تقول بعض الجمعيات المعنية بحقوق المرأة في الجزائر، إن (الأمّهات العازبات) تحوّلن إلى "ظاهرة". هؤلاء يجدن أنفسهن فجأة في مواجهة مجتمع يحكم بنهايتهن، لأنه يرفض حمل المرأة خارج إطار الزواج. تضيق الخيارات أمامهن. يفضّل بعضهن الهرب، فيما تلجأ أخريات إلى التخلي عن الأطفال خوفاً من الفضيحة.
فاطمة (22 عاماً) هي إحدى هؤلاء، التي فضلت الاحتفاظ بابنها الرضيع. تقول إنها "حملت من إبن الجيران الذي كان يجبرها على ممارسة الجنس. وحين اكتشفت عائلتها الأمر، تقدّم والدها بدعوى قضائية ضدّه فهرب، مما اضطرها أيضاً إلى ترك المنزل". أمّا حياة، فتحكي أن "عائلتها كانت تنوي تزويجها برجل عجوز وثري. فأقنعها صديقها أن تحمل منه لتضع أسرتها أمام الأمر الواقع وتلغي الزواج. وعندما باتت تحمل جنيناً في أحشائها، كان قد هرب". وتضيف "كنت بحالة نفسية صعبة، إلى أن علمت بالصدفة من أحد أقاربه أنه هاجر إلى أوروبا. عائلتي لم ترحمني. فاضطررت إلى ترك البيت والعمل خادمة لتأمين الطعام لإبني"، لافتة إلى أنها "تنام في الشارع في الكثير من الأحيان".
قصة أحلام (23 عاماً) مختلفة بعض الشيء. فقد تعرضت للاغتصاب عندما كانت في الثامنة عشرة من عمرها. تقول: "تقدّم شاب لخطبتي من دون أن يحضر معه أسرته فرفض أبي. لكنه أصرّ على اللقاء بي بشتى الطرق. وحين قبلت، اغتصبني بالقوة داخل سيارته".
ظاهرة... موت
في السياق نفسه، أكدت رئيسة مركز "الإعلام والتوثيق حول المرأة والطفل" آيت زاي نادية لـ "العربي الجديد" أن "الأمهات العازبات ظاهرة موجودة في المجتمع الجزائري". فيما قالت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم إن "الأطفال هم الضحية الأولى، خصوصاً أنهم لا يترعرعون في كنف أسرة"، لافتة إلى أن "القانون لا ينظر إلى الأمّ العزباء كحالة خاصة".
وتجدر الإشارة إلى أن القانون الجزائري "منح الأطفال المولودين خارج إطار الزواج حقوق التعليم والرعاية الصحية والسكن وحتى الانتخاب، من خلال وثيقة يحملون فيها كنية الأم، مع إشارة إلى أن الأب مجهول". إلا أن ذلك ليس كافياً. فقد كشفت الحقوقية فاطمة الزهراء بن براهم أن "أكثر من 45 ألف طفل يولدون سنوياً خارج إطار الزواج، وفي أماكن سرّية، مما يزيد من صعوبة وجود أرقام دقيقة". ودعت إلى "ضرورة التدخل الفوري من قبل الحكومة للنظر بوضع هؤلاء الأطفال ومنحهم الحقوق الكاملة، وتسجيلهم في شهادة ميلاد مشرّفة، ووضع عبارة مكفول بدلاً من مسعف". كذلك، طالبت "باعتماد فحص الحمض النووي الذي يمكِّن الأطفال المسعفين من التعرف على آبائهم، وإجبار الأم على تدوين جميع المعلومات الشخصية المتعلقة بها في دفتر التخلي النهائي عن المولود، حتى يتمكَّن الطفل مستقبلاً من التعرف إلى والديه في حال أراد ذلك".
وكانت وزارة التضامن الاجتماعي والأسرة قد أصدرت تقريراً العام الماضي أشار إلى "تعرض نحو 25 في المئة من الأمّهات العازبات لعمليات إجهاض أودت بحياة 6 في المئة منهن". كذلك، لفت بعض الجمعيات المهتمة بهذه الظاهرة إلى أنها "رصدت حوالى 27 ألف أمّ عازبة خلال العام الماضي، غالبيتهن فتيات صغيرات لم تتجاوز أعمارهن 23 عاماً". وأضافت أنه "مع تزايد أعدادهن، برزت العصابات والشبكات التي تسعى إلى استغلالهن في الدعارة". فيما لفتت رئيسة نقابة النساء القابلات عقيلة كروش إلى أن "الأمهات العازبات يتعرضن لخطر الموت عند الولادة بسبب جهلهن للعملية وصغر سنهن. كما أن العديد منهن يلجأن إلى الولادة بأنفسهن، مما يعرضهن وأطفالهن للموت".
وزادت القابلة منيرة على كلام كروش، قائلة إن "المستشفيات تستقبل شهرياً عدداً كبيراً من هؤلاء الفتيات"، لافتة إلى أن "الأمهات العازبات بتن يحتفظن بأطفالهن في محافظة تمنراست (الجنوب)، ولا تتخلى عائلاتهن عنهن خوفاً من العار". وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الصحة تستقبل الأمهات العازبات بسرية تامة، كما أنهن يُخيَّرن بين ترك المولود أو الاحتفاظ به.
مافيا
تشير مصادر أمنية إلى "استغلال بعض العصابات وشبكات التهريب وضع هؤلاء النساء، وقد أصبحن عنصراً منبوذاً في المجتمع، ويجبرنهن على العمل في تهريب المخدرات أو شبكات الدعارة والسرقات، في ظل قلة المراكز التي ترعى الأمهات العازبات". وقدرت نسبة الأمهات اللواتي دخلن عالم الجريمة المنظمة بحوالى 50 في المئة (من مجموع الأمهات العازيات)".
وفي السياق نفسه، قالت ناشطة في "شبكة التفكير والنشاط لفائدة النساء والأطفال ضحايا العنف" رفضت الكشف عن اسمها، لـ"العربي الجديد"، إن "نحو 5 في المئة من مجموع النساء اللواتي يلجأن إلى الشبكة هنّ أمهات عازبات"، مؤكدة أن "وزارة التضامن والأسرة لا تملك أرقاماً دقيقة".
وكان وزير الصحة السابق جمال ولد عباس طالب نهاية العام 2010 بتخصيص منحة للأمهات العازبات، مما أسفر عن انتقادات للحكومة واتهامها بتشجيع الفتيات على "الانحراف".