"لم أهتم بالاطلاع على موازنة البلاد يوماً، لا أعرف موعد إعدادها بالتحديد، أو حتى طريقة تحديد الأرقام وكيف أستفيد منها"، جملة مُختصرة لخّص بها الخريج الجامعي أحمد عبد الفتاح (22 عاماً)، نظرة الشريحة الكبرى من المواطنين المصريين للموازنة العامة للدولة. ربما يُفسر هذا الموقف أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت مصر تحصل على 16 نقطة فقط من أصل 100 نقطة بمؤشر الموازنة المفتوحة لعام 2015، واندراجها ضمن موازنات البلاد التي لا تقدم مستوى شفافية كافيا، بل وتنخفض مصر عن المتوسط العالمي البالغ 45 نقطة بنحو 29 نقطة كاملة.
ويقول عبدالفتاح "نسمع منذ سنوات عن تحقيق معدلات نمو اقتصادي، ورصد مخصصات ضخمة لمشروعات البنية التحتية والإسكان، ومع ذلك المعاناة تزداد، البنى التحتية سيئة، الكثير من القرى محرومة من المياه والصرف الصحي، فإذن ما هي الفائدة لمتابعة الموازنة إذا كانت الأرقام لا تعبّر عن حال المواطنين".
بحسب مسح الموازنة المفتوحة العام الماضي، حصلت مصر على 8 نقاط فقط من 100 نقطة في ملف مشاركة الجمهور. وقال التقرير الذي أعدته منظمة شراكة الموازنة الدولية المفتوحة، إن الحكومة المصرية عاجزة عن توفير فرص للجمهور للمشاركة في إعداد الموازنة.
يقول الخبير المالي محمد منصور: "تفتقر الموازنة العامة في مصر إلى الشفافية الكافية. فعلى سبيل المثال، تشترط الموازنة ألا يزيد نصيب أي جهة بالدولة عن 5% من مخصصات الموازنة باستثناء الجيش، ومع ذلك لا تتضمن الموازنة أي إشارة عن الفارق بين حجم الموارد والاستخدامات لأغراض الدفاع والأمن الوطني".
ارتفاع النفقات
ويوضح أن الأمر ذاته ينطبق على مؤسسات الدولة ولكن بصور مختلفة، ويمكن الاستدلال على ذلك بالحديث عن تخصيص 5% من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق على التعليم الأساسي والجامعي، فهذه النسبة رغم انخفاضها عن المعدلات المعمول بها في الدول التي تسعى لتطوير المنظومة التعليمية، غير إنها رقميًا قد تكون مقبولة". ويشرح: "لكن في الموازنة، لا يتم تقديم شرح كافٍ عن الاستفادة الرسمية من زيادة المخصصات، لأن الواقع في مؤسسات التعليم يشير إلى أن الأجور تلتهم أغلب النفقات، ولا يبقى ما يكفي لتطوير المناهج والأبنية التعليمية وتهيئة بيئة مناسبة لتعليم الطلاب". وينطبق الأمر أيضاً على قطاع الصحة، إذ برغم زيادة مخصصاته في العام 2015 بواقع 13 مليار جنيه ليصل إلى 57 مليار جنيه، إلا أن نصيب المواطن من العلاج لم يتجاوز 51.5 جنيهاً".
وبحسب صندوق نقابة الأطباء، فإن نصيب المواطن يتراجع رغم زيادة موازنة الصحة بسبب ارتفاع التكاليف بنسبة وصلت إلى 25% خلال العام الماضي بعد ارتفاع الدولار مقابل الجنيه بنسبة 10%، وكذلك زيادة مؤشر التضخم بنسبة مماثلة، وزيادة المستلزمات الصحية".
تفسّر الخبيرة الاقتصادية نورهان علي، أحد أسباب تراجع مصر في تصنيف الموازنات المفتوحة بعدم الالتزام الدائم بمواعيد نشر وثائق الموازنة، إذ ينبغي الإعلان عن مشروع الموازنة قبل 3 أشهر من إقرارها حتى يُتاح للمواطنين والمجتمع المدني الاطلاع عليها ومناقشتها وطرح مقترحات على الحكومة، غير أن ذلك لا يحدث.
وتشير إلى أنه رغم اهتمام الحكومة المصرية بإعداد موازنة للمواطن لشرح بنودها وتحديد بريد إلكتروني لإرسال مقترحاته، إلا أن هذه الآلية ما زالت صورية نظراً لعدم نشر موازنة المواطن قبل إقرار موازنة البلاد بفترة كافية.
وتشدد الخبيرة الاقتصادية على ضرورة مشاركة المواطن طوال العام في ما يخص الأمور المالية نظراً لأن الموازنة تؤثر بشكل مباشر في حياته، بل يكون لها تأثير أكبر على جماعات محددة، مثل سكان الريف والفقراء. ومن ثم ينبغي منح الحق في تقديم معلومات ووثائق للمواطنين عن كيفية إنفاق الموارد المخصصة لهم نظراً لأن سوء إدارة الإنفاق يؤدي إلى عدم وصول المخصصات للقطاعات المستهدفة.
ووفقًا لتقرير نشره مركز دعم تقنية المعلومات، فإن هناك علاقة طردية إيجابية بين درجة الشفافية المالية وتدابير الاستدامة المالية، مثل التحكّم في العجز الحكومي والديون، وتحسين أداء الاستثمار، وجودة التصنيف الائتماني السيادي.
ومع ذلك، تتوقع علي إمكانية تحسّن موقف مصر نسبياً بمؤشر الموازنات المفتوحة نظراً لأنها انتهت هذا العام من تشكيل البرلمان، ما يعني عدم الحصول على صفر مجددًا كما حدث خلال الأعوام الماضية في رقابة السلطة التشريعية.
ويقول تقرير منظمة شراكة الموازنات الدولية المفتوحة لعام 2015 "إن مصر قامت منذ 3 سنوات بزيادة إمكانية توفير معلومات الميزانية عن طريق نشر المراجعات نصف السنوية، ولكن في النهاية فشلت في تحقيق التقدم بسبب عدم توفير مقترح الموازنة المُقدم للسلطة التنفيذية إلى الجمهور في الوقت المناسب". هذا فضلاً عن عدم توفير تقرير المراجعة للجمهور حيث يتم إعداده لأغراض داخلية بمؤسسات الدولة فقط، وكذلك لم تُخرِج الحكومة للمواطنين البيان التمهيدي للموازنة أو موازنة المواطنين.
رغم حصول مصر على 42 نقطة من 100 نقطة في بند الرقابة الأعلى على الموازنة لعام 2015، وصف التقرير الرقابة حينها بأنها مراقبة محدودة بسبب إمكانية إقالة رئيس الجمهورية لرئيس جهاز الرقابة الأعلى دون موافقة السلطات التشريعية أو البرلمانية، الأمر الذي يقوّض استقلاليته.
هذا الأمر هو ما حدث بالفعل بعد إصدار قرار جمهوري منذ فترة بإعفاء هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، من منصبه، وهو أعلى سلطة رقابية في البلاد، بعد حديث جنينة عن وجود فساد بالبلاد يقدّر بـ600 مليار جنيه.
ويشكل قرار إقالة جنينة مأزقًا كبيراً لشفافية الموازنة، إذ بات تصنيف مصر في بند الرقابة الأعلى على الموازنة في مهب الريح.
وبحسب دراسة أعدتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، هناك تقنين لغياب الشفافية، حيث لا يلزم القانون رقم 53 لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة بأي شكل السلطتين التنفيذية والتشريعية الإفصاح عن سرية الوثائق الخاصة بالموازنة.
بل أشارت الدراسة إلى أن القانون يحمي السرية بالنص في مادته رقم 32 على أن الجهاز المركزي للمحاسبات ملزم فقط بتقديم تقريره عن الحساب الختامي إلى مجلس الشعب ويُرسل صورة عن ملاحظاته إلى وزارة المالية، بدون أي إلزام بنشره في وسائل الإعلام أو الاتصال أو إتاحته للعامة.
اقــرأ أيضاً
ويقول عبدالفتاح "نسمع منذ سنوات عن تحقيق معدلات نمو اقتصادي، ورصد مخصصات ضخمة لمشروعات البنية التحتية والإسكان، ومع ذلك المعاناة تزداد، البنى التحتية سيئة، الكثير من القرى محرومة من المياه والصرف الصحي، فإذن ما هي الفائدة لمتابعة الموازنة إذا كانت الأرقام لا تعبّر عن حال المواطنين".
بحسب مسح الموازنة المفتوحة العام الماضي، حصلت مصر على 8 نقاط فقط من 100 نقطة في ملف مشاركة الجمهور. وقال التقرير الذي أعدته منظمة شراكة الموازنة الدولية المفتوحة، إن الحكومة المصرية عاجزة عن توفير فرص للجمهور للمشاركة في إعداد الموازنة.
يقول الخبير المالي محمد منصور: "تفتقر الموازنة العامة في مصر إلى الشفافية الكافية. فعلى سبيل المثال، تشترط الموازنة ألا يزيد نصيب أي جهة بالدولة عن 5% من مخصصات الموازنة باستثناء الجيش، ومع ذلك لا تتضمن الموازنة أي إشارة عن الفارق بين حجم الموارد والاستخدامات لأغراض الدفاع والأمن الوطني".
ارتفاع النفقات
ويوضح أن الأمر ذاته ينطبق على مؤسسات الدولة ولكن بصور مختلفة، ويمكن الاستدلال على ذلك بالحديث عن تخصيص 5% من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق على التعليم الأساسي والجامعي، فهذه النسبة رغم انخفاضها عن المعدلات المعمول بها في الدول التي تسعى لتطوير المنظومة التعليمية، غير إنها رقميًا قد تكون مقبولة". ويشرح: "لكن في الموازنة، لا يتم تقديم شرح كافٍ عن الاستفادة الرسمية من زيادة المخصصات، لأن الواقع في مؤسسات التعليم يشير إلى أن الأجور تلتهم أغلب النفقات، ولا يبقى ما يكفي لتطوير المناهج والأبنية التعليمية وتهيئة بيئة مناسبة لتعليم الطلاب". وينطبق الأمر أيضاً على قطاع الصحة، إذ برغم زيادة مخصصاته في العام 2015 بواقع 13 مليار جنيه ليصل إلى 57 مليار جنيه، إلا أن نصيب المواطن من العلاج لم يتجاوز 51.5 جنيهاً".
وبحسب صندوق نقابة الأطباء، فإن نصيب المواطن يتراجع رغم زيادة موازنة الصحة بسبب ارتفاع التكاليف بنسبة وصلت إلى 25% خلال العام الماضي بعد ارتفاع الدولار مقابل الجنيه بنسبة 10%، وكذلك زيادة مؤشر التضخم بنسبة مماثلة، وزيادة المستلزمات الصحية".
تفسّر الخبيرة الاقتصادية نورهان علي، أحد أسباب تراجع مصر في تصنيف الموازنات المفتوحة بعدم الالتزام الدائم بمواعيد نشر وثائق الموازنة، إذ ينبغي الإعلان عن مشروع الموازنة قبل 3 أشهر من إقرارها حتى يُتاح للمواطنين والمجتمع المدني الاطلاع عليها ومناقشتها وطرح مقترحات على الحكومة، غير أن ذلك لا يحدث.
وتشير إلى أنه رغم اهتمام الحكومة المصرية بإعداد موازنة للمواطن لشرح بنودها وتحديد بريد إلكتروني لإرسال مقترحاته، إلا أن هذه الآلية ما زالت صورية نظراً لعدم نشر موازنة المواطن قبل إقرار موازنة البلاد بفترة كافية.
وتشدد الخبيرة الاقتصادية على ضرورة مشاركة المواطن طوال العام في ما يخص الأمور المالية نظراً لأن الموازنة تؤثر بشكل مباشر في حياته، بل يكون لها تأثير أكبر على جماعات محددة، مثل سكان الريف والفقراء. ومن ثم ينبغي منح الحق في تقديم معلومات ووثائق للمواطنين عن كيفية إنفاق الموارد المخصصة لهم نظراً لأن سوء إدارة الإنفاق يؤدي إلى عدم وصول المخصصات للقطاعات المستهدفة.
ووفقًا لتقرير نشره مركز دعم تقنية المعلومات، فإن هناك علاقة طردية إيجابية بين درجة الشفافية المالية وتدابير الاستدامة المالية، مثل التحكّم في العجز الحكومي والديون، وتحسين أداء الاستثمار، وجودة التصنيف الائتماني السيادي.
ومع ذلك، تتوقع علي إمكانية تحسّن موقف مصر نسبياً بمؤشر الموازنات المفتوحة نظراً لأنها انتهت هذا العام من تشكيل البرلمان، ما يعني عدم الحصول على صفر مجددًا كما حدث خلال الأعوام الماضية في رقابة السلطة التشريعية.
ويقول تقرير منظمة شراكة الموازنات الدولية المفتوحة لعام 2015 "إن مصر قامت منذ 3 سنوات بزيادة إمكانية توفير معلومات الميزانية عن طريق نشر المراجعات نصف السنوية، ولكن في النهاية فشلت في تحقيق التقدم بسبب عدم توفير مقترح الموازنة المُقدم للسلطة التنفيذية إلى الجمهور في الوقت المناسب". هذا فضلاً عن عدم توفير تقرير المراجعة للجمهور حيث يتم إعداده لأغراض داخلية بمؤسسات الدولة فقط، وكذلك لم تُخرِج الحكومة للمواطنين البيان التمهيدي للموازنة أو موازنة المواطنين.
رغم حصول مصر على 42 نقطة من 100 نقطة في بند الرقابة الأعلى على الموازنة لعام 2015، وصف التقرير الرقابة حينها بأنها مراقبة محدودة بسبب إمكانية إقالة رئيس الجمهورية لرئيس جهاز الرقابة الأعلى دون موافقة السلطات التشريعية أو البرلمانية، الأمر الذي يقوّض استقلاليته.
هذا الأمر هو ما حدث بالفعل بعد إصدار قرار جمهوري منذ فترة بإعفاء هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، من منصبه، وهو أعلى سلطة رقابية في البلاد، بعد حديث جنينة عن وجود فساد بالبلاد يقدّر بـ600 مليار جنيه.
ويشكل قرار إقالة جنينة مأزقًا كبيراً لشفافية الموازنة، إذ بات تصنيف مصر في بند الرقابة الأعلى على الموازنة في مهب الريح.
وبحسب دراسة أعدتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، هناك تقنين لغياب الشفافية، حيث لا يلزم القانون رقم 53 لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة بأي شكل السلطتين التنفيذية والتشريعية الإفصاح عن سرية الوثائق الخاصة بالموازنة.
بل أشارت الدراسة إلى أن القانون يحمي السرية بالنص في مادته رقم 32 على أن الجهاز المركزي للمحاسبات ملزم فقط بتقديم تقريره عن الحساب الختامي إلى مجلس الشعب ويُرسل صورة عن ملاحظاته إلى وزارة المالية، بدون أي إلزام بنشره في وسائل الإعلام أو الاتصال أو إتاحته للعامة.