في حيفا، وتحديداً في حيّها العريق، "وادي النسناس"، ما كان يمكن أن تفوتك معرفة حلول يوم الجمعة، وذلك بسبب عبق رائحة البصل المقلي، "المحمّر والمقمّر"، التي كانت تغزو نواحي السوق وبسطاته الملوّنة منذ ساعات الصباح الباكر.
قلي البصل حتى درجة ما قبل احتراقه هو الخطوة الأولى في تحضير طبخة "المجدّرة"، أو كما تسمّيها أمّي "مسامير الركب"، بسبب احتواء العدس على الحديد، ويسمّيها الكثير من الفلسطينيين "لحمة الفقراء".
وفي كلّ يوم جمعة، يدرج عند أغلبية مسيحيي البلاد، الامتناع عن أكل اللحوم ومنتجات الحيوان من الألبان والأجبان والبيض وما شابه... وذلك اعتباراً لآلام المسيح الذي صُلب في يوم الجمعة العظيم، ما جعل المجدرة الطبخة الفلسطينية التقليدية الخالية من اللحم، طبخة مثالية ليوم الجمعة.
على الرغم من التغيرات الكثيرة التي حصلت في حيفا، وفي وادي النسناس خصيصاً، من الاحتلال لتغيير وجه المدينة، لا تزال طبخة المجدّرة طبخة الفقراء، وما زال عبق بصلها المقليّ يفوح في أنحاء الوادي كلّ يوم جمعة.
المجدرة، شأنها شأن الحكايات أو بالعكس، شأن الحكايات مثل شأن المجدرة، فالمقادير واحدة، لكنّ لكلّ طبّاخ/ة طريقتها ونفَسها في صُنع "المجدرة"، كما أنّ لكلّ حكواتي طريقته ونفَسه في سرد الحكاية ذاتها لتكون حكايته.
مقادير طبخة المجدّرة واحدة في أنحاء الوطن، وهي تشمل البصل البلدي المقلي بزيت الزيتون، العدس البلدي الصحيح، قليلاً من الملح والأرز أو البرغل - وهذا يتعلّق بوجود أقارب من الفلاحين ليزودوك بالبرغل البلدي - وبالطبع الماء لغلي كل هذه المقادير، لكنه يستحيل أن تتكرّر نكهة المجدّرة، فلكلّ امرأة مجدّرتها، فتلك تغلي البصل مع العدس، وأخرى تترك البصل مقلياً ناشفاً وتضيفه في النهاية إلى الطبق.. وهناك المجدّرة البيضاء التي يغلب عليها الأرز، وهناك المجدّرة الحمراء التي يتمّ فيها تحمير البصل حتى يصبح بنّي اللون.
ولكلّ فتاة وامرأة حكاية مع المجدّرة، أو ربما حكايات.
حكايتي قد تشبه حكايات نساء كثيرات.
لأثبت مهاراتي في الطبخ، أعددت لمن أصبح زوجي وشريك حياتي، في أوّل زياراته لنا، طبق مجدّرة.
وقد أعجبه الطبق، ووجدني ملكة الطبخ، فالحبّ أعمى، وقد أعماه عن الفشل الذي مُنيت به طبختي!
الحقّ أنّ ما حضرته من شيء مجهول المعالم، لا يشبه المجدّرة المألوفة أبداً. وهو أخبرني، لاحقاً، أنه أقنع نفسه بأنّي أعددت المجدرة البيضاء بالأرز، وهو معتاد عليها بالبرغل، ولذلك اختلف شكلها وطعمها. وقد كان من حظّي أنه حين اكتشف أني لست ملكة الطبخ، وأنّ مجدّرتي مخبّصة، لم يتركني!
وحتى أيامنا هذه، كلما أعدّ طبخة مجدّرة، يذكّرني بذلك اليوم، ويقول مازحاً: "عرفت كيف تضحكين عليّ بصحن مجدّرة مخبّص".. وأنا أردّ عليه: "هذا قدرك! أن تحبّ امرأة لا تجيد صنع المجدّرة".
قلي البصل حتى درجة ما قبل احتراقه هو الخطوة الأولى في تحضير طبخة "المجدّرة"، أو كما تسمّيها أمّي "مسامير الركب"، بسبب احتواء العدس على الحديد، ويسمّيها الكثير من الفلسطينيين "لحمة الفقراء".
وفي كلّ يوم جمعة، يدرج عند أغلبية مسيحيي البلاد، الامتناع عن أكل اللحوم ومنتجات الحيوان من الألبان والأجبان والبيض وما شابه... وذلك اعتباراً لآلام المسيح الذي صُلب في يوم الجمعة العظيم، ما جعل المجدرة الطبخة الفلسطينية التقليدية الخالية من اللحم، طبخة مثالية ليوم الجمعة.
على الرغم من التغيرات الكثيرة التي حصلت في حيفا، وفي وادي النسناس خصيصاً، من الاحتلال لتغيير وجه المدينة، لا تزال طبخة المجدّرة طبخة الفقراء، وما زال عبق بصلها المقليّ يفوح في أنحاء الوادي كلّ يوم جمعة.
المجدرة، شأنها شأن الحكايات أو بالعكس، شأن الحكايات مثل شأن المجدرة، فالمقادير واحدة، لكنّ لكلّ طبّاخ/ة طريقتها ونفَسها في صُنع "المجدرة"، كما أنّ لكلّ حكواتي طريقته ونفَسه في سرد الحكاية ذاتها لتكون حكايته.
مقادير طبخة المجدّرة واحدة في أنحاء الوطن، وهي تشمل البصل البلدي المقلي بزيت الزيتون، العدس البلدي الصحيح، قليلاً من الملح والأرز أو البرغل - وهذا يتعلّق بوجود أقارب من الفلاحين ليزودوك بالبرغل البلدي - وبالطبع الماء لغلي كل هذه المقادير، لكنه يستحيل أن تتكرّر نكهة المجدّرة، فلكلّ امرأة مجدّرتها، فتلك تغلي البصل مع العدس، وأخرى تترك البصل مقلياً ناشفاً وتضيفه في النهاية إلى الطبق.. وهناك المجدّرة البيضاء التي يغلب عليها الأرز، وهناك المجدّرة الحمراء التي يتمّ فيها تحمير البصل حتى يصبح بنّي اللون.
ولكلّ فتاة وامرأة حكاية مع المجدّرة، أو ربما حكايات.
حكايتي قد تشبه حكايات نساء كثيرات.
لأثبت مهاراتي في الطبخ، أعددت لمن أصبح زوجي وشريك حياتي، في أوّل زياراته لنا، طبق مجدّرة.
وقد أعجبه الطبق، ووجدني ملكة الطبخ، فالحبّ أعمى، وقد أعماه عن الفشل الذي مُنيت به طبختي!
الحقّ أنّ ما حضرته من شيء مجهول المعالم، لا يشبه المجدّرة المألوفة أبداً. وهو أخبرني، لاحقاً، أنه أقنع نفسه بأنّي أعددت المجدرة البيضاء بالأرز، وهو معتاد عليها بالبرغل، ولذلك اختلف شكلها وطعمها. وقد كان من حظّي أنه حين اكتشف أني لست ملكة الطبخ، وأنّ مجدّرتي مخبّصة، لم يتركني!
وحتى أيامنا هذه، كلما أعدّ طبخة مجدّرة، يذكّرني بذلك اليوم، ويقول مازحاً: "عرفت كيف تضحكين عليّ بصحن مجدّرة مخبّص".. وأنا أردّ عليه: "هذا قدرك! أن تحبّ امرأة لا تجيد صنع المجدّرة".