لطالما كانت المرأة هي الموضوع لأعمال الفنانين السرياليين، آلهة وشيطان ودمية، أو حتى مخلوقة تجسّد الغرائبي والساحر والعجيب، ولكنها في المعرض المقام حالياً في صالة "شيرن" في فرانكفورت، والمُتاح افتراضياً أيضاً، والمتواصل حتى الخامس من تموز/ يوليو المقبل، هي ذاتها الفنانة السريالية وتقدم نفسها وعالمها كموضوع من وجهة نظر نسوية فانتازية وفوق واقعية.
وجدت الفنانات طريقهن في البداية إلى الدائرة المحيطة بالفرنسي أندريه بروتون، مؤسس السريالية أوائل العشرينيات من القرن الماضي. كنّ مجموعة من الرفيقات، وكنّ موديلات أيضاً، ولكنهن خرجن بسرعة من تلك الأدوار التقليدية وأنشأن عملاً مستقلاً ومنفرداً.
ويأتي معرض "نساء مدهشات" ليتفحص مساهمة المرأة الفنانة في السريالية، ويكشف أن مشاركة الفنانات في الحركة كانت أكبر بكثير مما هو معروف بشكل عام أو مما صُوِّر مسبقاً. في المعرض نعثر على اللاوعي والأحلام والصدفة والخرافات والتحولات والأحداث السياسية وهذه المواضيع المألوفة، ولكنّ إضافة المرأة السريالية كانت في مكان آخر، فقد اختلفت الفنانات عن زملائهن قبل كل شيء في عكس منظورهن وأيضاً في تقديم نماذج جديدة للهوية الأنثوية والفنية.
يركز المعرض على الفنانات اللاتي ارتبطن مباشرة بالسريالية، ويضم نحو 260 عملاً فنياً بين لوحة ومنحوتة وصور وأفلام لـ 34 فنانة من أحد عشر بلداً تتنوع اتجاهاتهن من حيث الأساليب والمواضيع، وهو أحد المعارض القليلة في أوروبا التي تلتفت إلى تاريخ مدرسة ما خارج الفكرة الغربية عنه. وفي الحقيقة، إن من أكثر الأمور اللافتة، أن كثيراً من السرياليات المؤثرات كنّ من أميركا اللاتينية، ولسن بنات الثقافة البصرية الغربية.
وإلى جانب شخصيات شبه مجهولة لمن لا يتقصد البحث في تاريخ السرياليات والفن، نجد الأسماء المعروفة في المعرض؛ لا يمكن الاستغناء عن المكسيكية فريدا كالو (1907-1954) التي حولتها المؤسسات الفنية الغربية في السنوات الأخيرة إلى موضة ثقافية حقاً تجلب الزوار وتلفت النظر.
وتحضر الفرنسية لويز بروجوا (1911-2010)، والمصورة والنحاتة الفرنسية كلود كاهان (1894-1954)، والمكسيكية البريطانية ليونورا كارينغتون (1917-2011)، والألمانية السويسرية ميريت أوبنهايم (1913-1985)، والأميركية دوروثيا تانينغ (1910-2012).
يتذكر معرض "شيرن" أيضاً فنانات كنّ أقلّ شهرة من هذه الأسماء دون أن يكنّ أقل موهبة بالضرورة، منهن الفنانة التشيكية تايون (1902-1980)، والمكسيكية أليس راهون (1904-1987) التي كانت شاعرة أيضاً، والأميركية كاي سيج (1898-1963).
المثير في هذا المعرض ليس فقط مشاهدة أعمال تتاح لأول مرة بهذا الشكل، بحيث يمكن قراءة تاريخ الحركة عند الفنانات على نحو شامل، ولكن اللافت حقاً هو ما يكشفه في الوقت نفسه من شبكة العلاقات التي جمعت هذه الفنانات والصداقات بين فنانات في أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك، وهذا بفضل الإعارات المهمة التي حصلت عليها دار العرض الفرانكفورتية من متاحف داخل ألمانيا وخارجها وتضمّ مجموعات عامة وخاصة لهؤلاء الفنانات.
ترى القيّمة على المعرض إنغريد فايفر، أنه لا توجد حركة فنية أخرى للحداثة لعبت النساء فيها دوراً مركزياً وشاركن في أعداد كبيرة مثل السريالية. وحتى يومنا هذا، فإن العديد من أسمائهن وأعمالهن مفقودة في الكتب والمعارض التي تمسح تاريخ الحركة.
وترى أن الفنانات اللواتي يعرضن في "شيرن" اليوم يتبنين أفكار السريالية بطرق فريدة. وإننا نراهن معاً لكي نحصل على رؤية أفضل للشبكة التي تكونت بينهن والتنوع المذهل والمثير للإعجاب من استقلالية الفنانات الأفضل، وأولئك الأقل شهرة للسريالية التي كانت بالنسبة إليهن حالة ذهنية وليست أسلوباً فقط.