07 نوفمبر 2024
المؤامرة الصومالية اليمنية الفلسطينية!
أطلّ سعوديون في مقطع فيديو، يحتفلون باليوم الوطني لبلادهم، قبل أيام، ولكن بطريقة منفّرة، إذ كانوا يوقفون سيارات المقيمين الأجانب لمضايقتهم والسخرية منهم. يمثّل هذا الفيديو واحدا من تجليات التغييرات التي أصابت المملكة "العربية" السعودية، وهي تغييراتٌ جعلت من مؤيديها متلبسين بحالةٍ دائمةٍ من هواجس نظرية المؤامرة تجاه الجميع، حتى وصل الأمر إلى نسج مؤامراتٍ من وحي الخيال عن مؤامرات صومالية ويمنية وسورية، وحتى فلسطينية! فضلا عن غيرهم من الشعوب المستضعفة حاليا، لكن المثير أن تلك المؤامرات المتخيّلة تمتزج بخطاباتٍ موازية تحطّ من قدر تلك الشعوب في الوقت نفسه! فلا نعرف هل تلك الشعوب من القوة، بحيث تخطط للتآمر على السعودية، أم هم أقوام مغلوبون على أمرهم، ولا يستطيعون مواجهة "السعودية العظمى"، وفقا لهذا النوع من الخطاب الدولتي البائس.
لنأخذ دولة الصومال مثالا لذلك، فمنذ اندلاع أزمة حصار قطر في يونيو/ حزيران من العام الماضي، اتخذت الحكومة الصومالية موقفا محايدا من الأزمة، شأن دول عديدة لم تتورّط في اتخاذ مواقف مساندة لدول الحصار التي يبدو أنها لم تقبل هذا الحياد، ليصل إلى درجاتٍ متقدمة من ترويج نظرية المؤامرة بحق الصومال والصوماليين. وبعد قرار محكمة العدل الدولية الذي دان دول الحصار، وألزمها بلمّ شمل الأسر القطرية، وطالبها بضرورة احترام الحريات الفردية، انطلقت أبواقٌ سعوديةٌ تتهم رئيس المحكمة، القاضي الصومالي، عبد القوي أحمد يوسف، بأنه جزء من مؤامرةٍ تسبّبت في صدور هذا الحكم. وكأننا بصدد محكمة من دول العالم الثالث التي تأتي لقضاتها الأوامر من السلطة عبر الهاتف، لتصدر أحكامها وفقا لما يشاء الزعيم.
وبعد بيان وزارة الخارجية الكندية الذي انتقد أوضاع حقوق الإنسان في السعودية، وما تبعه من ردّة فعل سعودية متشنجة، وهستيرية، انطلقت الأبواق السعودية نفسها على مواقع التواصل
الاجتماعي، لتتهم شخصا آخر، هو وزير الهجرة الكندي (من أصول صومالية)، أحمد حسين، بأنه السبب وراء ما سمّوها "الحملة الكندية على السعودية". وتطوع أحد كبار الذباب الإلكتروني السعودي بتطوير تلك النظرية الحمقاء، بالقول إن الوزير الكندي خطط للحملة بالتعاون مع السفير القطري في كندا، فهد كافود، ولم ينس أن يضيف إن السفير إيراني الأصل، لتكتمل في أذهان البؤساء الذين يصدّقونه أركان المؤامرة التي لم يقتصر ذكرها على ذباب مواقع التواصل، وإنما امتدت إلى صحف ووسائل إعلام سعودية، وكذلك في خطاب سياسيين وإعلاميين سعوديين، ليرد عليهم السفير القطري نفسه، ويفضحهم بأنه غادر كندا قبل أسابيع من الأزمة، وبأن الوزير الصومالي لو كان ضالعا في المؤامرة المتخيلة لكان أولى به أن يعفي المواطنين القطريين من تأشيرة الدخول إلى كندا، وليس الإماراتيين. كما أن ملف أوضاع حقوق الإنسان تتولاه وزارة الخارجية، ولا علاقة لوزارة الهجرة به.
وبعد زيارة الرئيس الصومالي، محمد عبدالله فرماجو، الدوحة قبل أشهر، ردت الأبواق السعودية عليها بحملةٍ عنصريةٍ تحاول التقليل من شأن الصومال والصوماليين، وتسخر منهم، وتطلق عليهم أوصافا ربما لم يقلها أشدّ أنصار اليمين المتطرّف المعادي للإسلام والمسلمين في أوروبا. على الرغم من أن الملك سلمان نفسه كان في استقبال الرئيس الصومالي، بعد أن تولى الأخير منصبه.
امتد خطاب المؤامرات إلى الشعب اليمني الذي يعاني ويلات الحرب والمجاعة والأمراض بعد التدخل السعودي، لكن الأبواق السعودية لم تر تلك المآسي، إذ أطلقت حملة عنصرية شعواء ضد اليمنيين الموجودين في السعودية منذ عشرات السنوات، متهمين إياهم بأنهم يتآمرون على الاقتصاد السعودي، ومطالبين بمصادرة أموالهم وترحيلهم بالقوة، على الرغم من أنهم يساهمون، منذ زمن، في تطوير الاقتصاد السعودي.
وعن الشعب الفلسطيني فحدث ولا حرج عن التطاول والعنصرية الفجّة، ومهاجمة القضية
الفلسطينية نفسها، والدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل، وإطلاق وسوم مثل "الرياض أهم من القدس"، واتهام الفلسطينيين ببيع أراضيهم للصهاينة، وغير ذلك من قاموس البذاءات والعنصرية. أما الشعبان السوري والعراقي فكان من نصيبهما أن أطلق عليهما الذباب لقب "عرب الشمال" ضمن شعوبٍ أخرى، وحكموا عليهما بالتخلف الحضاري، وبأن أحوال تلك الشعوب ستكون أفضل لو خضعت للاحتلال الإسرائيلي، بدلا من أن تعيش حرّة! وبالطبع، لم يجرؤ هؤلاء على أن يضموا الشعب الأردني إلى "عرب الشمال"، لأن العلاقات السعودية الأردنية جيدة، ولأن نظامهم السياسي، في النهاية، ملكي، فلا يجرؤون على التلفظ ضده بحرف.
ليس غريبا والحال كهذا أن يتلقى هؤلاء الرد الذي يستحقونه على ما يخرفون به طوال الوقت، ولأن عنصريتهم المقيتة طاولت شعوبا عديدة بتطاول وغرور وتكبر وعنجهية فارغة، فإن تلك الشعوب أوسعتهم نقدا وتوبيخا وتأديبا، حتى صاروا يتألمون ويستنجدون ويصرخون من تلك الردود، لكنهم بدلا من أن يراجعوا أنفسهم وخطابهم، إذا بهم يتهمون العرب بأنهم يكرهون السعودية، ودبّجوا مقالات تبدأ بسؤال "لماذا يكرهوننا؟"، وهو التساؤل الذي انتشر في الولايات المتحدة بعد هجمات "11 سبتمبر" في عام 2001، ولعلهم يصلون إلى الإجابة الصحيحة عن هذا السؤال، بدلا من التمادي في خطاب المؤامرات والعنصرية الخرقاء.
لنأخذ دولة الصومال مثالا لذلك، فمنذ اندلاع أزمة حصار قطر في يونيو/ حزيران من العام الماضي، اتخذت الحكومة الصومالية موقفا محايدا من الأزمة، شأن دول عديدة لم تتورّط في اتخاذ مواقف مساندة لدول الحصار التي يبدو أنها لم تقبل هذا الحياد، ليصل إلى درجاتٍ متقدمة من ترويج نظرية المؤامرة بحق الصومال والصوماليين. وبعد قرار محكمة العدل الدولية الذي دان دول الحصار، وألزمها بلمّ شمل الأسر القطرية، وطالبها بضرورة احترام الحريات الفردية، انطلقت أبواقٌ سعوديةٌ تتهم رئيس المحكمة، القاضي الصومالي، عبد القوي أحمد يوسف، بأنه جزء من مؤامرةٍ تسبّبت في صدور هذا الحكم. وكأننا بصدد محكمة من دول العالم الثالث التي تأتي لقضاتها الأوامر من السلطة عبر الهاتف، لتصدر أحكامها وفقا لما يشاء الزعيم.
وبعد بيان وزارة الخارجية الكندية الذي انتقد أوضاع حقوق الإنسان في السعودية، وما تبعه من ردّة فعل سعودية متشنجة، وهستيرية، انطلقت الأبواق السعودية نفسها على مواقع التواصل
وبعد زيارة الرئيس الصومالي، محمد عبدالله فرماجو، الدوحة قبل أشهر، ردت الأبواق السعودية عليها بحملةٍ عنصريةٍ تحاول التقليل من شأن الصومال والصوماليين، وتسخر منهم، وتطلق عليهم أوصافا ربما لم يقلها أشدّ أنصار اليمين المتطرّف المعادي للإسلام والمسلمين في أوروبا. على الرغم من أن الملك سلمان نفسه كان في استقبال الرئيس الصومالي، بعد أن تولى الأخير منصبه.
امتد خطاب المؤامرات إلى الشعب اليمني الذي يعاني ويلات الحرب والمجاعة والأمراض بعد التدخل السعودي، لكن الأبواق السعودية لم تر تلك المآسي، إذ أطلقت حملة عنصرية شعواء ضد اليمنيين الموجودين في السعودية منذ عشرات السنوات، متهمين إياهم بأنهم يتآمرون على الاقتصاد السعودي، ومطالبين بمصادرة أموالهم وترحيلهم بالقوة، على الرغم من أنهم يساهمون، منذ زمن، في تطوير الاقتصاد السعودي.
وعن الشعب الفلسطيني فحدث ولا حرج عن التطاول والعنصرية الفجّة، ومهاجمة القضية
ليس غريبا والحال كهذا أن يتلقى هؤلاء الرد الذي يستحقونه على ما يخرفون به طوال الوقت، ولأن عنصريتهم المقيتة طاولت شعوبا عديدة بتطاول وغرور وتكبر وعنجهية فارغة، فإن تلك الشعوب أوسعتهم نقدا وتوبيخا وتأديبا، حتى صاروا يتألمون ويستنجدون ويصرخون من تلك الردود، لكنهم بدلا من أن يراجعوا أنفسهم وخطابهم، إذا بهم يتهمون العرب بأنهم يكرهون السعودية، ودبّجوا مقالات تبدأ بسؤال "لماذا يكرهوننا؟"، وهو التساؤل الذي انتشر في الولايات المتحدة بعد هجمات "11 سبتمبر" في عام 2001، ولعلهم يصلون إلى الإجابة الصحيحة عن هذا السؤال، بدلا من التمادي في خطاب المؤامرات والعنصرية الخرقاء.