في هذا السياق، انسحبت قوات المعارضة، يوم الثلاثاء، من بلدة احتيملات، بعد ساعات من سيطرتها عليها، تجنّباً لوقوع إصابات في صفوف مقاتليها، إثر اكتشاف مئات الألغام التي زرعها التنظيم في البلدة. وكانت المعارضة قد سيطرت، يوم الاثنين، على عدد من القرى ضمن المرحلة الثالثة من عملية "درع الفرات"، التي تسعى من خلالها إلى انتزاع السيطرة على مدينة الباب الاستراتيجية، آخر معاقل "داعش" في الشمال السوري.
وباتت قوات المعارضة على بعد نحو عشرة كيلومترات من مدينة مارع، التي تقع تحت سيطرة فصائل تابعة لها، وعلى بعد نحو 15 كيلومتراً من مدينة الباب. وبات أمامها خياران: إما الاتجاه نحو مارع، ومن ثم محاصرة مسلّحي "داعش" في بلدات عدة، منها صوران، واحتميلات، ودابق، أو الذهاب مباشرة إلى مدينة الباب، ومحاصرة التنظيم في معقله الأبرز، في خطوة تمهيدية قبل تضييق الخناق عليه، وطرده منها.
في هذا الإطار، يؤكد القيادي في الجيش السوري الحر محمد الغابي، أن "فصائل المعارضة تضع مدينة الباب نصب أعينها وهي تخوض المعارك في الطريق إليها"، مشيراً في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الهدف الراهن هو فتح الطريق بين بلدتي الراعي، واخترين، والسيطرة على قرية دابق". ويُشدّد على أن "المعارك تسير بشكل جيد جداً في إطار المرحلة الثالثة من عملية درع الفرات، التي بدّلت المعادلات العسكرية كلها في شمال، وشمال شرق حلب، وأعادت الجيش السوري الحر إلى الواجهة من جديد".
بدورهم، يرى مراقبون أن نتائج معركة دابق بين المعارضة و"داعش" ستحدد بشكل واضح ملامح المرحلة المقبلة من الحرب ضد التنظيم، فانسحابه من القرية دون مقاومة شرسة، يدل على أنه بات منهكاً بعد نحو 50 يوماً من المعارك، والقصف الجوي المستمر. وهو ما يسهّل مهمة المعارضة في انتزاع السيطرة على مدينة الباب، وما بعدها، من دون خسائر كبرى في صفوف قواتها.
وتواردت معلومات غير مؤكدة، عن أن "داعش" حشد قوات كبيرة للدفاع عن دابق، ما قد يطيل أمد المعارك في شمال، وشمال شرق حلب، ويدفع نحو تأجيل المعركة الكبرى، وهي انتزاع السيطرة على مدينة الرقة، أبرز معاقل التنظيم في سورية.
من جهته، يتوقع القيادي في الفرقة 13 التابعة للجيش السوري الحر، المشارِكة في المعارك، المقدم أبو حمود، أن "يحاول داعش الدفاع باستماتة عن قرية دابق، لأسباب تتعلق بعقيدته"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الإمكانيات والواقع العسكري يدلان على سهولة السيطرة على قرية دابق من قبل قوات المعارضة، والمعركة باتت قريبة جداً".
في غضون ذلك، أبدت تركيا، يوم الثلاثاء، استعدادها للتدخل العسكري شرقي الفرات في سورية، أي في المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الكردية التي لا تزال تفرض سيطرتها أيضاً على مدينة منبج ذات الغالبية العربية، غربي النهر. في هذا الصدد، قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، إن "القوات التركية مستعدة لاتخاذ إجراءات في شرق نهر الفرات بسورية، في حال استمرار الأنشطة الإرهابية هناك"، مشيراً إلى أن "الحديث دائماً يكون عن غرب الفرات، ولكن في حال استمرار الأنشطة الإرهابية شرق الفرات، فإننا مستعدون لفعل ما يلزم هناك أيضاً".
وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن "عناصر من مليشيا الوحدات الكردية تقوم بين وقت وآخر بعمليات قنص تستهدف مدنيين في مدينة جرابلس، انطلاقاً من مواقعهم في شرق نهر الفرات، ما يحول دون قيام السكان بزراعة أراضيهم".
وكانت الوحدات الكردية قد عبرت إلى غرب نهر الفرات، وطردت بدعم جوي من طيران التحالف الدولي "داعش" من مدينة منبج في آب/ أغسطس الماضي، ما اعتبر "خطوة واسعة" باتجاه وصل كانتونات الإقليم بعضها ببعض جغرافياً، من محافظة الحسكة (شمال شرقي سورية) مروراً بمدينة تل أبيض، شمال الرقة، ثم عين العرب، شمال شرقي حلب، وصولاً إلى مدينة عفرين، شمال غربي حلب.
كما سبق لتلك الوحدات أن استفادت من الخلاف التركي الروسي، الذي تفجّر أواخر العام الماضي، فسيطرت بمساعدة جوية من الطيران الروسي، على مناطق عدة كانت تحت سيطرة المعارضة، أبرزها مدينة تل رفعت في منتصف فبراير/ شباط الماضي. ومن المنتظر أن تشهد الفترة المقبلة صداماً بين المعارضة والوحدات في مدينة تل رفعت، وما حولها، بغية إعادة آلاف المهجرين من سكانها إليها، إلا إذا توصل الطرفان، برعاية دولية، إلى تفاهم تخرج بموجبه المليشيا الكردية من المدينة باتجاه مدينة عفرين.