في ظل واقع مأساوي تتجاهله الجهات الحكومية بشكل واضح، ترزح بلدة المخيسة، وهي بلدة صغيرة شمالي محافظة ديالى (شمال بغداد)، تحت وطأة خلايا تنظيم "داعش" الإرهابي من جهة، وقصف الهاون من جهة أخرى، منذ أكثر من أسبوعين على التوالي، حتى باتت أشبه بمدينة رعب.
ويخيّم الظلام مبكرا على هذه البلدة، إذ إنّ من تبقى من ساكنيها يطفئون مصابيح بيوتهم ليلا، حتى لا يعرف أحد أنها مسكونة خوفاً من الاستهداف، ليكون الليل صامتا لا تسمع فيه إلّا قذائف الهاون التي تسقط هنا وهناك.
مشهد أصبح معتاداً في هذه البلدة الصغيرة التي يحيطها نهر ديالى من جانبها الشرقي وتحاصرها بساتين الحمضيات التي هجرها أصحابها بعدما انتشرت فيها عناصر الأمن والمليشيات.
وعلى ما يبدو أنّ البلدة معرضة للإبادة، كما يقول أهلها. ويقول الحاج أبو بهاء، وهو ممّن بقوا في منازلهم داخل البلدة، لـ"العربي الجديد"، إن "القوات الأمنية ومليشيات الحشد تنتشر في شوارع البلدة بشكل يومي، ويقولون إنّ خلايا داعش تنتشر في البساتين".
وأضاف أن "الأوراق اختطلت علينا، ولا نعلم ماذا يحصل، حيث إنّنا نسمع اشتباكات متقطعة في بساتيننا، وقذائف هاون بين فترة وأخرى، لكنّنا لا نعلم من الذي يطلقها، ومن المستهدف، حيث إنّ عددا منها سقط على المنازل"، متابعاً: "اضطررت لأن أخرج أبنائي إلى خارج المنطقة وبقيت أنا وزوجتي كوننا كبارا في السن، خوفا من أن ينهب منزلنا، فالبلدة أصبحت مخيفة جدّا".
وتابع "الحديث عما يجري من خطر خلايا داعش، هذا ما تروج له الجهات الأمنية، لكنّ المشهد المرعب هو المليشيات التي انتشرت بكثافة في المنطقة بحجة حمايتها"، مضيفا "لا أعلم هل تتعرض البلدة إلى إبادة جماعية؟ أم هي محاولة للتهجير القسري؟ هل إنّ القوات الأمنية بأعدادها لا تستطيع تأمين منطقة صغيرة؟ المشهد مرعب والأوراق مختلطة".
وتتكتّم الأجهزة الأمنية عمّا يجري في المخيسة لكنّها تضطر أحيانا إلى الحديث عن خلايا "داعش"، ونشاطها في القرية.
وأوضح مصدر أمني رفض الكشف عن اسمه، أن "المخيسة من البلدات التي تعيش وضعا مأساويا، فعشرات العائلات اضطرت إلى ترك البلدة، بسبب وضعها الأمني المتردي"، مضيفا لـ"العربي الجديد": "الحقيقة أنّ خلايا داعش تنشط بأطرافها، لكن في الوقت ذاته فصائل من المليشيات تضغط على أهلها عبر القصف بالهاونات".
وأضاف أن "هناك محاولات للتغيير الديموغرافي في البلدة"، مشددا على أنه "نحتاج إلى تدخل الحكومة بشكل مباشر، وإرسال قوات خاصة لحمايتها".
وأكد النائب عن المحافظة، رعد الدهلكي، أنّ "قذائف الهاون التي تسقط على المخيسة، تطلق من قرى مجاورة لها خاضعة لسيطرة المليشيات، وتحاول تلك المليشيات بسط سيطرتها على باقي المناطق".
وقال في بيان صحافي، إنّ "هناك مخاوف من تكرار التطهير العرقي والطائفي، كما حصل عام 2007".
وبينما لم تتخذ الحكومة أي إجراءات للسيطرة على البلدة وعلى الملف الأمني في عموم المحافظة، الذي بدأ يتراجع بشكل ملحوظ، حمّل مسؤولون عن المحافظة رئيس الحكومة عادل عبد المهدي مسؤولية ذلك.
بدورها، قالت النائبة عن المحافظة ناهدة الدايني، إنّ "الأوضاع تنذر بعواقب وخيمة، في ظل ارتفاع واضح بأعمال العنف"، متسائلة "إلى متى تبقى الحكومة صامتة عن نزيف الدماء؟".
وشدّدت على أن "عبد المهدي يتحمل مسؤولية هذه الأحداث، لعدم استجابته لدعواتنا بالحضور لعقد جلسة شاملة لبحث مكامن الخلل التي تتسبب بتردي الأوضاع الأمنية في المحافظة"، مناشدة القوى الوطنية بـ"المساعدة في إنقاذ ديالى من الفوضى"، معبرة عن مخاوفها "من أن تكون أعمال العنف بداية لما لا تحمد عقباه في المحافظة".