بدأت اليوم أعمال المنتدى السنوي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بجنيف، والذي سيتم تخصيصه لمناقشة المخاطر التي تحيق بطالبي حق اللجوء والهجرة عبر البحر.
ووفق البرنامج المعلن لأعمال المنتدى، الذي سيستمر على مدار يومين، فإنه سيتم التركيز على المخاوف من تشتت جهود المجتمع الدولي في إنقاذ أرواح اللاجئين الساعين إلى التماس اللجوء في مكان آمن، وبحث حالة الارتباك التي تصيب الدول الساحلية والكتل الإقليمية، لعدم القدرة على تقييم كيفية التعامل مع الأعداد المتزايدة للأشخاص الفارين من جحيم الكوارث، عن طريق رحلات خطيرة في البحر، سعياً إلى لجوء أو إلى هجرة.
وكان المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، انطونيو غوتيريس، قد انتقد توجهات بعض الحكومات لإبقاء الأجانب خارجاً، بدلاً من التمسك بمبادئ اللجوء المعمول بها وفق آليات حقوق الإنسان والقانون الدولي.
واستطرد غوتيريس في بيان من المفوضية استبق به أعمال المنتدى، قائلاً: "هذا خطأ، وبشكل خاص ما هو متعلق بردّة الفعل الخاطئة، في حقبة تُسَجّلُ فيها أعدادُ الفارين من الحروب مستويات قياسية". مضيفاً: "إن الأمن وإدارة الهجرة مصدرا قلق بالنسبة لأية دولة، ولكن ينبغي رسم سياسات التعامل معها بما لا يؤدي بالأرواح البشرية أن تصبح ضرراً ثانوياً".
ويقول خبراء المفوضية إن الطبيعة السرية لعبور البحر (عصابات التهريب ومسار القوارب)، تجعل من الصعب إجراء مقارنة موثوق بها مع الأعوام السابقة، لكن البيانات المتاحة تشير إلى تسجيل العام 2014 رقماً قياسياً لعدد من وصلوا إلى شواطئ الدول أو من لقوا حتفهم غرقاً.
ووفقاً لتقديرات السلطات الساحلية من مختلف دول العالم، والمعلومات الواردة من عمليات اعتراض ورصد مؤكدة لسفن غير مصرح بها، فإن 348 ألف شخص على الأقل، خاطروا بحياتهم برحلات كهذه في جميع أنحاء العالم، وذلك منذ بداية شهر يناير/ كانون الثاني من هذا العام.
وتدرك آليات الأمم المتحدة المعنية "أن الهجرة تشكل، تاريخياً، المحرك الرئيسي وراء ذلك، ولكن عام 2014 شهد ارتفاعاً قياسياً لعدد طالبي اللجوء عبر البحر".
ووفق بيانات الأمم المتحدة فإن أوروبا، التي تحدها مناطق صراع كبرى إلى الجنوب منها (ليبيا) والشرق (أوكرانيا) والجنوب الشرقي (سوريا/العراق)، تشهد حالياً أكبر موجات تدفق لملتمسي حق اللجوء عبر البحر.
كما تمكن، وفق الأمم المتحدة، أكثر من 207 آلاف شخص من عبور البحر المتوسط منذ مطلع شهر يناير/ كانون الثاني هذا العام، أي نحو ثلاثة أضعاف العدد الإجمالي المسجل في العام 2011 والبالغ 70 ألفاً، عندما كانت الحرب الأهلية الليبية في ذروتها.
وشكّل القادمون من البلدان المصدّرة للاجئين، مثل سوريا وإريتريا، في العام 2014، عنصراً رئيسياً في هذا التدفق المأساوي، ليبلغ قرابة 50 في المائة من المجموع، وفق بيانات الأمم المتحدة.
طرق الموت كثيرة
وإلى جانب البحر المتوسط، يؤكد الخبراء الدوليون أن هناك ثلاثة طرق بحرية أساسية أخرى، على الأقل، يستخدمها المهاجرون والأشخاص الفارون من الصراع أو الاضطهاد اليوم، حسب ما تم رصده في الفترة بين مطلع يناير/ كانون الثاني وأواخر نوفمبر/ تشرين الثاني.
ففي منطقة القرن الإفريقي، عبَر 82 ألفاً و680 شخص، خليج عدن والبحر الأحمر، معظمهم قادمون من أثيوبيا والصومال إلى اليمن أو باتجاه المملكة العربية السعودية ودول الخليج.
أما في جنوب شرق آسيا، فيُقدَّر أن يكون عدد من عبروا البحر حتى الآن بـ 54 ألف شخص، غادر معظمهم من بنغلاديش وميانمار باتجاه تايلاند أو ماليزيا.
وفي منطقة البحر الكاريبي تم رصد قيام 4775 شخصاً بركوب البحر على أمل التخلص من الفقر أو سعياً لطلب اللجوء.
ويفقد الكثيرون حياتهم أو يقعون ضحية الجريمة الدولية المنظمة خلال قيامهم بهذه الرحلات.
وتقول المفوضية إنها حصلت على معلومات تفيد بمصرع قرابة خمسة آلاف شخصٍ غرقاً هذا العام، نحو 3419 منهم في البحر المتوسط، مما جعله الطريق الأكثر فتكاً على الإطلاق.
وفي جنوب شرق آسيا، يُقدَّر عدد الأشخاص الذين فقدوا حياتهم خلال محاولاتهم عبور بحر البنغال بـ 540 شخصاً.
أما في البحر الأحمر وخليج عدن، فقد سجّل فقدان ما لا يقل عن 242 شخصاً، وذلك حتى 8 ديسمبر/كانون الأول، فيما بلغ عدد الأشخاص الذين لقوا مصرعهم أو من هم في عداد المفقودين 71 شخصاً، وذلك حتى مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول.
تجارة رائجة
ومما يثير قلق خبراء الأمم المتحدة، حالة الازدهار الذي تشهده شبكات التهريب والإتجار بالبشر، والتي تعمل دون أن يطالها العقاب، في مناطق تتسم بعدم الاستقرار أو الصراع، وتحقق أرباحاً طائلة من وراء تهريب أناس غلب عليهم اليأس.
وقال غوتيريس في هذا السياق إن الحكومات وجدت نفسها عاجزة عن وقف التدفق أو الحد من أن يلقى الأشخاص حتفهم خلال الرحلة، وذلك بسبب تركيزها على العناصر كلٍّ بمعزل عن الآخر، في مشكلة هي بطبيعتها متعددة الجوانب وعابرة للحدود، تُستخدم فيها طرقات تمر عبر حدود بلدان عديدة وتمتد على مساحة آلاف الكيلومترات.
وأضاف: "لا يمكنك وقف شخص يفر للنجاة بحياته عن طريق الردع دون مضاعفة المخاطر. بل يجب معالجة الأسباب الحقيقية وراء تلك المسألة، أي البحث عما يدفع بالأشخاص إلى الفرار وما يمنعهم من البحث عن اللجوء بطرق أكثر أماناً، وما يمكن فعله للقضاء على الشبكات الإجرامية التي تزدهر على حساب ذلك، وفي الوقت نفسه توفير الحماية للضحايا. ويعني ذلك أيضاً اعتماد أنظمة مناسبة للتعامل مع القادمين، والتمييز بين من هم لاجئون حقيقيون ومن ليسوا كذلك".
ويشارك في منتدى هذا العام ممثلون عن الحكومات والمنظمات غير الحكومية، وحرس السواحل وأكاديميون ورؤساء منظمات دولية شريكة للمفوضية، من بينها المنظمة الدولية للهجرة ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان والمنظمة البحرية الدولية.