الجنرال المتقاعد خليفة حفتر؛ قائد الانقلاب في ليبيا، وأحد أبرز الشخصيات في المشهد الليبي بعد الإطاحة بمعمر القذافي. عسكريُّ تكشف مسيرته الشخصية والعسكرية والسياسية، ملامح تتقاطع مع مسيرة وحكم القذافي، ما يهدّد بإعادة إنتاج المشهد الليبي ما قبل الثورة، إن تمكّن من السلطة. يستعرض "العربي الجديد" في ثلاثة تقارير متتالية، مسيرته الشخصية والسياسية، وعائلته الغامضة التي تتوزع في قصور متفرقة بين القاهرة وولاية فيرجينيا الأميركية، وخطط توريث الابن الثاني صدام، إضافة إلى ارتباطاته مع "الخصوم" الثلاثة؛ الولايات المتحدة وروسيا وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وما يلي التقرير الأول:
على بُعد بضعة أميال شمال ميناء الزويتينة النفطي وسط ليبيا، رست حاملة الطائرات الروسية "الأدميرال كوزنيتسوف"، في يناير/كانون الثاني الماضي، لتستقبل اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي بيّنت الصور المنشورة لزيارته، جلوسه إلى جانب أحد الضباط الروس ليوقع على أوراق لم يتم الإفصاح عن حقيقتها حتى الآن.
اللافت في الزيارة تقاطعها مع زيارة العقيد معمر القذافي لروسيا، في أكتوبر/تشرين الأول عام 2008، عندما منح القذافي روسيا حق بناء قاعدة بحرية في المنطقة؛ فزيارة حفتر جاءت استكمالا لمشروع القذافي، ذلك أن الحاملة رست في ذات المكان المقرر أن تبنى فيه القاعدة الروسية، ليعلن حفتر بشكل غير مباشر أنه يكمل ما لم يتمكن القذافي من إكماله.
بحسب ما هو معلن رسميا، ينحدر اللواء خليفة بلقاسم حفتر من قبيلة تُدعى الفرجان تنتشر في أكثر من ناحية في ليبيا وخارجها، وتحديدا من فرع "بوعائشة" في القبيلة، والذي ينتشر في مدينة أجدابيا إلى الغرب من بنغازي شرق البلاد.
غير أن الزعامات القبلية لا تعترف بانتمائه للقبيلة. ويقولون إن جده وفد، في بداية القرن الماضي، على شيوخ عائلة "بوعائشة"، طالبا الحماية الاجتماعية، فضمته القبيلة لجناحها أسوة بالأعراف البدوية العربية السائدة آنذاك، حيث إن عدد من يحمل لقب حفتر محدود جداً، فبالإضافة إلى والد اللواء حفتر الذي كان الابن الوحيد لجده، لدى حفتر أخوان اثنان يعيشان حياة بدوية صرفة، بحيث يعملان برعاية الإبل والماشية في الصحراء.
في الفترة الأخيرة، طفت على السطح أقاويل تشير إلى أن حفتر ينحدر من أصول تطاوينية تونسية. لكن أخرى ترجح أن جذوره ترجع لقبيلة القذاذفة، التي ينحدر منها الزعيم الليبي السابق معمر القذافي.
وُلد خليفة حفتر في مدينة أجدابيا عام 1943 وعاش متنقلا بين كليات عسكرية بطبرق وبنغازي للدراسة، قبل أن ينتقل إلى العراق ثم روسيا، ليرجع أخيرا إلى ليبيا ويشارك في انقلاب عسكري قاده القذافي عام 1969 وتمكن خلاله من قلب نظام الحكم الملكي السائد آنذاك.
وإن لم يكن حفتر من أبرز رجالات هذا الانقلاب، إلا أن التكليفات التي تلقاها من القذافي كانت تشي بعلاقة متينة وقوية تربطهما ميزها الغموض منذ البداية، ففي ليلة الأول من سبتمبر/أيلول عام 1969 كان حفتر مكلفا باقتحام قاعدة هويلس الأميركية (التي تسمى قاعدة معيتيقة حاليا) في طرابلس، ليتمكن حفتر من السيطرة على القاعدة بشكل غامض كحال كل انقلاب والذي لم تتضح حقيقه نجاحه رغم مرور نحو نصف عقد تقريبا على حصوله.
انخرط حفتر بعد ذلك في المحاكم العسكرية التي زجّت بالعشرات من رجال الحكم الملكي خلال العامين التاليين للانقلاب. بل كان أحد المدبرين لعملية إيهام ضباط الجيش بأن الانقلاب كان بقيادة رئيس أركان الجيش آنذاك، سعد الدين بوشويرب. وعند الإعلان عن ترقية الملازم معمر القذافي إلى رتبة عقيد بعد ثمانية أيام من الانقلاب وتعيينه رئيساً لمجلس قيادة الثورة (الانقلاب)، تمت تصفية عدد من أمراء وضباط المعسكرات في بنغازي وطرابلس عند اكتشافهم للخدعة، حيث يعتبر حفتر من بين المتهمين بالتورط في هذه التصفيات وقتها.
وعرف عن حفتر ميوله الناصرية العلمانية مثل أغلب مجموعة الضباط الذين كوّن منهم القذافي فرقة الانقلاب عام 1964 وهي الحقيقة التي تحدث عنها حفتر في لقاء له مع تلفزيون "النبأ" الليبي في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2011 عندما لقب زميله في الانقلاب، القذافي بـ"القديس"، مؤكدا أنه تعلّم الفكر الناصري على يديه، مما يؤكد أنه كان أحد المقربين منه، ودافع حفتر، في ذات المقابلة، عن الانقلاب واصفاً إياه بـ"الثورة الحقيقية".
بقي حفتر في الصفوف الخلفية حتى مطلع الثمانينيات، عندما كلفه القذافي بقيادة جيوشه في حروبه ضد تشاد، ليكرمه القذافي بترقيته إلى رتبة عقيد، لكن جيش القذافي انكسر في عام 1987 وسقط حفتر أسيراً في قبضة الجيش التشادي.
وداخل سجنه في تشاد، بدأ حفتر بايهام سجانيه بابتعاده عن نظام القذافي، بل قاد بعض المساعي مع مئات من رفقائه العسكريين داخل السجن لتوجيه الفصائل التي كان يقودها للانقلاب على القذافي، وانتهى في ذات العام للانخراط ضمن الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا المعارضة للنظام الليبي ليقود الجناح العسكري للجبهة.
العلاقة مع "سي آي إيه"
في العام الماضي، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، تقريرًا للصحافية ميسي رايان، قالت فيه إن "اتصالات حفتر مع المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) بدأت في تشاد. وبحسب مسؤول سابق، فقد تم تدريب الجنود العاملين مع حفتر على يد ضباط من فرقة النشاطات الخاصة التابعة لـ"سي آي إيه". يصف المسؤول السابق حفتر بأنه جندي شديد، وذو خبرة، "فهو رجل عنيد، لكنه معقول".
ويشير إلى أن الاستخبارات الأميركية ساعدت حفتر ورفاقه بعدما قرر النظام الجديد في تشاد التخلص منهم، وتم نقلهم أولًا إلى نيجيريا، ثم إلى زائير، إلا أن الولايات المتحدة وجدت أنه لا أحد يريدهم.
وتورد الكاتبة نقلًا عن المسؤول السابق في الاستخبارات قوله "كان تاريخًا طويلًا ومحزنًا في محاولة إخراجهم والعثور على مكان يعيشون فيه"، مشيرة إلى أنه بعد ستة أشهر تم نقل 350 من المعارضين الليبيين، وبينهم حفتر، إلى فرجينيا في الولايات المتحدة، حيث واصل بعضهم، ومنهم حفتر، التدريبات؛ تحضيرا لعملية جديدة. وقرر حفتر فيما بعد الانفصال عن جبهة الإنقاذ الوطني، لكنه ظل ناشطا في المعارضة، وعاد بعد اندلاع ثورة عام 2011، مع أنه لم يحصل على دعم قادة الثوار ليقود العمليات العسكرية ضد القذافي.
وكان نظام القذافي في عام 1993، قد حكم على حفتر بالإعدام غيابياً إثر فشل محاولة انقلاب نفذها ضباط في منطقة بني وليد شرق طرابلس.
غير أنّ الضباط المقربين من حفتر كانوا، طيلة الفترات الماضية، يشككون في حقيقة معارضة حفتر للقذافي، فهم يؤكدون على صلته بأكبر الانقلابات العسكرية التي واجهت القذافي، وتحديدا الانقلاب الذي جمع عددا كبيرا من ضباط جيش القذافي عام 1993 في بني وليد. وتؤكد الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا حقيقة هذه التهم بإعلانها عن قرار فصل حفتر من الجبهة، بداعي أن حفتر كان يمارس دور "العميل المزدوج" لصالح كل من القذافي والولايات المتحدة.
يستعرض التقرير الثاني:
عائلة خليفة حفتر على خطى العرّاب القذافي