13 يوليو 2016
الماكياج يؤجل الحقيقة ولا يلغيها
بدر الشرشاوي (المغرب)
"لا أستطيع الاقتراب كثيرا من الناس المدللين الفارغين، عاشقي المظاهر الاجتماعية، لا أجد بيني وبينهم أية لغة مشتركة" هذا ما كتبته الأديبة السورية غادة السمان.
يبدو أن أعداد "عاشقي المظاهر الإجتماعية" في تزايد مستمر في معظم الدول المتخلفة عن ركب العلم والتقدم، الدول التي تكتفي باستيراد السلع والقيم واستهلاكها بدم بارد.
في المغرب، أغلب هؤلاء طاقات بشرية في أوج شبابها، شباب وسيمون جداً، ومتشابهون جدا، حتى في مشيتهم. يلبسون آخر صيحات الموضة، ويلهثون دائماً وراء الجديد، ولا يهمهم إن كان رديئاً. تكمن الجودة بالنسبة لهم في الجدّة، يتسابقون إلى تغيير تسريحات شعرهم ومراهيم التجميل لإخفاء بعض البقع البنية على وجوههم البريئة، وإلى اقتناء ما جدّ في سوق الهواتف الذكية والألبسة والأحذية، يغيرون ألوانهم باستمرار. لكن، لا أحد يستطيع أن ينكر أنهم يبدون أنقين وجميلين جدا حيثما وجدوا، هم أذكياء أكثر من أي جيل مضى بالمناسبة.
نميز بين نوعين أساسين منهم: "ولاد الشعب" والميسورون، اللذين يمتازون بخصائص أخرى أهمها أنهم لا يعيشون فرادى، أو بالأحرى لا يختلون بأنفسهم إلا قليلاً، يجلسون في المقاهي في مجموعات صغيرة قد تصل إلى عشرة أفراد، يحتسون ما طاب لهم من المشروبات على إيقاع ضجيجهم وقهقهاتهم التي تصدر بمناسبةٍ أو من دونها، يركبون سياراتهم أو سيارات أبائهم للتحرّش بالجنس الآخر بشكل جماعي أمام المؤسسات التعليمية، وعلى الطرقات، يعشقون سماع الأغاني الصاخبة وترديدها.
في رمضان، يستيقظون من نومهم سويعات معدودة، قبل أذان صلاة المغرب، بوجوه غير وجوههم الليلية الجميلة، يتجولون قليلا في عوالمهم الافتراضية على صفائحهم الرقمية، يتفقون حول برامجهم التي تبدأ مباشرةً بعد صلاة التروايح، وتمتد إلى حدود صلاة الصبح، بحيث يجرون ويلعبون في كل جانب، تماماً كما تفعل الأرانب والثعالب في نص من نصوص مقرر"القراءة" للمستوى الثاني ابتدائي. تم تغيير المقرر، أخيراً، لكن جيلا بأكمله لم يتغير: لازال يلعب، ينطلقون إلى عوالم السرعة والصخب بعد الإفطار، يرتادون أفخم المطاعم وأجمل المقاهي وأغلاها، يثيرون الفوضى والشفقة على حد سواء.
أما الصنف الثاني من "الفارغين المدللين"، فلا سيارات لهم، لأن الصين لا تصدّر إلينا سيارات بأثمنة تناسب جيوبهم، كما تفعل مع الهواتف الذكية والألبسة والأحذية وغيرها من السلع التي يقتنيها "ولاد الشعب" المقهورين للفت الإنتباه إليهم. ينحدر هؤلاء من "الهوامش" (بما في ذلك ما تسمى الطبقة المتوسطة التي تكاد تنعدم). إن عبارة "ولاد الشعب" توحي بأن الآخرين قادمون من بلدان أخرى. في وطني، يكفي أن تحقق بعضاً من أحلامك لتسقط عنك صفة "ولد الشعب". تحتمل عبارة "ولاد الشعب" تأويلاتٍ أخرى، منها أن المغاربة نوعان: شرفاء يتدبرون شؤون دنياهم من الحلال الطيب، ولصوص يعيشون حياة البذخ والرفاهية من المال العام.
ما يجمع بين هؤلاء وهؤلاء هو أنهم يشكلون الفئة الأكبر على الهرم السكاني للمغرب، وهم، بلا شك، سيتحملون مسؤولياتهم ومسؤوليات بلدهم كاملة في القريب العاجل. يشك المتتبع للشأن التربوي تماماً في قدرة هؤلاء على إنقاذ البلاد من الهلاك، بسبب تردي وضعية التعليم. إنهم يستهلكون كل شيء حتى أنفسهم. يبدو أن صناع القرار يريدون "خلق أجيال من الضباع" بتعبير السوسيولوجي المغربي محمد جسّوس، يريدون قتل خاصية التفكير فيهم بشتى الوسائل، تلك الخاصية التي يمكن زرعها في النشأ بشكل أسهل من ذي قبل.
يروج الإعلام الرسمي في الأونة الأخيرة فكرة مفادها أن المغرب أجمل بلد، وقد نجح بكل سهولة في مهمته تلك، إذ تعتقد شريحة واسعة من المغاربة بذلك، وقد شارك في عملية الترويج هذه فنانون وفنانات وسياسيون، منهم من يحمل جنسيات أجنبية، ومنهم من يتلقى مقابلاً مباشراً وفورياً، بمجرد أن تحوم حوله طائفة من "المدللين".
السؤال هنا: إلى أين نحن ماضون بأقنعتنا هذه؟ سنسقط في حفرةٍ نحفرها لأنفسنا، ما لم ننتبه لأمرنا. علينا أن نتخلص من مساحيق التجميل التي نضعها على الطرقات والمدارس، وعلى جدران كل مؤسسات الدولة، كما يجب أن نقتنع بأن الجمال الحقيقي هو جمال التشبث بالعلم والفكر، لا الجمال الاصطناعي المفبرك في ردهات مؤسساتٍ بعينها، لأن الماكياج الذي نخفي به عيوبنا يؤجل حقيقتنا ولا يلغيها كما قرأت يوماً، ما يجعل قول نزار قباني "لبسنا قشرة الحضارة، والروح جاهلية" ينطبق علينا.
يبدو أن أعداد "عاشقي المظاهر الإجتماعية" في تزايد مستمر في معظم الدول المتخلفة عن ركب العلم والتقدم، الدول التي تكتفي باستيراد السلع والقيم واستهلاكها بدم بارد.
في المغرب، أغلب هؤلاء طاقات بشرية في أوج شبابها، شباب وسيمون جداً، ومتشابهون جدا، حتى في مشيتهم. يلبسون آخر صيحات الموضة، ويلهثون دائماً وراء الجديد، ولا يهمهم إن كان رديئاً. تكمن الجودة بالنسبة لهم في الجدّة، يتسابقون إلى تغيير تسريحات شعرهم ومراهيم التجميل لإخفاء بعض البقع البنية على وجوههم البريئة، وإلى اقتناء ما جدّ في سوق الهواتف الذكية والألبسة والأحذية، يغيرون ألوانهم باستمرار. لكن، لا أحد يستطيع أن ينكر أنهم يبدون أنقين وجميلين جدا حيثما وجدوا، هم أذكياء أكثر من أي جيل مضى بالمناسبة.
نميز بين نوعين أساسين منهم: "ولاد الشعب" والميسورون، اللذين يمتازون بخصائص أخرى أهمها أنهم لا يعيشون فرادى، أو بالأحرى لا يختلون بأنفسهم إلا قليلاً، يجلسون في المقاهي في مجموعات صغيرة قد تصل إلى عشرة أفراد، يحتسون ما طاب لهم من المشروبات على إيقاع ضجيجهم وقهقهاتهم التي تصدر بمناسبةٍ أو من دونها، يركبون سياراتهم أو سيارات أبائهم للتحرّش بالجنس الآخر بشكل جماعي أمام المؤسسات التعليمية، وعلى الطرقات، يعشقون سماع الأغاني الصاخبة وترديدها.
في رمضان، يستيقظون من نومهم سويعات معدودة، قبل أذان صلاة المغرب، بوجوه غير وجوههم الليلية الجميلة، يتجولون قليلا في عوالمهم الافتراضية على صفائحهم الرقمية، يتفقون حول برامجهم التي تبدأ مباشرةً بعد صلاة التروايح، وتمتد إلى حدود صلاة الصبح، بحيث يجرون ويلعبون في كل جانب، تماماً كما تفعل الأرانب والثعالب في نص من نصوص مقرر"القراءة" للمستوى الثاني ابتدائي. تم تغيير المقرر، أخيراً، لكن جيلا بأكمله لم يتغير: لازال يلعب، ينطلقون إلى عوالم السرعة والصخب بعد الإفطار، يرتادون أفخم المطاعم وأجمل المقاهي وأغلاها، يثيرون الفوضى والشفقة على حد سواء.
أما الصنف الثاني من "الفارغين المدللين"، فلا سيارات لهم، لأن الصين لا تصدّر إلينا سيارات بأثمنة تناسب جيوبهم، كما تفعل مع الهواتف الذكية والألبسة والأحذية وغيرها من السلع التي يقتنيها "ولاد الشعب" المقهورين للفت الإنتباه إليهم. ينحدر هؤلاء من "الهوامش" (بما في ذلك ما تسمى الطبقة المتوسطة التي تكاد تنعدم). إن عبارة "ولاد الشعب" توحي بأن الآخرين قادمون من بلدان أخرى. في وطني، يكفي أن تحقق بعضاً من أحلامك لتسقط عنك صفة "ولد الشعب". تحتمل عبارة "ولاد الشعب" تأويلاتٍ أخرى، منها أن المغاربة نوعان: شرفاء يتدبرون شؤون دنياهم من الحلال الطيب، ولصوص يعيشون حياة البذخ والرفاهية من المال العام.
ما يجمع بين هؤلاء وهؤلاء هو أنهم يشكلون الفئة الأكبر على الهرم السكاني للمغرب، وهم، بلا شك، سيتحملون مسؤولياتهم ومسؤوليات بلدهم كاملة في القريب العاجل. يشك المتتبع للشأن التربوي تماماً في قدرة هؤلاء على إنقاذ البلاد من الهلاك، بسبب تردي وضعية التعليم. إنهم يستهلكون كل شيء حتى أنفسهم. يبدو أن صناع القرار يريدون "خلق أجيال من الضباع" بتعبير السوسيولوجي المغربي محمد جسّوس، يريدون قتل خاصية التفكير فيهم بشتى الوسائل، تلك الخاصية التي يمكن زرعها في النشأ بشكل أسهل من ذي قبل.
يروج الإعلام الرسمي في الأونة الأخيرة فكرة مفادها أن المغرب أجمل بلد، وقد نجح بكل سهولة في مهمته تلك، إذ تعتقد شريحة واسعة من المغاربة بذلك، وقد شارك في عملية الترويج هذه فنانون وفنانات وسياسيون، منهم من يحمل جنسيات أجنبية، ومنهم من يتلقى مقابلاً مباشراً وفورياً، بمجرد أن تحوم حوله طائفة من "المدللين".
السؤال هنا: إلى أين نحن ماضون بأقنعتنا هذه؟ سنسقط في حفرةٍ نحفرها لأنفسنا، ما لم ننتبه لأمرنا. علينا أن نتخلص من مساحيق التجميل التي نضعها على الطرقات والمدارس، وعلى جدران كل مؤسسات الدولة، كما يجب أن نقتنع بأن الجمال الحقيقي هو جمال التشبث بالعلم والفكر، لا الجمال الاصطناعي المفبرك في ردهات مؤسساتٍ بعينها، لأن الماكياج الذي نخفي به عيوبنا يؤجل حقيقتنا ولا يلغيها كما قرأت يوماً، ما يجعل قول نزار قباني "لبسنا قشرة الحضارة، والروح جاهلية" ينطبق علينا.
مقالات أخرى
06 يونيو 2016