بعد أسبوع من إعلان القوات العراقية اكتمال تطهير أحد أحياء الفلوجة، غرب العراق، ورفع كافة الألغام فيها، فقد أحمد سعدي (42 عاماً)، ساقه اليمنى وفقد إحدى عينيه بعد تفجير لغم عند باب منزله لم ترفعه قوات الأمن حينها.
ملف المخلفات الحربية في المدن المحررة في العراق بات الكابوس الذي يلاحق السكان، فوجود الألغام والمتفجرات فيها وبشكل كبير يؤدي يوميا إلى وقوع ضحية أو ضحيتين منهم، والمسؤولية تقع على عاتق قوات الأمن التي أعلنت تطهيرها ورفع جميع أشكال المتفجرات منها. وبلغ عدد من قتل بسبب تلك المتفجرات خلال الشهر الجاري 33 مدنياً، بينهم أطفال ورعاة أغنام ونساء وفلاحون، في عدد من تلك المدن.
ورغم تشكيل القوات العراقية فرقاً متخصصة بإزالة الألغام والعبوات الناسفة وتفكيك المنازل المفخخة، لكنها لم تتمكن من إزالة مئات العبوات الناسفة والصواريخ والقذائف التي لم تنفجر، ما جعلها خطراً مستمراً يهدد أهالي المدن المحررة العائدين من النزوح.
وكشف رقيب متخصص يعمل في لجنة إزالة المتفجرات ضمن وزارة الداخلية، عن بقاء مئات العبوات الناسفة والقذائف والصواريخ غير المنفجرة في المدن المحررة حتى الآن. وقال الرقيب حسن الربيعي، إن "الفرق المتخصصة بإزالة الألغام عملت على مدار الساعة قبل عودة الأهالي إلى تلك المدن بعد السيطرة عليها وانتهاء المعارك، لكن ضعف الإمكانيات وقلة الأجهزة اللازمة لكشف المتفجرات أضعفت عملنا".
ويضيف الربيعي لـ"العربي الجديد"، أن "الخطر لا يزال يهدد أهالي المدن المحررة، وتنفجر بين أسبوع وآخر عبوات ناسفة أو منازل مفخخة بالأهالي العائدين وتقتلهم أو تسبب لهم جروحاً خطيرة".
وتكمن صعوبة إزالة تلك الألغام بالكامل في طريقة التفخيخ المعقدة التي اتبعها تنظيم "داعش" باستخدام مواد شديدة الانفجار وإخفاء العبوات الناسفة في أماكن يصعب كشفها والوصول إليها.
بحسب الناشط سامر الدليمي، فإنه "مع بداية انتهاء الحرب في المدن المحررة وسيطرة القوات العراقية، تطوعنا مع عشرات الشباب مع فرق إزالة المتفجرات للمساعدة في تفكيك المنازل المفخخة وإزالة العبوات الناسفة من الشوارع، ولاحظنا وجود عدد هائل من تلك المتفجرات والعبوات في كل مكان".
ويلفت الدليمي إلى أن "فرق إزالة وتفكيك المتفجرات تمكنت تقريباً من إزالة نحو 70 في المائة فقط من تلك المتفجرات التي ما زالت تهدد الناس في تكريت وبيجي والفلوجة والرمادي وهيت ومدن أخرى حررت قبل أكثر من عام ونصف إلى عامين".
وكانت أكثر المدن المتضررة من التفخيخ والعبوات الناسفة والألغام مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار، التي استعادتها القوات العراقية منتصف عام 2015.
وكان مجلس الأنبار آنذاك كشف وجود أكثر من 200 ألف عبوة ناسفة ولغم منتشرة في عموم مدينة الرمادي بين الشوارع والمنازل والأزقة والساحات العامة، فضلاً عن تفخيخ مئات المنازل والبنايات العامة والدوائر الحكومية. ولضعف إمكانيات الفرق المتخصصة بإزالة المتفجرات، تعاقدت المدينة مع شركات أميركية متخصصة باستخدام أجهزة كشف متطورة، لكن متطوعين شاركوا في تلك العمليات قالوا إنها لن تقضي على كل الألغام والعبوات الناسفة.
وكانت عودة النازحين إلى مدنهم على شكل دفعات تسبقها عمليات تفتيش من قبل لجان كشف المتفجرات لكل شيء في المنزل حتى المصابيح الكهربائية، ورغم ذلك انفجر عدد كبير من المنازل وراح ضحيتها عشرات المدنيين وأسرهم.
وذكر متخصصون في المتفجرات أن تنظيم "داعش" لجأ إلى تفخيخ كل شيء حتى صنابير المياه والأبواب والشبابيك والأرصفة والشوارع وأعمدة ومصابيح الكهرباء والأثاث المنزلي وحتى الجدران والأرضيات.
لكن صعوبة التفخيخ وتعقيده تجعل من عمليات كشف الألغام معقدة وصعبة في وقت استخدم فيه تنظيم "داعش" ألغاماً جديدة لم تكن معروفة لفرق إزالة الألغام، ومنها العبوات العنكبوتية التي تكون على شكل شبكة من العبوات الناسفة تنفجر في وقت واحد إذا انفجرت إحداها.
وفي مدينة الفلوجة، غرب بغداد، ما زالت الألغام تشكل تهديداً في الأحياء الجنوبية، كحيي الشهداء وجبيل ومنطقة النعيمية، وقتل وجرح عدد من الأطفال في الأسابيع الماضية خلال لعبهم قرب كومة من الأنقاض. وتضاف إلى مخاطر الألغام والعبوات الناسفة مخاطر أخرى، وهي تراكم كميات كبيرة من القذائف والصواريخ غير المنفجرة في أطراف الأحياء والمدن المحررة والتي تشكل خطراً ومصدراً للتلوث البيئي على المدى البعيد.
وفي مدينتي الرمادي وبيجي، ما زالت أحياء بأكملها تعج بالألغام والعبوات الناسفة، خاصة الأحياء المدمرة بشكل شبه كامل خلال المعارك، والتي لم تتمكن لجان إزالة المتفجرات من تنظيفها من المتفجرات حتى الآن لضعف الإمكانيات وتعقيد التفخيخ، بحسب المصادر.