في ظل صمت الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن الشؤون الداخلية، خاصة الوضع الاجتماعي المشتعل في أكثر من قطاع، وانصرافه إلى الشؤون الخارجية المقلقة: من الاتحاد الأوروبي، وبرودة العلاقة مع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، منذ أشهر، إلى انسحاب أميركا من الاتفاق النووي مع إيران، فقضية الإرهاب والوضع في سورية، قدّم قادة أحزاب فرنسية معارضة، أثناء برنامج سياسي تعده القناة الثانية العمومية، تقييمهم لأول سنة لماكرون في الإليزيه.
البرنامج الذي حضره أيضًا رئيس حركة "الجمهورية إلى الأمام" (حركة الرئيس ماكرون)، كريستوف كاستانير، ضمّ أربعة من أبرز قيادات المعارضة في البلاد، وهم مارين لوبان، ولوران فوكييز، وجان لوك ميلانشون، وأوليفيي فور.
ولم يتردد ميلانشون، رئيس حركة "فرنسا غير الخاضعة"، في التصريح بما يردّده الكثير من الفرنسيين في الشارع المحتقن، وأثناء مختلف التظاهرات التي تعرفها فرنسا، وهو أن ماكرون "رئيس الأثرياء"، أو "الملك الجمهوري"، الذي "يمتلك مقصّا يقطع به ميزانية الدولة وإمكانات الخدمات العمومية"، وأيضًا دخل الفقراء. أي أنه، بحسب رأيه، "يقطّع التاريخ الاجتماعي لفرنسا، من خلال دفع وتدمير المكتسبات التي أنجزت خلال سنوات".
ولا يجد ميلانشون من توصيف لما يفعله الرئيس على الصعيد الاجتماعي سوى "منطق الأنانية الاجتماعية"، وهو ما يجب أن يُجابَه، كما يرى ميلانشون. ثمّ يمضي ليتوعد بتظاهرة ضخمة يوم 26 مايو/أيار، ويتوقع لها أن تكون حاشدة، لا سيما أن أحزابًا سياسية يسارية عديدة، باستثناء الحزب الاشتراكي، صرّحت عن مشاركتها في التظاهرة، إضافة إلى نقابة "سي. جي. تي" وجمعيات طلابية.
أما رئيس حزب "الجمهوريون"، لوران فوكييز، الذي يحاول إعادة بناء حزبه بعد كل الهزات، خاصة الفشل في الرئاسيات والتحاق قيادات وازنة بالرئيس ماكرون، وانسحاب أخرى منه، فقد تطرّق إلى قضية فرض حكومة ماكرون ضرائب على المتقاعدين، ضمن ضريبة "المشاركة الاجتماعية المعممة"، والتي أخرجت كثيرًا من المتقاعدين للتظاهر. وليس خافيًا أن هؤلاء يعتبرون من بين الذين خيّب الرئيس ماكرون آمالهم، وهم الذين صوّتوا في الانتخابات الرئاسية لماكرون بعدما درجوا على التصويت لصالح اليمين، الذي يحاول اليوم استمالتهم من جديد.
وانتقد فوكييز ما يرى فيه "اضطرار ماكرون إلى أخذ الأموال من جيوب الفرنسيين"، وأكّد أنه "لا مكان للمعجزات"، وأن الضرائب ستزداد، خلافًا لما يَعد به الرئيس وحكومته. ولم يجد فوكييز بُدًا من استعادة شعاراته ومواقفه، التي انتخب على أساسها على رأس الحزب اليميني؛ فانتقد رؤية الرئيس ماكرون لـ"الهجرة باعتبارها ثراءً لفرنسا"، وتساءل عن سبب غياب "خطاب التشدد في ما يخص العلمانية"، وأعاد تأكيداته بأن الفرنسيين لا يزالون "يحتاجون إلى الحماية"، وكشف أنه لا يزال ينتظر جوابًا رئاسيًا على اقتراحه بإنشاء "وحدة وطنية".
أمّا الأمين العام الجديد للحزب الاشتراكي، أوليفيي فور، والذي يحاول أن يعيد الحيوية لحزب ترى أغلبية من الفرنسيين إمكانية اندثاره، إذ يزاحمه ويخنقه صعود حركة "فرنسا غير الخاضعة"، وكاريزما بعض قياداتها، فقد أعلن أنه أتى لهذا اللقاء ليتحدث عن الذين "لا يزنون كثيرًا في الميزان الرئاسي"، وهم المتقاعدون الذين أرغموا على دفع ضريبة "المشاركة الاجتماعية المعممة"، وهم أيضًا الطلبة الذين وُعِدوا بمستقبل في الفرز والانتقاء، والموظفون الذين يتم "احتقارهم"، والمرضى، ومن انخفضت مساعدات السكن التي كانت تقدم لهم. قبل أن يختم، ساخرًا: "يوجد رئيسٌ للأثرياء، ونحن في حاجة، الآن، إلى حزب لكل الباقين".
أما مارين لوبان، رئيسة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف، فسخرت من الرئيس ماكرون، وشبهته بـ"نبتة لا جذور لها، لا تبزغ منها سوى زهرة واحدة طول حياتها، وكل ما حولها صحراء". أي أن السنة الأولى من حكم الرئيس ماكرون كانت جرداء، في نظر المرشحة السابقة في رئاسيات 2017، والتي لا تزال تدفع ثمن حضورها الباهت في المناظرة الانتخابية، وهي تواجه مرشحاً شابّاً يعرف كل ملفاته.
وعلى الرغم من تأكيدها على رفض نقل السفارة الأميركية إلى القدس، باسم احترام القانون الدولي، إلا أنها أشادت، في تغريدة لها، بعد مجزرة إسرائيل على حدود غزة، بإقدام هذه الأخيرة "على حماية حدودها". وأكدت في اللقاء أنها "لا تفهم شيئًا عن دبلوماسية ماكرون"، منتقدة، بأشد عبارات الانتقاد، السياسة الرسمية تجاه الهجرة، واصفة إياها بـ"السياسة الإجرامية".
وبينما كان هؤلاء المعارضون الأربعة ينتقدون سياسات ماكرون ويحاولون هدمها والحطّ منها، اكتفى كريستوف كاستانير، رئيس حركة "الجمهورية، إلى الأمام"، بالدفاع عن رئيس الجمهورية، وكرر ما قاله ماكرون، حين كان مرشَّحا: "نحن نقود سياسة ليس لها نزوع أن تتجه يسارًا أو يمينًا". وسخر من انتقادات المعارضة لإصلاحات ماكرون، التي رأى كاستانير أنها "تتيح لفرنسا ولوج القرن الحادي والعشرين"، واعتبر أن الحكومة بصدد "بناء مجتمع التحرر. وهو أصعبُ بكثير من سياسة تقديم المساعدات"، واعتبرها الطريقة المثلى من أجل "إحداث تحوّل في فرنسا".
وقد جاء هذا اللقاء الإعلامي بعد ظهور استطلاع للرأي، أجرته أدوكسا-دونتسو، يمنح جان لوك ميلانشون صفة "أفضل مُعارِض" للرئيس ماكرون وحكومته. وقد حلّ أوّلاً، في نظر 42 في المئة من الفرنسيين المستطلَعين، متفوقًا على مارين لوبان (29 في المئة)، ثم فوكييز (17 في المئة) ثم أوليفيي فور (9 في المئة).
كما أن شعبية ميلانشون وصلت إلى 33 في المئة، ثم مارين لوبان، ثانية، بنسبة 26 في المئة، وكاستانير ثالثًا بـ22 في المئة، ثم فوكييز بـ17 في المئة، وأخيرًا أوليفيي فور بنسبة 10 في المئة.