المالكي وخطاب اللحظة الحاسمة
تسارعت الأحداث في العراق، وانقضى العد التنازلي للمهل، والتوقيتات الدستورية، لحسم معضلة رئاسة الوزراء، حتى وصلنا إلى اللحظة الحاسمة التي ارتقبها الجميع، ومع ذلك كله، الشد واحتباس النفس السياسي، وخرج علينا رئيس الوزراء المنتهية ولايته، نوري المالكي، بخطاب موتور، يعكس حالة الارتباك والإحباط والعزلة السياسية التي وصل إليها، مع رفض أغلب الكتل السياسية وجوده في المشهد العراقي.
وبدل أن تكون رؤيته الحالية نابعة من استشعاره خطورة المرحلة التي يمر فيها البلد، راح يزيد الطين بلة في توزيع التهم، يمنة ويسرة، بدءاً من رئاسة الجمهورية التي فتح نار تصريحاته تجاهها، واتهامه رئيس الجمهورية، فؤاد معصوم، بخرق الدستور، والتوعد بتقديم شكوى ضده لدى المحكمة الاتحادية، انتهاءً بالخصوم السياسيين الذين نعتهم بـ"دواعش" السياسة، وهي صفة دأب المالكي على إطلاقها ضد كل من يخالفه.
هذه العقلية ذاتها التي أدخلت العراق في نفق مظلم، من التخبط والعشوائية وعدم الاتزان في معالجة أزماته. المالكي، وعلى طول الخط، عمل جاهداً على تجيير المؤسسات الأمنية لصالحه، وهذا تماماً ما عوّل عليه في حالة إفلاسه من حيازة الولاية الثالثة، وهو ما شهدته بغداد، قبل خطابه الجديد وفي أثنائه وبعده، حيث انتشار التشكيلات الأمنية والقوات الخاصة، وإحاطة المواقع الحساسة في المنطقة الخضراء بأطواقٍ أمنيةٍ، لم يسبق لها وصف، وهو ما أشار إليه سياسيون بأنه إعلان لحالة الطوارئ، وهي ترجمة عملية لخطابه السابق، حين قال: "أبواب جهنم ستفتح على العراق"!
الكرة، الآن، في ملعب التحالف الوطني الذي عجز عن تقديم مرشح بديل عن المالكي، ولم يزل متأرجحاً في ذلك، فهو ما انفك يرفض تجديد ولاية المالكي، وفي الوقت نفسه، لم يطرح بديلاً عنه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عمق الخلاف الداخلي في التحالف، ومدى تشظي مكوناته، فحتى الزواج الكاثوليكي الذي أعلنه هادي العامري، رئيس منظمة بدر، يبدو أنه لم يكن مسجلاً رسمياً في المحكمة، فسرعان ما بدأ يتحول إلى طلاق، بفعل موقف المرجعية الدينية تجاهه، وصلاحيات "البابا" فيه، والسلطة البابوية هنا إيران، والتي جاءت رياحها، هي الأخرى، بغير ما تشتهي سفن المالكي.
السيناريوهات المطروحة، نجاح التحالف بطرح شخصية بديلة عن المالكي، أو أن يستمر الأخير على موقفه، ما يجعلنا أمام مشهد يتمثل بصراع شيعي – شيعي، وبطريقة عسكرية دموية خاصة مع وجود ميليشيات موالية له. السيناريو الثالث أن تحسم الولايات المتحدة الصراع، وهو ما بدا واضحاً في بيان وزارة الخارجية الأميركية، أن الاستمرار بهذه المهزلة السياسية لا يمكن أن يستمر أكثر، خصوصاً مع دعمها موقف الرئيس العراقي، فؤاد معصوم، ووقوفها ضد المالكي، إضافة الى موقف البيت الأبيض من التطورات الأمنية في العراق، وأنها لن تتدخل ولن تدعم حكومة عراقية غير وطنية، وهذا ما يجعل الأطراف السياسية على المحك في خياراتها، خصوصاً وأن وجودها، اليوم، أصبح مهدداً بفعل التمدد الحاصل للمجاميع المسلحة شمالي العراق وغربيه، ويمثل الترهل السياسي والتشرذم، الحاصل اليوم، الفرصة الذهبية لتلك الجماعات لتنفيذ مشروعها.