في الوضع الذي لا تُحسد عليه، تبدو المعارضة الجزائرية تائهة وسط الغموض السائد في أدوات الحكم الراهنة، وآليات التداول في الاستحقاقات الانتخابية، في ظلّ جملة من التحديات والمشكلات السياسية الداخلية والإقليمية، التي قد تُعقّد من مهمتها في إحداث تغيير على مستوى منظومة السلطة والحكم في الجزائر.
وللمرة الأولى بعد بروز "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" (حُلّت في مارس/آذار 1992)، كقوة معارضة في مواجهة السلطة في بداية التسعينيات، نجحت المعارضة في طرح نفسها كقوة مضادة، أجبرت السلطة على مراجعة حساباتها، بعدما نجحت في إنجاز تكتل جدّي وتأجيل كل خلافاتها الأيديولوجية.
وضمّ التكتل خمسة رؤساء حكومات، هم علي بن فليس وأحمد بن بيتور ومولود حمروش وسيد أحمد غزالي ومقداد سيفي، بالإضافة إلى أحزاب لها تأثيرها السياسي كحزب "حركة مجتمع السلم" (اخوان الجزائر)، و"جبهة العدالة والتنمية" و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" وغيرها.
اقرأ أيضاً: لقاء "الإخوان" والرئاسة الجزائريَيْن يهدّد بشق المعارضة
لكن نجاح المعارضة في التكتل وتنويع تكتيكاتها السياسية في مواجهة السلطة، لا يلغي حاجتها إلى تحقيق اختراق على صعيد تغيير الصورة التي ثبّتها النظام عن المعارضة، كقوى سياسية لا تحمل بديلاً جدياً، يُمكن أن تودي بالبلاد إلى مستقبل مجهول، وتزيد الأوضاع المأساوية التي تشهدها دول الربيع العربي.
كما يُساهم الوضع الدامي الذي عاشته الجزائر في التسعينيات من صعوبة مسعى المعارضة في إقناع الرأي العام بالتغيير، بالإضافة إلى أن جزءاً من هذه المعارضة التي تطالب بالتغيير، كانت شريكة في الوضع الذي آل إليه البلد. وأسماء بن فليس وبن بيتور وأحمد غالي وحمروش وسيفي، لا تغيب عن أذهان الجزائريين، لكونهم كانوا رؤساء حكومات قبل حكم بوتفليقة وخلاله. كما أن أحزاب كـ"النهضة" و"التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية" و"حركة مجتمع السلم"، كانت شريكة في حكومات بوتفليقة.
الاختبار الجدي والتحدي الأبرز بالنسبة للمعارضة، هو ذلك الذي يمتد إلى أفق عام 2019، موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، أو أي انتخابات قد تسبقها، ويتعلق بمدى توافقها على تقديم مرشح واحد، يُمكن أن تقف وراءه كسند سياسي وشعبي، في مواجهة مرشح السلطة.
وقد بدأت السلطة التمهيد لرئاسيات 2019 بفرز واحد من ثلاثة مرشحين محتملين، هم رئيس الوزراء عبد المالك سلال، ورئيس ديوان الرئاسة احمد أويحيى، وقائد أركان الجيش أحمد قايد صالح، إذا تمكن من التخلي عن البزة العسكرية، ونجح في إقناع دوائر القرار بشخصه.
ويتضمن هذا التحدي بالنسبة للمعارضة، تحديا آخر يتصل بالقدرة على مواجهة الماكينة الانتخابية والإدارية للسلطة وأحزابها، والتي عادة ما تُغيّر تكتيكات التحكم في المسار الانتخابي ونتائجه، وتوظّف كل الهيئات الإدارية الممكنة لتمكين مرشحها من الفوز. خصوصاً أن وزارة الداخلية ومحافظي الولايات، يشرفون على العملية الانتخابية في الجزائر، إلا إذا نجحت المعارضة في فرض مطلب تشكيل هيئة مستقلة، يُعهد إليها بالتنظيم والإشراف الفعلي على الانتخابات.
لم تنجح المعارضة في تجارب سابقة، وربما لم تحاول طرح اسم مرشح موحّد، مع العلم أنها نجحت في انتخابات عام 1999 في التكتل، لا حول مرشح واحد، بل ستة مرشحين، هم حمروش وسيفي ووزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي والإسلامي عبد الله جاب الله، وزعيم "جبهة القوى الاشتراكية" حسين آيت أحمد، ويوسف الخطيب، لاتخاذ قرار بالانسحاب من السباق الرئاسي يوم العملية الانتخابية. وذلك بعد بروز ما وصفته بـ"مؤشرات تزوير الانتخابات" لصالح بوتفليقة. كما فشلت المعارضة في تقديم مرشح منافس في انتخابات عام 2004، على الرغم من وجود رئيس حكومة بوتفليقة الأولى علي بن فليس منافساً له، وكان المشهد مشابهاً في انتخابات عامي 2009 و2014.
ويبرز متغير واحد في الاستحقاق الرئاسي المقبل، مقارنة مع ظروف الاستحقاقات السابقة، يتجلّى في وجود أحزاب قوية كانت في صف داعمي بوتفليقة في السابق. وقد ضمنها التكتل المعارض إلى جانبه بعد تحوّل مواقفها، كما بات متفقاً عليه بين المراقبين، أن "المعارضة الجزائرية، معارضة عاقلة وهادئة، ولا تنحاز إلى أي من خيارات العنف ولا تشجع عليه. وهي بحكم ضمها لعدد كبير من الشخصيات التي تولت مسؤوليات مختلفة في دوائر الدولة، كرؤساء حكومات ووزراء خارجية وسفراء، أكثر تفهّماً لمفهوم الدولة والحفاظ على الانسجام المجتمعي، مقارنة بمعارضات دول أخرى.
اقرأ أيضاً: خلافات متصاعدة داخل حزب إخوان الجزائر