المحاصصة تصطدم بحكومة علاوي
يترقب العراقيون الوضع السياسي القادم خلال المرحلة التي سيتم فيها تشكيل حكومة محمد توفيق علاوي المؤقتة، والذي يعتبره العراقيون حزبياً ومثيراً للجدل حاله حال باقي مرشحي الأحزاب، وسط تشكيك كبير يطفو على السطح حول إمكانية علاوي بتحقيق الحلم الذي خرج أهل بغداد والجنوب لأجله وهو إنهاء نظام المحاصصة الطائفية في تشكيل الحكومات وتوزيع المناصب الحكومية. فهل سيتمكن علاوي من تحقيق وعده؟
بالطبع أقول لكم لا، فعلاوي الرجل السياسي الذي كان ينتمي لحزب الدعوة ونصّب وزيراً لمرتين خلال الحكومات السابقة، واتهم بالفساد وحُكم عليه غيابياً بالسجن؛ لم يكن الرجل السياسي المستقل كاملاً وجاء من خارج الطبقة السياسية الحاكمة في العراق، بل أنه ولد في بيت الأحزاب التي تمسكت بالحكم بمباركة إيرانية وأميركية، وعمود بقائها الولاء للخارج والرضوخ لإرادة الجهات الفاعلة "الكتل السياسية".
إن أبرز الركائز التي تسير عليها الأحزاب والكتل السياسية وتستند عليها منذ تشكيل أول حكومة عراقية بعد الاحتلال الاميركي عام 2003؛ هي نظام المحاصصة الطائفية، والولاء أو الاستجابة لمطالب الأجندات الخارجية وطموحاتها، لاسيما الإيرانية والأميركية.
وتحصيص المناصب والوزارات والرئاسات لم تخرج منذ 2005 عن سياقها المتمثل في توزيع المناصب وفق القومية والطائفية، بل تمسكت به الأحزاب في ظل الضغوطات التي تتعرض لها كل الجهات التي تحاول الخروج عن هذا السياق، أو حتى التفكير به.
وبما أن مصلحة الدول التي تتمتع بنفوذ كبير في العراق، وتعد محتلة لهذا البلد المنكوب؛ تكمن في إضعاف العراق وجعل شعبه مفككاً وإدارته هزيلة؛ فإن حلم التخلص من نظام المحاصصة بعيد المنال في يومنا هذا، في ظل الدعم الخارجي الكبير الذي تتمتع به الكتل السياسية المسيطرة على العملية السياسية في البلاد، ومنعها من تشكيل دولة قوية مبنية على المصالحة الوطنية والإرادة الشعبية.
إن محمد علاوي المكلف اليوم بتشكيل الحكومة المؤقتة، يتغنى بكسر مفهوم المحاصصة الذي شهدته كل ماراثونات تشكيل الحكومات السابقة في العراق بعد 2003، وهذا التغني يدخل ضمن الوعود التي يطلقها الحاكمون في العراق لامتصاص النقمة الشعبية التي تملأ قلوب العراقيين من الطبقة السياسية، لاسيما في بغداد والجنوب، الأمر الذي يؤكد على صعوبة تحقيق هذا الوعد، بعد 17 عاماً من الوعود التي تُطلق للعراقيين بلا تحقيق.
فلو فرضنا أن علاوي كسر حاجز الخوف وخرج عن سياق المحاصصة، وبدأ يوزع الوزارات والمناصب العليا وفق المهنية والوطنية والإرادة الشعبية، فهل يا ترى ستسكت الأحزاب السياسية التي تسير اليوم في نهجها باتباع أسلوب فرض الإرادة والتهديد عبر مليشياتها والتلويح بتحويل العراق إلى ساحة حرب أهلية وما إلى ذلك؟ الوضع يجيب نفسه، والغافل والعاقل يعلمان سوياً أن الجهات السياسية الفاعلة اليوم في العراق لن تمرر أي مرشح لمنصب مهم أو وزارة أو رئاسة ما لم تحصل على حقها الذي ادّعت به وفق منهاج الدستور والعملية السياسية التي رسمها "بول بريمر" الأميركي.
ولذلك، فإن الوعد الذي أطلقه علاوي في أول ساعة من إعلان تكليفه لتشكيل الحكومة حول الابتعاد عن نظام المحاصصة، هو وعد لن يتحقق أبدًا، فهذا ما يقوله الواقع، وكذلك، فالكتل السياسية الداعمة للحكومة القادمة ورئيسها قد تتخذ إجراءات جديدة تلتف من خلالها على مطالب العراقيين، وكسر بعض العُرف الذي اتسمت به عمليات تشكيل الحكومات في المراحل السابقة، في محاولة للّعب على وتر امتصاص الغضب الشعبي، وأخيراً أرى أن علاوي الذي تدعمه الكتل السياسية التي دعمت هي نفسها الحكومات السابقة التي تشكلت وفق نظام المحاصصة؛ سيسير في تشكيل حكومة مبنية على أساس المحاصصة، بدعم جميع الأحزاب التي تخاف على مصالحها، والأجندات الخارجية التي تحافظ على وكلائها في هذا البلد لجعله منهاراً يعاني من الفوضى المزمنة.