07 نوفمبر 2024
المؤامرة ومُدَبِّرُوها
نجحت الثورات المُضادَّة في المجتمعات العربية في تعميم منطق المؤامرة، حيث عَمِلَت بقايا قِوَى الاستبداد والفساد على إشاعة (ونشر) جملةٍ من المعطيات في الإعلامين، المرئي والمكتوب، وفي الوسائط الاجتماعية، مُدَّعِية أن ما حصل في بلدانٍ عربيةٍ كثيرة، سنة 2011 وما بعدها، كان نتيجة مسلسلٍ من التآمر الذي يروم تفجير المجتمع العربي، وإطاحة الدولة القائمة.
وَظَّفَت الأطراف المتآمرة، من أجل بلوغ المرمى المذكور، مجموعةً من الآليات السياسية والعسكرية، الأمر الذي مكَّنها في سَرْدِية التآمر المتداولة اليوم، أولاً، من إطاحةِ أنظمةٍ معيَّنة، ثم تفجير حروبٍ أهلية بعد ذلك، بشراسةٍ وحقد كثيريْن. فأصبحنا أمام عمليات انفراط لمقوِّمات الاندماج الاجتماعي، لِنُصْبِح، في النهاية، أمام مجتمعاتٍ تتحدَّث لغة المِلَل والنِّحَل، وتحلم بدولة الخلافة وفتوحاتها.
لا تهتم القِوى التي تنشر أوهام المؤامرة والتآمر بالعلاقة التي بنتها شبيبة الحراك الاجتماعي في المدن العربية، كما أنها لا تعير أدنى اهتمام لأدبيات الإصلاح السياسي التي ركَّبتها القِوى الفكرية والسياسية، خلال عقودٍ طويلةٍ من نضالها المتواصل في مناهضة الاستبداد والفساد في أغلب المجتمعات العربية. وبدل ذلك، تكتفي رواية المؤامرة بالبحث في الأصابع الخفية التي ركَّبت خيوط كل ما حصل، مُعْلِنَةً أن كل ما وقع حصل بفعل القِوَى التي لا يستطيع أحد ردَّها.
لم يكتف الذين ابتكروا المحتوى الجديد لمفهوم المؤامرة بتحديد (وضبط) العناصر التي أشرنا إليها، بل ذهبوا أبعد من ذلك، حيث تحوَّلت النَّزعات الطائفية والنُّزُوعَات الجهادية إلى مجموعة من البُؤَر الْمُعدَّة، في إطار برنامج تآمري شامل، يتوخَّى، في نظر الفئات المدبِّرة لِمَا حصل، نشر الخراب في الحواضر العربية، ثم الاستيلاء عليها، وعلى خيراتها، وتقسيمها، بعد ذلك، بين قِوَى الشَّرّ العالمية، القادمة من عالمٍ لا علاقة له بأخلاق الرحمة التي يؤمنون بها.
اتخذ الموقف التآمُري، في البداية، صورة موقفٍ رافضٍ كل ما حصل في الميادين العربية، حيث خرج الشباب العربي، لتلتحق به، بعد ذلك، الفئات المُهَمَّشَة في المدن العربية، كما يحصل عادة في ثوراتٍ كثيرةٍ عرفها التاريخ، إلا أن أصحاب التاريخ المؤامراتي يرون أن كل ما حصل يُعَدُّ نتيجة حتمية لتدبيرٍ مُقَدَّر ومُرَتَّب سلفاً.
وإذا كان حدث الانفجارات قد اتخذ ملامح جديدة، مُوَاكِبةً مختلف صور تطوره ومختلف التفاعلات التي صاحبته إقليمياً ودولياً، الأمر الذي ساهم في تحويل جوانب من مساراته، وانعكس على موضوع المؤامرة، لِيَتَّخِذ ملامح مختلطة، يصعب فرزها، فأصبح لغط المؤامرة، وسط كل الصعوبات والعوائق التي تولَّدت في قلب الحدث، مقترناً بالموقف من الثورات، وما خلّفته من نتائج في مختلف البلدان العربية.
تواطأت أنظمة وبقايا أنظمة وقِوَى إقليمية ودولية، لإقرار مبدأ المؤامرة، والسكوت عن الآفاق
التي فتحها المشروع الثوري أمام المجتمعات العربية. وبحكم التعثُّر الناشئ في قلب التداعيات التي حصلت، والناشئ أيضاً لنقصٍ ملحوظٍ في تمرّسِ نخبنا السياسية بآليات التوافق الديمقراطي في الأطوار الانتقالية في التاريخ، فإن من يُنَظِّرُون اليوم للفعل المؤامراتي يتجهون إلى مزيدٍ من محاصرة ما لا يمكن محاصرتُه، نقصد بذلك، الفعل الثوري ومآثره حتى عندما يحاصر.
لا ننظر إلى المؤامرة والتآمر في التاريخ من زاوية أخلاقية، بل ندرجه ضمن الآليات المستخدَمة، بصيغ عديدة في مواقع الحروب، وفي لحظات الصراع بين المجتمعات. إضافة إلى ذلك، نعرف أن التآمر في التاريخ لا يتم إلا بحصول أشكالٍ من التواطؤ المُمَهِّدَة له ولشروطه. ومن هنا، الطابع المركَّب للمؤامرة ومدبريها، ولمن انطلت عليهم خيوطها.
اتِّساع دوائر الصراع، كما هو حاصل اليوم، وانتعاش منطق الإرهاب في المستويين، الإقليمي والدولي، وفي المحيط العربي، وذلك بعد التوسُّع الذي عرفه "داعش" في كل من العراق وسورية وليبيا، والتدخُّل السوفييتي والمواقف الإيرانية والتركية في كل ما حصل في سورية، ثم مواقف التيار السعودي الخليجي في مواجهة الحوثيين في اليمن، وحزب الله، وكل الأحداث التي تلاحقت بعد ذلك، أدخلت المجتمعات العربية في متاهات وأنفاق مُرْعِبَة.
يُخْفِي الركون إلى نظرية المؤامرة أسئلةً أخرى، إنه يسكت عن قضايا كثيرة متصلة بالمؤامرة والتآمر، والذين يردِّدُون اليوم مفردة المؤامرة لا يتحدّثون عن أسماء المتآمرين، وأسماء من تآمروا معهم، سواء منهم من تَمَّ استدراجهم، أو الذين اختاروا أن يكونوا طرفاً في معارك قائمة، ذلك أنه لا مؤامرة إلّا بتوفُّر أطراف معيَّنة، ولا نجاح لأي مؤامرةٍ كما أشرنا آنفاً، إلّا بتوفُّر الأرضية التي تُمَكِّن من نجاح فعل التآمر وتحقيق غاياته. وهنا، يجب أن يغفل الناطقون باسم المؤامرة أن الذين رتّبوا بعض عناصرها ينتمون إلى مجتمعاتنا، وإذا كان الأمر كذلك، فإن من يقبل في تركيب خيوط المؤامرة، أو يساعد في ذلك، يستحق أن يكون ضمن من قامت الانفجارات العربية من أجل إطاحته.
وَظَّفَت الأطراف المتآمرة، من أجل بلوغ المرمى المذكور، مجموعةً من الآليات السياسية والعسكرية، الأمر الذي مكَّنها في سَرْدِية التآمر المتداولة اليوم، أولاً، من إطاحةِ أنظمةٍ معيَّنة، ثم تفجير حروبٍ أهلية بعد ذلك، بشراسةٍ وحقد كثيريْن. فأصبحنا أمام عمليات انفراط لمقوِّمات الاندماج الاجتماعي، لِنُصْبِح، في النهاية، أمام مجتمعاتٍ تتحدَّث لغة المِلَل والنِّحَل، وتحلم بدولة الخلافة وفتوحاتها.
لا تهتم القِوى التي تنشر أوهام المؤامرة والتآمر بالعلاقة التي بنتها شبيبة الحراك الاجتماعي في المدن العربية، كما أنها لا تعير أدنى اهتمام لأدبيات الإصلاح السياسي التي ركَّبتها القِوى الفكرية والسياسية، خلال عقودٍ طويلةٍ من نضالها المتواصل في مناهضة الاستبداد والفساد في أغلب المجتمعات العربية. وبدل ذلك، تكتفي رواية المؤامرة بالبحث في الأصابع الخفية التي ركَّبت خيوط كل ما حصل، مُعْلِنَةً أن كل ما وقع حصل بفعل القِوَى التي لا يستطيع أحد ردَّها.
لم يكتف الذين ابتكروا المحتوى الجديد لمفهوم المؤامرة بتحديد (وضبط) العناصر التي أشرنا إليها، بل ذهبوا أبعد من ذلك، حيث تحوَّلت النَّزعات الطائفية والنُّزُوعَات الجهادية إلى مجموعة من البُؤَر الْمُعدَّة، في إطار برنامج تآمري شامل، يتوخَّى، في نظر الفئات المدبِّرة لِمَا حصل، نشر الخراب في الحواضر العربية، ثم الاستيلاء عليها، وعلى خيراتها، وتقسيمها، بعد ذلك، بين قِوَى الشَّرّ العالمية، القادمة من عالمٍ لا علاقة له بأخلاق الرحمة التي يؤمنون بها.
اتخذ الموقف التآمُري، في البداية، صورة موقفٍ رافضٍ كل ما حصل في الميادين العربية، حيث خرج الشباب العربي، لتلتحق به، بعد ذلك، الفئات المُهَمَّشَة في المدن العربية، كما يحصل عادة في ثوراتٍ كثيرةٍ عرفها التاريخ، إلا أن أصحاب التاريخ المؤامراتي يرون أن كل ما حصل يُعَدُّ نتيجة حتمية لتدبيرٍ مُقَدَّر ومُرَتَّب سلفاً.
وإذا كان حدث الانفجارات قد اتخذ ملامح جديدة، مُوَاكِبةً مختلف صور تطوره ومختلف التفاعلات التي صاحبته إقليمياً ودولياً، الأمر الذي ساهم في تحويل جوانب من مساراته، وانعكس على موضوع المؤامرة، لِيَتَّخِذ ملامح مختلطة، يصعب فرزها، فأصبح لغط المؤامرة، وسط كل الصعوبات والعوائق التي تولَّدت في قلب الحدث، مقترناً بالموقف من الثورات، وما خلّفته من نتائج في مختلف البلدان العربية.
تواطأت أنظمة وبقايا أنظمة وقِوَى إقليمية ودولية، لإقرار مبدأ المؤامرة، والسكوت عن الآفاق
لا ننظر إلى المؤامرة والتآمر في التاريخ من زاوية أخلاقية، بل ندرجه ضمن الآليات المستخدَمة، بصيغ عديدة في مواقع الحروب، وفي لحظات الصراع بين المجتمعات. إضافة إلى ذلك، نعرف أن التآمر في التاريخ لا يتم إلا بحصول أشكالٍ من التواطؤ المُمَهِّدَة له ولشروطه. ومن هنا، الطابع المركَّب للمؤامرة ومدبريها، ولمن انطلت عليهم خيوطها.
اتِّساع دوائر الصراع، كما هو حاصل اليوم، وانتعاش منطق الإرهاب في المستويين، الإقليمي والدولي، وفي المحيط العربي، وذلك بعد التوسُّع الذي عرفه "داعش" في كل من العراق وسورية وليبيا، والتدخُّل السوفييتي والمواقف الإيرانية والتركية في كل ما حصل في سورية، ثم مواقف التيار السعودي الخليجي في مواجهة الحوثيين في اليمن، وحزب الله، وكل الأحداث التي تلاحقت بعد ذلك، أدخلت المجتمعات العربية في متاهات وأنفاق مُرْعِبَة.
يُخْفِي الركون إلى نظرية المؤامرة أسئلةً أخرى، إنه يسكت عن قضايا كثيرة متصلة بالمؤامرة والتآمر، والذين يردِّدُون اليوم مفردة المؤامرة لا يتحدّثون عن أسماء المتآمرين، وأسماء من تآمروا معهم، سواء منهم من تَمَّ استدراجهم، أو الذين اختاروا أن يكونوا طرفاً في معارك قائمة، ذلك أنه لا مؤامرة إلّا بتوفُّر أطراف معيَّنة، ولا نجاح لأي مؤامرةٍ كما أشرنا آنفاً، إلّا بتوفُّر الأرضية التي تُمَكِّن من نجاح فعل التآمر وتحقيق غاياته. وهنا، يجب أن يغفل الناطقون باسم المؤامرة أن الذين رتّبوا بعض عناصرها ينتمون إلى مجتمعاتنا، وإذا كان الأمر كذلك، فإن من يقبل في تركيب خيوط المؤامرة، أو يساعد في ذلك، يستحق أن يكون ضمن من قامت الانفجارات العربية من أجل إطاحته.