المصارف اللبنانية... خناق التركّز

02 فبراير 2014
+ الخط -

منذ 9 سنوات، وتحديداً منذ اغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري في العام 2005، يعمل مصرف لبنان (البنك المركزي) على تشجيع اندماج المصارف الصغيرة في البنوك التي تعرف بمجموعة "ألفا" (أي مجموعة المصارف الكبرى في لبنان).

وعند كل حدث سياسي أو أمني يتأثر به الاقتصاد اللبناني، يعود الحديث مجددا عن أهمية الدمج المصرفي.

واللافت للنظر في هذا التوجه، عدم التنبّه إلى واقع السوق المصرفي في لبنان. إذ تشهد هذه السوق حالة تركّز شديدة في حجم الموجودات والأرباح.

وفي الوقائع، يسيطر 12 مصرفاً من أصل 72 مصرفاً عاملاً في لبنان على ما يزيد عن 95% من إجمالي موجودات القطاع المصرفي اللبناني بينها 3 مصارف (بنك عودة وبلوم وبيبلوس) تسيطر على أكثر من 50% من إجمالي الموجودات.

وينسحب هذا الواقع على أرباح المصارف الثلاثة التي تزيد عن نصف مليار دولار سنوياً. والأخيرة تشكل أكثر من 50% من إجمالي أرباح القطاع.

التركز المصرفي، ليس محصوراً بالقطاع، إذ ترتبط المصارف بشبكة مصالح واسعة تهيمن على الاقتصاد اللبناني العام والخاص على السواء.

ومعظم المصارف الكبرى تمتلك مثلاً شركات التأمين والعقارات التي تشكل نوعاً من الاحتكار أيضاً.

والمصارف اللبنانية بمعظمها لا تخلو مجالس إداراتها ومساهميها من أسماء سياسيين أو وزراء أو نواب وحتى رؤساء حكومات.

والأهم من كل ذلك، أن المصارف الـ 12 الكبرى، والمصارف الثلاثة التي تتربع على لائحة "ألفا" تعتبر الممول الأساسى للدين العام اللبناني الذي وصل الى أكثر من 63 مليار دولار.

ويشير تقرير صادر عن "مصرف لبنان" الجمعة إلى أن حصة تمويل القطاع المصرفي وصلت إلى 53.3% من إجمالي الدين (بالليرة اللبنانية).

والسؤال الذى يطرحه مراقبون هنا هو : كيف يمكن التشجيع على الدمج في ظل هكذا واقع دقيق ومهدد بالانهيار في أي لحظة؟

لا أحد يعلم مآل السياسة النقدية المتبعة في لبنان. فلبنان لا يتأثر بالأزمات المالية العالمية بفعل ارتهان الاقتصاد اللبناني بدينه الضخم إلى مصارف محلية.

كما لا تمتلك قطاعات الاقتصاد اللبناني بورصة أو أسواقاً مالية مهمة قد تهتز باهتزاز الأسواق العالمية.

لكن الأكيد أن استمرار هذه السياسة والتشجيع على زيادة التركز لن يوصل سوى إلى الهاوية. وهذا المصير ليس محجوباً عن التحاليل والتقارير العالمية، ولا بعيداً عن الواقع. إذ يشهد لبنان هذا الشهر عمليات منافسة شرسة بين المصارف اللبنانية الكبرى للاستحواذ على 3 مصارف أجنبية (ستاندرد تشارتر، البنك الأهلي، بنك لبنان والإمارات) قررت الخروج من السوق اللبنانية.

وبحسب عاملين في القطاع المصرفي فان سبب ترك الجنة المصرفية في لبنان يرتكز على مبرر واحد هو أن هناك احتكارا واقعا على القطاع لا يمكن أن يصمد أمامه أي مصرف ناشئ ولا أي فرع لمصرف أجنبي. وحالة النفور هذه ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، في ظل وجود حوالي 12 مصرفاً أجنبياً في لبنان حصتهم تقل عن 2% من القطاع!.

من جهة أخرى، عمدت وكالة "ستاندرد أند بورز" إلى خفض تصنيف 3 مصارف لبنانية. وليس مصادفة أن يكون اثنان من المصارف (بلوم وبيبلوس) هما من ضمن المصارف الثلاثة المسيطرة على القطاع المصرفي، إضافة إلى مصرف البحر المتوسط، وهو من ضمن أكبر المصارف اللبنانية أيضاً.

أما سبب خفض التصنيف فهو: "النظرة السلبية للدين السيادي في لبنان" حسب وكالة ستاندر اند بورز ، بالإضافة إلى ترابط التصنيف المصرفي مع خفض التصنيف السيادي للدين الحكومي طويل الأمد. إذ أنه وبحسب الوكالة "بنك عوده وبلوم وميد، هي مصارف منكشفة بصورة كبيرة على بيئة التشغيل المحلية، بما فيها انكشافها الواسع على الدين السيادي...". 

هكذا إذن، يمكن معرفة المزاج الاقتصادي العالمي من الربط الحاصل ما بين تمويل الدين الداخلي اللبناني والقطاع المصرفي. ومنه، يمكن استنتاج الانتقادات الموجهة من المنظمات والمؤسسات الاقتصادية الدولية لمصرف لبنان وحاكمه. فالقول أن الدمج يخفض من إمكان تبييض الأموال وتهريبها، لا يلغي أبداً الانعكاسات السلبية لهذا الدمج على الاقتصاد اللبناني لا بل الكيان اللبناني برمته.

 

 

 

 

المساهمون