بات واضحاً أن روسيا، بدعم من النظام السوري والأكراد الموالين له، تعمل على خرق وفد المعارضة السورية المفاوض، أو فرض تشكيل وفد ثالث لتمثيل بعض الأسماء في مباحثات جنيف، كرئيس "الاتحاد الديمقراطي الكردي" صالح مسلم، ورئيس مجلس "سورية الديمقراطية" هيثم مناع، في المفاوضات التي تأجلت لبضعة أيام، وهو تأجيل حاولت موسكو ربطه بـ"الغموض بشأن تشكيل الوفد السوري المعارض"، كما قال نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، أمس الجمعة، معلناً أن المحادثات قد تبدأ يوم 27 أو 28 الحالي.
وفي وقت يتجه فيه وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، اليوم السبت، إلى الرياض حاملاً معه "أفكاراً روسية" لمحاولة إرغام الهيئة العليا للمفاوضات على إدخال "رجال روسيا" في الوفد المعارِض، تتمسّك الهيئة بحقها كجهة وحيدة بتسمية الوفد المفاوض، مع الإصرار على تنفيذ القرار الدولي 2254، خصوصاً إجراءات بناء الثقة، والتي لا تُعتبر بطبيعة الحال شروطاً مسبقة، بقدر ما هي تنفيذ للقوانين الدولية، حسب المعارضة السورية.
وفي المقابل، حاول مسلم مسايرة الخط الروسي بهدف الضغط على الوفد المعارض، بإعلانه أمس الجمعة، أنه لا بد من تمثيل الأكراد في محادثات السلام المقررة في جنيف، محذراً من فشلها. أما النظام السوري فيسعى إلى محاولة اللعب على وتر أن حركة "أحرار الشام" الإسلامية، و"جيش الإسلام"، هما فصيلان إرهابيان. وهي خطوة تدخل في التوجّه نفسه لروسيا وحزب "الاتحاد الديمقراطي"، الذي قال رئيسه صالح مسلم إن "جماعة جيش الإسلام لا تختلف عن جماعات إسلامية متشددة أخرى".
في غضون ذلك، يؤكد نائب رئيس الوفد المفاوض إلى جنيف عن المعارضة السورية، جورج صبرا، أن "الهيئة العليا للمفاوضات هي الجهة الوحيدة المخوّلة بتسمية الوفد، وهذا ليس قرارنا أو قرار السعودية، بل كان قرار الدول السبع عشرة الداعمة لسورية في مؤتمر فيينا، وكلفت المملكة باستضافته، وكان له مخرجات لم يعترض عليها أحد، ولم يُبدِ عليها ملاحظة".
ويشير صبرا، في حديث مع"العربي الجديد"، إلى أن قرار مجلس الأمن يطالب باحترام إدارة السوريين، متسائلاً "كيف يمكن أن يتم احترام إرادة السوريين، إذا كان الروس يريدون أن يتدخلوا في وفد المعارضة، فما بالك في وفد النظام". ويرى أن روسيا "تحاول الظهور كقوة احتلال، إذ تمارس دوراً، هو انتدابي، عسكرياً على الأرض، وتحاول الهيمنة على المسار السياسي".
وحول المحاولات الروسية لفرض أسماء جديدة على الوفد المفاوض، خصوصاً اسمي هيثم مناع وصالح مسلم، يلفت صبرا إلى أن "هيثم مناع دعي بكل احترام إلى مؤتمر الرياض، ولم يلبِّ الدعوة، فهو لا يريد مشاركة المعارضة، فلماذا يريد الآخرون إشراكه؟".
أما بشأن تصريحات مسلم والحديث عن تمثيل الأكراد، فيشير نائب رئيس الوفد المفاوض إلى أن "الأكراد تمثّلوا بـ13 حزباً كردياً في مؤتمر الرياض، وهناك عدد من القادة السياسيين الأكراد كعبد الباسط سيدا، فؤاد عليكو، عبد الحكيم بشار، ومصطفى أوسو"، مؤكداً أن "الأكراد موجودون بقوة في مؤتمر الرياض وفي الهيئة العليا للمفاوضات وفي الوفد المفاوض، ولا يمكن الحديث عن تمثيل للأكراد عن طريق الاتحاد الديمقراطي الذي وُلد بالأمس، فالأكراد لديهم حركة سياسية ناشطة منذ عام 1957، وهم ممثلون بقوة".
اقرأ أيضاً: تأجيل مؤقت لجنيف بلاءات روسية... ووفد النظام برئاسة "صقور"
ويضيف صبرا أن "النقطة الثانية، التي تحدد رفضنا لمشاركة صالح مسلم، أنه ليس معارضاً، ولا نريد أن نتحدث عن التقارير، التي تشير إلى علاقته بالنظام السوري وإيران، بل نتحدث عن وقائع، فقبل أسبوع فقط كان هناك اجتماع من قبل وزير داخلية النظام، محمد الشعار، في مكاتب الاتحاد الديمقراطي في قلب القامشلي، وهناك اجتماعات أسبوعية يعرفها العرب والأكراد والسريان الآشوريون، بين ممثلي النظام وممثلي هذا الحزب". ويشدّد على أن "هذا الحزب ليس معارضاً كي تدخله روسيا في المفاوضات مع وفد المعارضة، ونحن بالاستناد إلى هذه الحقائق نقول إن المعارضة تمثّلت في أوسع شكل لها في مؤتمر الرياض".
وفي ما يتعلق بإشارة مجلس الأمن من خلال القرار 2254، إلى ضرورة الإحاطة بمؤتمري القاهرة وموسكو، يوضح صبرا أن المعارضة تستند إلى القرار الدولي، مبيّناً أنه "من أصل 117 مشاركاً في مؤتمر الرياض، حضرت 28 شخصية كانت في مؤتمر القاهرة 1 و2 ومؤتمر موسكو 1 و2، وهي ممثلة في الهيئة العليا للمفاوضات وفي الوفد المفاوض"، لافتاً إلى أن "هيئة التنسيق كانت ممثلة بوفد كبير جداً يقارب 12 شخصاً، منهم رئيس الهيئة حسن عبد العظيم، فماذا يريدون أكثر من ذلك؟".
وحول التسريبات التي أشارت إلى أن جلسات جنيف لن تشهد لقاء مباشراً بين وفدي النظام والمعارضة، بل سيقوم الدبلوماسي الألماني، فولكر بيرتس، بدور الوسيط بينهما، يرى المعارض السوري أنه "ليس من المهم نوعية المفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، عبر الوسيط الدولي أو مواجهة"، لافتاً إلى أن "الأساس هو جدول العمل وموضوع المفاوضات، وهل سنذهب من أجل توفير الشروط لعملية انتقال سياسي، كما نصّ قرار مجلس الأمن، بدءاً من أساس العملية السياسية، والتي هي بيان جنيف 1 في عام 2012"، مشدداً على أن "المطلوب تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، توفر شروط الانتقال السياسي".
ويوضح صبرا أن المعارضة لا تطالب بإجراءات الثقة كشروط مسبقة، فـ"نحن نطالب بتنفيذ بنود القرار 2254، وهو يتحدث عن البندين 12 و13، المطلوبة من الطرف الآخر، فمن يقصف بالطيران، فليوقفوا طيرانهم"، مشيراً إلى أن "القرار في البند 12 تحدث عن رفع الحصار عن كل المناطق المحاصرة، وتوفير السبل لكل المؤسسات الإغاثية والوكالات، ونحن نطالب بتنفيذ بنود القرار 2254، قبل الذهاب إلى جنيف".
على الطرف الآخر، يحاول النظام الاصطياد في "الماء العكر"، من خلال اللعب على وتر أن العسكريين المشاركين في جنيف هم إرهابيون، وهو وتر ما فتئت موسكو تعزف عليه، قبل أن تُفاجأ بتعيين "الهيئة العليا للمفاوضات" محمد علوش كبيراً للمفاوضين، وهو المسؤول السياسي عن "جيش الإسلام".
وتقول مصادر مقرّبة من النظام السوري في دمشق إنه "لا يوجد توافق على موعد بدء المفاوضات، وهناك طرح روسي بتشكيل وفد المعارضة مناصفة، إضافة إلى رفض مشاركة جيش الإسلام وحركة أحرار الشام الإسلامية، في ظل رفض سعودي للأمر".
وتشير المصادر، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الروس أخبروا الأميركيين أنهم غير مستعجلين لعقد مفاوضات جنيف، في حين أن النظام يرى في الوفد الحالي فرصة لتحقيق مكاسب إعلامية على الأقل بوجود فصائل إرهابية شريكة لتنظيم القاعدة في بلاد الشام"، مبيّنة أن "الجولة الأولى هي مفاوضات غير مباشرة وستكون لوضع أسس التفاوض، وسيكون تحديد الفصائل الإرهابية وإقرار المبادئ التي ذكرت في جنيف وفيينا والقرار الأممي وعلى رأسها علمانية الدولة، أحد شروط انطلاق المرحلة الثانية".
أما "جيش الإسلام" فيؤكد أنه أصرّ على المشاركة في الوفد التفاوضي لـ"إنهاء شلال الدم في سورية والسعي إلى حصول الشعب السوري على حريته وكرامته، وعلى دولة يسود فيها القانون والعدل، ولأجله حمل السلاح وقاتل ذوداً عن أبناء بلده، ومن أجل ذلك سيسلك كل الطرق الممكنة، عسكرياً كان أو سياسياً".
وحول الموقف الروسي، يؤكد المتحدث الرسمي باسم "الجيش" إسلام علوش، لـ"العربي الجديد": "إننا في جيش الإسلام في سورية مؤسسة عسكرية تشكّلت من أبناء سورية وحملت السلاح لتقاتل عدوَّي هذا الشعب، وهما النظام السوري وداعش، ونعتقد أن روسيا لا يناسبها ذلك، فهي دخلت لتقوي النظام السوري والتنظيم على حد سواء"، لافتاً إلى أن "الدراسات والإحصاءات لنسب استهداف الروس لداعش مقارنة باستهداف قوى الثورة السورية، تُظهر أن الأغلبية الساحقة من هذه الاستهدافات كانت لقوى الثورة، كما قام الروس بشن هجمات على الثوار على جبهات القتال مع داعش، وباعتقادنا لو استطاع الروس عدم استهداف داعش لفعلوا، وكانت هذه النسبة الضئيلة هي فقط لتزيين صورتهم أمام المجتمع الدولي".
وعن الضغوط التي تتعرّض لها المعارضة السورية، يقول علوش إن "المعارضة تتعرض للكثير من الضغوط، ولكن نحن ملتزمون بمبادئ ثورتنا، ولا ننسى أن هناك دولاً شقيقة تدعمنا وتساعدنا في تجاوز هذه الضغوط لا سيما السعودية وقطر وتركيا".
اقرأ أيضاً: فرنسا تدعم حضور "جيش الإسلام" بمفاوضات جنيف السورية