في السنوات الأخيرة، بدأت تتوضّح أكثر ظاهرة التحرّش في العراق. يبدأ الأمر من التحرّش اللفظي، ليشمل كل أنواع ذلك السلوك المشين والمستهجن، في ظل عجز مجتمعي وحكومي عن حماية النساء. أما هؤلاء الأخيرات فيخجلن من البوح بحالات التحرّش التي يتعرّضن لها، خصوصاً مع أعراف وتقاليد ترى في الحديث عن مثل تلك الأمور عيباً.
وتلك الأعراف والتقاليد بحسب المحامي رعد وهيب، تسببت بكثير من المتاعب التي يصعب تغييرها أو حتى معالجتها. ويخبر "العربي الجديد" أنه "قبل مدة، راجعتني امرأة لغرض إقامة دعوى نفقة. وبعد المضيّ بالدعوى وصدور قرار حكم بالنفقة، قالت لي: سأبوح لك بسرّ لا يعلم به أحد سوى عمتي، لأنك ألححت عليّ بالذهاب إلى أهلي. أكملت وهي تبكي بشدة: سبب عدم لجوئي إلى بيت أهلي هو أن والدي يتعاطى الخمر وكان يضايقني جداً عند وجودي في المنزل نتيجة تعاطيه الخمر وعدم إدراكه لما يفعل أو يقول.. فتحولت حياتي إلى جحيم".
ويقول وهيب إن "النساء بأكثريتهن يتجنبن فعلاً الحديث عن ذلك. وهذه السيدة التي روت لي حكايتها، كانت تعتزم الرحيل الى بلدة أخرى، وقد رفضت تقديم دعوى تحرّش ضد والدها إذ أعدّت الأمر سراً". يضيف أن "نسبة تقديم دعاوى تحرّش قد تكون شبه معدومة، إذ يُصار إلى التعاطي معها عشائرياً من دون اللجوء إلى المحاكم وأخذ القانون مجراه".
من جهته، يقول الصحافي محمود القيسي إن "هذه المشكلة موجودة في كل المجتمعات، لا سيما مجتمعنا الذكوري الذي يزداد قسوة وإجحافاً بحق النساء وحقوقهن"، مضيفاً أن "الأعراف الاجتماعية تضع المرأة في مرتبة أدنى، ونتيجة ذلك تُحمَّلها مسؤولية التحرّش بها بحجة ملابسها أو حتى طريقتها في المشي. أعتقد أن للمدرسة دوراً كبيراً في نشر ثقافة الدفاع عن النفس أو المطالبة بالحقوق المهدورة أو تنظيم حملات تثقيفية تروّج لها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي".
ويشير القيسي لـ"العربي الجديد" إلى أن "التحرّش يُعدّ اليوم ظاهرة، بحسب ثقافة كل مجتمع. قد تزداد في مدن وتضعف في أخرى، تبعاً للثقافة التي يتمتع بها هذا المجتمع أو ذاك. لكنها على العموم ظاهرة منبوذة في كل المجتمعات، خصوصاً العربية".
لوم على المرأة
في هذا السياق، تشير الباحثة الاجتماعية في معهد النماء الأهلي سحر نصيف إلى أن "الأعراف الاجتماعية ليست كلها خاطئة. هذه الأعراف والتقاليد المتوارثة ما هي إلا قيم وتعاليم مأخوذة من الأديان السماوية". تضيف لـ "العربي الجديد" أن "بعض ما نسميه عيباً جاء في الأساس مما هو محرّم في تعاليم الأديان"، مؤكدة أن "ثمّة تحفظاً كبيراً حول الموضوع فيما تُطرَح علامات استفهام حول من تتقدّم بشكوى أو ترفع دعوى أو حتى تخوض في هذا الحديث، في مجتمع ما زال متمسكاً ببعض الأعراف والتقاليد المتوارثة. وهذا المجتمع، غالباً ما يلقي اللوم على المرأة في كل الحالات".
اقرأ أيضاً: مهاجرات يخفن إغماض أعينهن
تضيف نصيف أن "الأعراف ليست وحدها التي تمنع النساء من تقديم الدعاوى، بل الأنثى نفسها أصبحت تخشى وتتخوف من الحديث عما تعرضت له. هي تعلم أنها سوف تسمع كلاماً جارحاً. أذكر على سبيل المثال إحدى الشابات التي كان ابن جيرانها يعترض طريقها في ذهابها إلى الجامعة. لم تكن سمعة الشاب جيدة، إلا أنه كان محصناً بصفته ذكراً". وقد عبّرت الشابة لنصيف عن مخاوفها قائلة: "كنت أخشى البوح لأهلي بما يقوم به ابن الجيران من مضايقات، إذ كنت أعلم أن الحديث عن ذلك سوف يعرضني إلى ترك دراستي، بالإضافة إلى أن الأمر قد يصل إلى خلاف يؤدي ربما إلى قتل ابن جيراننا، في حال علم شقيقي بذلك. لذا عملت على عدم الخروج بمفردي، وغالباً ما كنت أحاول إقناع والدتي بمرافقتي إلى محطة الباص الذي يقلني إلى الجامعة من دون أن أكشف لها السبب".
ضحية لا زانية
في عملها، صادفت نصيف نساء وفتيات كثيرات تعرضن للتحرّش، "وثمّة ما هو أكثر خطورة من حالة هذه الشابة. على سبيل المثال، بعض حالات تحرّش بنساء متزوجات والاعتداء عليهن، في ظل عدم قدرتهن على الكشف عن ذلك، خوفاً من الأعراف الاجتماعية والتقاليد التي تدفع إلى قتل المرأة التي تعرّضت للاعتداء أو اعتبارها زانية على الرغم من أنها ضحية شخص استهتر بأعراض الناس". وتدعو نصيف إلى "تنظيم حملة من أجل إصدار قانون أو حتى تثقيف المجتمع حول خطورة كبت النساء لما يتعرضن له من تحرّش، والسماح لهن لا بل تشجيعهن على فضح الشخص المتحرّش كي يكون عبرة لأقرانه. كذلك يجب استحداث عقوبة رادعة مع غرامة مالية على المتحرّش، للحد من هذه الظاهرة".
بالنسبة إلى منى خليل وهي موظفة في إعلام ديالى، "لا شك في أن الأعراف والتقاليد المتخلفة هي حصانة للمتحرّش الشاذ وهي أيضاً وسيلة للمساعدة على استفحال هذه الحالة، من دون وجود رادع حقيقي لا من قبل المرأة ولا من مجتمعها". تضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "خوف المرأة من ذويها والحفاظ على السمعة (سمعتها وسمعة العائلة) من أسباب عدم الإبلاغ عن أي تحرّش. ويجب تثقيف المجتمع حول عدم النظر إلى المرأة ضحية التحرّش كأنها المذنبة، بل يجب الاعتراف بأنها الضحية وتقديم المساعدة والعون لها".
اقرأ أيضاً: نساء متحرّشات في المغرب
وتلك الأعراف والتقاليد بحسب المحامي رعد وهيب، تسببت بكثير من المتاعب التي يصعب تغييرها أو حتى معالجتها. ويخبر "العربي الجديد" أنه "قبل مدة، راجعتني امرأة لغرض إقامة دعوى نفقة. وبعد المضيّ بالدعوى وصدور قرار حكم بالنفقة، قالت لي: سأبوح لك بسرّ لا يعلم به أحد سوى عمتي، لأنك ألححت عليّ بالذهاب إلى أهلي. أكملت وهي تبكي بشدة: سبب عدم لجوئي إلى بيت أهلي هو أن والدي يتعاطى الخمر وكان يضايقني جداً عند وجودي في المنزل نتيجة تعاطيه الخمر وعدم إدراكه لما يفعل أو يقول.. فتحولت حياتي إلى جحيم".
ويقول وهيب إن "النساء بأكثريتهن يتجنبن فعلاً الحديث عن ذلك. وهذه السيدة التي روت لي حكايتها، كانت تعتزم الرحيل الى بلدة أخرى، وقد رفضت تقديم دعوى تحرّش ضد والدها إذ أعدّت الأمر سراً". يضيف أن "نسبة تقديم دعاوى تحرّش قد تكون شبه معدومة، إذ يُصار إلى التعاطي معها عشائرياً من دون اللجوء إلى المحاكم وأخذ القانون مجراه".
من جهته، يقول الصحافي محمود القيسي إن "هذه المشكلة موجودة في كل المجتمعات، لا سيما مجتمعنا الذكوري الذي يزداد قسوة وإجحافاً بحق النساء وحقوقهن"، مضيفاً أن "الأعراف الاجتماعية تضع المرأة في مرتبة أدنى، ونتيجة ذلك تُحمَّلها مسؤولية التحرّش بها بحجة ملابسها أو حتى طريقتها في المشي. أعتقد أن للمدرسة دوراً كبيراً في نشر ثقافة الدفاع عن النفس أو المطالبة بالحقوق المهدورة أو تنظيم حملات تثقيفية تروّج لها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي".
ويشير القيسي لـ"العربي الجديد" إلى أن "التحرّش يُعدّ اليوم ظاهرة، بحسب ثقافة كل مجتمع. قد تزداد في مدن وتضعف في أخرى، تبعاً للثقافة التي يتمتع بها هذا المجتمع أو ذاك. لكنها على العموم ظاهرة منبوذة في كل المجتمعات، خصوصاً العربية".
لوم على المرأة
في هذا السياق، تشير الباحثة الاجتماعية في معهد النماء الأهلي سحر نصيف إلى أن "الأعراف الاجتماعية ليست كلها خاطئة. هذه الأعراف والتقاليد المتوارثة ما هي إلا قيم وتعاليم مأخوذة من الأديان السماوية". تضيف لـ "العربي الجديد" أن "بعض ما نسميه عيباً جاء في الأساس مما هو محرّم في تعاليم الأديان"، مؤكدة أن "ثمّة تحفظاً كبيراً حول الموضوع فيما تُطرَح علامات استفهام حول من تتقدّم بشكوى أو ترفع دعوى أو حتى تخوض في هذا الحديث، في مجتمع ما زال متمسكاً ببعض الأعراف والتقاليد المتوارثة. وهذا المجتمع، غالباً ما يلقي اللوم على المرأة في كل الحالات".
اقرأ أيضاً: مهاجرات يخفن إغماض أعينهن
تضيف نصيف أن "الأعراف ليست وحدها التي تمنع النساء من تقديم الدعاوى، بل الأنثى نفسها أصبحت تخشى وتتخوف من الحديث عما تعرضت له. هي تعلم أنها سوف تسمع كلاماً جارحاً. أذكر على سبيل المثال إحدى الشابات التي كان ابن جيرانها يعترض طريقها في ذهابها إلى الجامعة. لم تكن سمعة الشاب جيدة، إلا أنه كان محصناً بصفته ذكراً". وقد عبّرت الشابة لنصيف عن مخاوفها قائلة: "كنت أخشى البوح لأهلي بما يقوم به ابن الجيران من مضايقات، إذ كنت أعلم أن الحديث عن ذلك سوف يعرضني إلى ترك دراستي، بالإضافة إلى أن الأمر قد يصل إلى خلاف يؤدي ربما إلى قتل ابن جيراننا، في حال علم شقيقي بذلك. لذا عملت على عدم الخروج بمفردي، وغالباً ما كنت أحاول إقناع والدتي بمرافقتي إلى محطة الباص الذي يقلني إلى الجامعة من دون أن أكشف لها السبب".
ضحية لا زانية
في عملها، صادفت نصيف نساء وفتيات كثيرات تعرضن للتحرّش، "وثمّة ما هو أكثر خطورة من حالة هذه الشابة. على سبيل المثال، بعض حالات تحرّش بنساء متزوجات والاعتداء عليهن، في ظل عدم قدرتهن على الكشف عن ذلك، خوفاً من الأعراف الاجتماعية والتقاليد التي تدفع إلى قتل المرأة التي تعرّضت للاعتداء أو اعتبارها زانية على الرغم من أنها ضحية شخص استهتر بأعراض الناس". وتدعو نصيف إلى "تنظيم حملة من أجل إصدار قانون أو حتى تثقيف المجتمع حول خطورة كبت النساء لما يتعرضن له من تحرّش، والسماح لهن لا بل تشجيعهن على فضح الشخص المتحرّش كي يكون عبرة لأقرانه. كذلك يجب استحداث عقوبة رادعة مع غرامة مالية على المتحرّش، للحد من هذه الظاهرة".
بالنسبة إلى منى خليل وهي موظفة في إعلام ديالى، "لا شك في أن الأعراف والتقاليد المتخلفة هي حصانة للمتحرّش الشاذ وهي أيضاً وسيلة للمساعدة على استفحال هذه الحالة، من دون وجود رادع حقيقي لا من قبل المرأة ولا من مجتمعها". تضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "خوف المرأة من ذويها والحفاظ على السمعة (سمعتها وسمعة العائلة) من أسباب عدم الإبلاغ عن أي تحرّش. ويجب تثقيف المجتمع حول عدم النظر إلى المرأة ضحية التحرّش كأنها المذنبة، بل يجب الاعتراف بأنها الضحية وتقديم المساعدة والعون لها".
اقرأ أيضاً: نساء متحرّشات في المغرب