من أهمّ العناصر الأساسية في مكافحة الفقر، تعليم المرأة وتوظيفها ودخلها المادي، لذلك تعدّ المساواة الجنسانية الآن الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، وهي أولوية قصوى لدى مختلف الدول التي تسعى جاهدة لانتشال مواطنيها من براثن الفقر.
بصرف النظر عن الفجوات الموجودة بين الجنسين في التحصيل العلمي، الذي أثّر سلباً على مشاركة المرأة في سوق العمل، هناك عناصر مهمّة أخرى كثقافة التهميش والأعراف الاجتماعية، التي ما زالت تُعَدّ إلى يومنا هذا من أقوى العوامل المُحدِّدة لمشاركة المرأة في القوى العاملة، لأنّ تلك العوامل ببساطة تدفع المرأة إلى تخصيص أكبر قدر من وقتها في العمل المجّاني، المتمثل في العمل المنزلي وتخصيص وقت أقلّ لعمل السوق المأجور، أي المدفوع الأجر.
ونظراً لتلك العوامل، تلجأ العديد من النساء إلى العمل بدوام جزئي أو في القطاع غير الرسمي، أو حتى إلى العمل في مهن متدنية الأجر، وهكذا تؤدي تلك العوامل إلى توسيع فجوة المداخيل والأرباح بين الجنسين، وتساهم بشكل كبير جدّاً في عدم وصول صوت المرأة وخفض قدرتها على المساومة.
ويترتب بسبب محدودية الفرص المتاحة للنساء والفتيات، تكاليف اقتصادية جمّة ليس لهن فحسب، بل أيضاً لأسرهن وبلدانهن، فقد قدِّرت الخسائر في رأس المال البشري في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بسبب عدم المساواة بين الجنسين وفقاً للبنك الدولي، بنحو 2.7 تريليون دولار في العام 2010 و3.1 تريليونات دولار في العام 2014.
بين سوق العمل والعمل المنزلي
في الواقع، هناك اختلافات كبيرة في الطريقة التي يُخصِّص بها الرجال والنساء وقتهم اليومي بين أوقات الفراغ والعمل غير المدفوع الأجر (كالأعمال المنزلية ورعاية الأطفال والمسنِّين) وعمل السوق المدفوع الأجر، فتميل النساء إلى قضاء وقت أقلّ في عمل السوق ووقت أطول في العمل المنزلي ومهام الرعاية مقارنة بالرجال، إذ تقضي النساء في المتوسط 5 ساعات في العمل غير المدفوع الأجر، بينما يقضي الرجال في المتوسط 1.9 ساعة فقط في ذلك العمل.
وهكذا تعتمد شريحة كبيرة من النساء في المنطقة على أزواجهنّ لإعالتهنّ، لذلك هناك حاجة ماسّة لإدراك قيمة العمل غير المدفوع الأجر ومحاولة تقليله وإعادة توزيعه بين الجنسين، حتى تتمكن المرأة من المشاركة بشكل أكبر في سوق العمل.
وعلاوة على ثقافة التهميش والأعراف الاجتماعية، التي تؤدي دوراً كبيراً في تقليل وقت المرأة المُخصَّص للعمل المدفوع الأجر، هناك البنية التحتية التي تؤدي دوراً محورياً في تقليص أو تمديد وقت المرأة المُخصَّص سواء لعمل السوق أو للعمل المنزلي.
ففي أغلب بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصّة المناطق الريفية، وبسبب النقص في الخدمات الأساسية وتردِّي البنية التحتية، تزداد حدّة وطأة القيود على النساء اللاتي يضطررن إلى التضحية بوقتهن في سبيل إتمام المهامّ المنزلية التي لا تدرّ دخلاً، كتحمُّل مسؤولية جمع الماء والحطب للوقود.
لذلك يساهم توفير خدمات البنية التحتية الأساسية في توفير وقت النساء وتمكينهن، فعلى سبيل المثال لقد قام البنك الدولي بتمويل مشروع في المغرب، يهدف إلى الحدّ من العبء على الفتيات اللاتي كن يشاركن تقليدياً في جلب المياه، وذلك من أجل تحسين فرص التحاقهن بالمدارس، وقد ارتفعت نسب التحاق الفتيات بالمدارس في المناطق التي مسَّها هذا المشروع بـ 20 بالمئة في أربع سنوات فقط.
كما تساهم البنية التحتية الجيّدة في تقليل وقت تنقُّل النساء والفتيات إلى عملهن، إذ يعدّ وقت التنقّل مُحدّداً هامّاً جداً لقدرة المرأة العربية على العمل، وكلما قلّ وقت تنقّل المرأة إلى العمل ازدادت مشاركتها في سوق العمل، لذلك يؤدّي تحسين الوصول إلى البنية التحتية والخدمات الأساسية (كالماء، الكهرباء، الطاقة والنقل وخاصة النقل العام الآمن)، وكذا توفير خدمات رعاية الأطفال والمسنّين إلى إزالة عبء كبير عن وقت المرأة ورفع مشاركتها في القوى العاملة والنشاط الاقتصادي.
التمييز في مجال التكنولوجيا
تتطلّب صناعة التكنولوجيا في المنطقة العربية، جذب المزيد من اليد العاملة الماهرة في ميادين العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ويمكن للنساء سدّ النقص الحادّ في تلك العمالة وتحقيق زيادة قد تصل إلى 2.7 تريليون دولار في إجمالي الناتج المحلي للمنطقة بحلول 2025، وذلك وفقاً لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الصادر في 2016، إذ تزخر الدول العربية بكمّ هائل من الإمكانات النسائية الكامنة وغير المُستغَلّة.
ويرجع السبب في عدم اغتنام فرص تشغيل كل تلك الخريجات المُتمكِّنات علمياً في قطاع التكنولوجيا، إلى اعتراض أسرهن على ذلك، إذ يرى 75% من الرجال و50% من النساء لا سيما في المغرب، مصر، لبنان وفلسطين المحتلة، أنّ دور المرأة الأساسي يتمثل في بناء الأسرة ورعاية الأطفال.
وهذا حسب تقرير البنك الدولي الصادر في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، وبهدف إيجاد بيئة عمل أكثر مراعاة لظروف الأسرة، تبتعد الكثيرات من النساء ذوات المستوى التعليمي الجيّد عن قطاع التكنولوجيا ويتجهن بشكل أكبر نحو وظائف أخرى أكثر مرونة.
وما يزيد الطين بلّة هو وجود فجوة كبيرة في الوصول إلى التكنولوجيا الرقمية واستخدامها بين الرجال والنساء، تُقدَّر بـ 17.3%، وهناك 39.4% فقط من النساء من يستخدمن الإنترنت وثمة 48% من النساء لا يمتلكن هاتفاً محمولاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك حسب بيانات الاتحاد الدولي للاتصالات.
وكل ذلك بسبب القيود التي تعاني منها النساء في ما يتعلق بملكية الأجهزة المحمولة، بالإضافة إلى ضعف استقلالهن المالي وقدرتهن على اتخاذ القرارات.
رفع المشاركة في العمل المأجور
هناك حاجة ماسّة لتضييق الفجوات بين الجنسين وتعزيز مشاركة النساء في سوق العمل، وخاصّة من خلال اتخاذ كل الإجراءات اللازمة التي من شأنها زيادة وقت المرأة المُخصص للعمل المأجور، فذلك سيساعدها على تحقيق رفاه أفضل، وسيحقّق أيضاً مكاسب اقتصادية كبيرة لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ستساهم البرامج والسياسات الرامية إلى تحسين وصول النساء إلى المياه، الطاقة، النقل العام الآمن، والرعاية الصحية، وكذا خدمات رعاية الأطفال المعقولة الثمن، في إعادة توزيع المسؤوليات وخفض العديد من الأعباء على النساء العربيات.
ينبغي أن تشمل الإجراءات الهادفة إلى تمكين المرأة بناء قدرات منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق المرأة، وذلك من أجل الدعوة إلى تقدير وزيادة الاعتراف بقيمة أعمال الرعاية والمهامّ المنزلية غير المدفوعة الأجر، التي تقوم بها النساء والفتيات في العالم العربي.
تكريس الحماية القانونية للمرأة ضد العنف، والعمل على سدّ الفجوة غير المُبرَّرة في الأجور بين الجنسين، بالإضافة إلى ضرورة نشر التوعية وكسر الأعراف الاجتماعية المُتزمتة التي حصرت المرأة في قالب واحد، والتنويه بأهمية تعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل ما ينعكس إيجاباً على المستوى المعيشي للأطفال ومستقبلهم.