ينالها بطل أولمبي لقاء ميداليته الذهبية من بين جميع الدول المشاركة، وقررت أيضاً مكافأة الرامي عبدالله الرشيدي براتب شهري لمدة أربع سنوات مقداره ثلاثة آلاف دينار كويتي (10 آلاف دولار تقريباً) بمجموع قدره 144 ألف دينار كويتي (464 ألف دولار تقريباً).
واستقبل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح الأبطال الأولمبيين وأهدى لكل منهم منزلاً لقاء ميداليته الأولمبية، كما استقبلهم ولي العهد نواف الأحمد الصباح، وكذلك رئيس مجلس الوزراء جابر المبارك الصباح ليتحول فريق الكويت الأولمبي في غضون عشرة أيام فقط من فريق منبوذ ومهدد بالمحاكمة إلى رمز وطني يفتخر به الكويتيون.
وقال الرامي فهيد الديحاني في تصريح لـ"العربي الجديد": "هذه الميدالية الذهبية مهداة في المقام الأول للشعب الكويتي والشعوب العربية، كنت سعيداً لمشاعرهم الجياشة تجاهي رغم حزني في الوقت نفسه على عدم رفع العلم الوطني".
وأضاف أنه بالنسبة للمشاكل العالقة بيني وبين الهيئة العامة للشباب والرياضة فقد تكفل وزير الشباب الشيخ سلمان الحمود بحل المشكلة وسوء التفاهم الحاصل وأتمنى من كل قلبي أن يحظى الرياضيون المشاركون في الأولمبياد القادم بدعم رسمي كي نتمكن من رفع اسم الكويت عالياً لأننا في الحقيقة نملك الرياضيين الأفضل على مستوى العالم لكن غياب الدعم الحكومي والتحفيز هو ما يفقدهم الرغبة في المشاركة.