المدارس العربية الكينية.. تلك أمكنة للهوية

18 فبراير 2015
للمدارس العربية في شرق أفريقيا دور حضاري ريادي تاريخي(Getty)
+ الخط -

تعد منطقة شرق أفريقيا من أقدم المناطق الأفريقية دخولا في الإسلام، حيث وصل إليها في القرن الأول الهجري، وعُرف في شرق أفريقيا عددٌ من الإمارات الإسلامية التي لا تزال آثارها باقية حتى اليوم، كمقديشو وممباسا وبراوة وزنجبار وكلوة ولامو ومركة وزيلع وغيرها.

وقد اعتنى أهلها باللغة العربية ودراسة فنونها في المساجد عبر التاريخ، وبقُدوم الاستعمار إلى المنطقة، شعر مُسلموها بقدوم خطر على أبنائهم ودينهم، خاصة عندما افتتح المستعمر مدارس نظامية مدنية تدرس باللغة الإنجليزية، التي لم تكن معروفة في المنطقة، وجعل الاستعمارالتعليم في أيدي المؤسسات الكنسية، التي تمتلك حاليا أكثر من 4 آلاف مؤسسة تعليمية من مرحلة الروضة إلى الجامعة، منها جامعة كاثوليك الشهيرة في كينيا، ويصل عدد طلابها إلى أكثر من أربعين ألف طالب وطالبة.

بدأ رجال الدّين في المناطق ذات الكثافة السكانية المسلمة بمحاولة حفظ هوية أبنائهم من براثن الاستعمار، فأسسوا الخلاوي القُرآنية والمدارس العربية في بداية القرن العشرين، والتي بدورها اهتمت باللغة العربية والتربية الإسلامية لرعاية الأطفال والشباب.

ففُتح عددٌ من المدارس العربية في ممباسا ولامو وماليندي ومنديرا ووجير وقاريسا وإسيولو، وتطورت تلك المدارس إلى معاهد عُليا ذات مُستويات رفيعة، فقررت الحكومة الكينية تدريس مادتي اللغة العربية والتربية الدينية في المدارس الحكومية الابتدائية والثانوية، بل تطور الأمر إلى المرحلة الجامعية مثل جامعة نيروبي وغيرها، وافتتحت ثلاث جامعات تُدرس فيها اللغة العربية في كينيا، وبعضها تمنح درجة الماجستير والدبلوم العالي.

حفظت هذه المدارس الشباب وطلاب العلم، بل وهيّأت لهم فرصَ العمل في عدد من الدوائر الحكومية والأهلية بحيث وجد شباب يحملون ثقافة الدّين واللغة، إضافة إلى الثقافة العصرية المدنية. هنا تجدر الإشارة إلى أن فرص خريجيها أكثر من خريجي المدارس الحكومية، ويمكن أن يتقدم طلبة إلى الجامعات العربية والإسلامية أو الجامعات المحلية، علما بأن اللغة العربية أصبحت في الوقت الحاضر مطلوبة، ليست في إطار المجتمع المسلم الذي ينتمي إلى الأقلية والذي تربطه صلات ثقافية ودينية فقط، وإنّما على المستوى العالمي والإقليمي، وأن المدارس العربية تطورت واستعادت مكانتها، رغم التحديات التي يواجهها العاملون في هذا الحقل التعليمي.

ولا بد، لصون هذا المعطى الثقافي واللغوي الزاخر والثري، من أن نحرص على رفع كفاءة هذه المدارس وتأهيل الكوادر والقائمين على إدارة شؤونها حتى تؤتي أكلها وتتنافس مع بقية شقيقاتها ونظيراتها الحكومية والأهلية في الداخل والخارج، ومما تجدر الإشارة إليه أن الدستور الحالي اعترف بهذه المدارس والخلاوي كبقية المدارس ويحق لها الدعم اللازم إذا ما نظمت إدارتها ومؤسساتها ومناهجها، وخُطط لها تخطيطا سليما يحمل في طياته رؤية واضحة، وجعلت في أيادٍ أمنة وكوادر مدربة.

والجدير بالذكر أن هناك من بينها مدارس نموذجية يشار إليها بالبنان، بزغت في مناطق كينيا المختلفة وتبنت مشاريع تعليمية ضخمة وعملاقة، بل انتهجت نهجا سليما وقويا في المجال التعليمي نظاماً ومنهجاً وإدارة وفق رؤية مُستقبلية واضحة، كمدرسة المنورة الإسلامية التابعة للجالية العربية في ممباسا، وأكاديمية أبي هريرة التابعة للجالية الصومالية، ومدرسة خديجة أم المؤمنين في غاريسا، ومدرسة الاعتصام في وجير، ومعهد كيساؤني الإسلامي، أحد أرقي المعاهد في ممباسا وغيرها، وقد حققت الغايات وحفظ هوية الشباب الدينية والثقافية.

هذا وإن المتتبع لتاريخ كينيا التعليمي يجد أن بعض المدارس العربية فيها مرّت بمراحل وفرص ذهبية ثمينة حيناً من الدهر.


(كينيا)

المساهمون