رغم السيولة الضخمة التي جمعتها المصارف التجارية في أميركا وأوروبا من تحفيزات الحكومات والبنوك المركزية لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، يتردد بعضها في منح قروض عقارية، بينما تمتنع أخرى كليّاً عن تمويلات شراء المساكن الجديدة أو حتى التقيد بالإجراءات التي أقرتها الحكومات لمساعدة أصحاب المساكن على تجاوز جائحة كوفيد 19.
وحسب تحليل في نشرة "هارفارد بيزنس رفيو" الأميركية التابعة لجامعة هارفارد، تتفادى المؤسسات المالية الأميركية في الوقت الراهن القروض العقارية، خوفاً من تداعيات إفلاس الشركات وارتفاع نسبة البطالة التي تهدد قدرة المتقدمين للقروض على التسديد.
ويذكر أن المصارف التجارية الأميركية تورطت من قبل في مستنقع القروض العقارية التي تسببت في إفلاس مصرف ليمان برازرس وكادت أن تفلس النظام المصرفي الأميركي بأكمله في عام 2008. ولدى المصارف الأميركية نحو 3.7 تريليونات دولار من السيولة التي تمكنها من الإقراض العقاري، لكنها ترى أن سوق العمل الأميركية يشوبها الكثير من الغموض وسط تجدد تفشي جائحة كورونا وتعطيلها لفتح النشاط الاقتصادي في العديد من الولايات، خاصة في ولايات غنية مثل تكساس وفلوريدا ونيويورك.
ويرى الخبير المالي مايكل أولينك، في تحليل بنشرة "هارفارد بيزنس رفيو"، أن عدد أصحاب القروض الذين لم يسددوا أقساط قروضهم منذ بداية العام وحتى 16 يونيو/ حزيران الماضي بلغ 4.6 ملايين شخص، وهو ما يمثّل نحو 8.7% من إجمالي حجم القروض العقارية في الولايات المتحدة.
من جانبه، يقدّر موقع ستاتيستا العالمي إجمالي قيمة العقارات السكنية في أميركا بنحو 18.3 تريليون دولار، ويقدّر حجم القروض السكنية التي لم تسدد حتى نهاية العام الماضي بنحو 16.1 تريليون دولار. وبالتالي، فإن السوق العقارية الأميركية قد يكون أمامها الكثير من الوقت حتى تتمكن من العودة إلى مستويات الإقراض الطبيعي وعملية الشراء والبيع، حتى في حال التشغيل الكامل للقطاع العقاري.
ويشير الخبير أولينك في تحليله إلى أن العديد من المصارف تبرر موقفها، قائلة "إنها ليست على استعداد لتكرار الخطأ الذي وقعت فيه عام 2008"، وبالتالي تبتعد كليّاً في الوقت الراهن عن التعامل في القروض. وكان مصرف "بنك أوف أميركا" من كبرى البنوك التي تورطت في القروض العقارية ورفعت ضده قضايا كلّفته أكثر من 14 مليار دولار.
وفي أوروبا، سعت حكومات دول الاتحاد الأوروبي إلى تخفيف أعباء القروض العقارية منذ تفشي جائحة كورونا وتشديد إجراءات العزل الاقتصادي وإغلاق الاقتصادات. وحدث ذلك عبر تقييد المؤسسات المالية بإسقاط البنوك للفائدة التي تفرضها على أصحاب القروض السكنية لمدة ستة أشهر. لكن العديد من المصارف رفضت التقيد بهذه الإجراءات، ورأت أن تطبيقها يكلفها مليارات الدولارات.
وحسب تقرير في صحيفة "آيرش تايمز"، ترفض المصارف في أيرلندا إعفاء أصحاب القروض العقارية من سعر الفائدة، وتقدّر أن الإعفاء يكلفها خسائر تقدَّر بنحو 150 مليون دولار. وهذا في أيرلندا التي لا تزيد فيها القروض العقارية على 80 ألف قرض، وهي بالتالي سوق صغيرة جداً مقارنة بحجم القروض العقارية في فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا.
وعلى الرغم من أن البنك المركزي الأوروبي منح المصارف التجارية في أوروبا قروضاً ميسرة بنسب فائدة سالبة لمدة ثلاث سنوات، على أمل الاستمرار في عمليات الإقراض للشركات الصغيرة والأعمال التجارية، لرفع نسبة التوظيف، إلا أن المصارف تتفادى حتى الآن ارتياد مجال القروض العقارية. ويذكر أن المصارف التجارية حصلت على أكثر من تريليوني دولار من المركزي الأورزوبي خلال العام الجاري.
وفي بريطانيا التي يُعَدّ فيها القطاع العقاري من أكثر القطاعات ربحية وجذباً للاستثمارات الخارجية، تعاني السوق من شُحّ التمويل المصرفي هي الأخرى. وحسب بيت التمويل العقاري هاليفاكس في تقريره الصادر الأسبوع الماضي، فإن أسعار المساكن في بريطانيا تراجعت في المتوسط بنسبة ضئيلة لم تتجاوز 0.1% إلى 237.666 ألف جنيه إسترليني في المتوسط منذ فترة الإغلاق.
لكن هذه الأرقام لا تعكس الواقع الحقيقي للسوق الإسكاني في بريطانيا، لأنها أخذت بعد أسبوعين فقط من فتح الوكالات العقارية لاستقبال الباحثين عن الشراء والبيع للمساكن. وقد يكون إحجام المصارف الكبرى في بريطانيا عن منح قروض عقارية جديدة هو المؤشر الفعلي لوضع السوق العقارية.
ويذكر أن السوق العقارية في بريطانيا عانت خلال السنوات الثلاث الماضية من تردد الحكومة في البت بشأن ملف بريكست، كما عانى القطاع العقاري الفاخر، وخاصة في مناطق الويست آند ووسط لندن، من غياب المشترين الأثرياء من منطقة الخليج والسعودية التي تأثرت بانهيار أسعار النفط وما تلاها من تراجع الثروات الفردية.
وخلافاً لبيانات هاكيفاكس، يرى استفتاء أجرته رويترز، أن أسعار المساكن في بريطانيا انخفضت بنسبة 5% خلال العام الجاري، وأن تحسن السوق العقارية قد يتأخر حتى عام 2022.
ويواجه مشترو العقارات لأول مرة في بريطانيا بعد فتح الاقتصاد، مشكلة الحصول على قروض عقارية، إذ سحبت العديد من مؤسسات التسليف العقاري عروضها التمويلية لسعر العقار للمشترين أول مرة، إذ كانت تموّل نسبة تراوح بين 90 و95% من قيمة القرض العقاري. وكان آخر هذه المؤسسات التي سحبت عروضها، شركة نيشن وايد، وهي واحدة من أكبر شركات التسليف العقاري في البلاد.