مع انخفاض وتيرة القصف على مدينة حلب السورية نتيجة الهدنة الجديدة التي توصل إليها الطرفان الأميركي والروسي، تصاعدت حدة المعارك في ريف حلب، خصوصاً الجنوبي، حيث تمكنت قوات المعارضة من انتزاع مواقع هامة من قوات النظام السوري والمليشيات المتحالفة معها، فيما ردت قوات النظام بارتكاب مجازر جديدة في بلدة أم الكراميل وقبلها في مخيم للنازحين في ريف إدلب الشمالي.
وأعلنت فصائل غرفة عمليات "جيش الفتح"، فجر أمس الجمعة، سيطرتها على بلدة خان طومان الاستراتيجية في ريف حلب الجنوبي، وذلك ضمن معركة "كسر العظم"، بعد معارك عنيفة مع قوات النظام استمرت لأكثر من عشر ساعات، أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من قوات النظام، وأسر عدد آخر من جنسيات مختلفة. وقالت الفصائل إنه بعد تمشيط البلدة الاستراتيجية، التي تقع على مقربة من طريق دمشق-حلب الدولي، واصلت تقدّمها وسيطرت على عدد من التلال جنوب خان طومان، وإنها تواصل تقدّمها باتجاه باقي بلدات الريف الجنوبي.
وكانت معارك كثيرة دارت بين قوات المعارضة والنظام حول بلدة خان طومان الاستراتيجية نظراً لقربها من الطريق الدولي، إذ كانت قوات النظام تتمسك بالبلدة، وتسعى للانطلاق منها للسيطرة على نقاط الصوامع والنقاط المحيطة بها لتعزيز سيطرتها على المنطقة.
واستهلت "جبهة النصرة" الهجوم على خان طومان بتفجير عربة مفخخة استهدفت تجمّعاً للمليشيات ما أدى إلى مقتل العشرات منهم، كما أعلنت عن أسر أحد عناصر المليشيات الأفغانية التابعة لإيران، إلى جانب سحب 4 جثث لمقاتلين إيرانيين. وأطلق "جيش الفتح" يوم الخميس، معركة "كسر العظم"، وتمكّن من استعادة بلدة الخالدية ومعمل البرغل، أحد أهم نقاط قوات النظام ومليشياته. وتُعدّ هذه العملية العسكرية، الأولى لغرفة عمليات "جيش الفتح" عقب إعلان إعادة هيكلتها الأحد الماضي، وتهدف إلى السيطرة على مواقع للنظام، وتعزيز مواقع الفصائل المقاتلة جنوب حلب.
من جهته، رد طيران النظام السوري على هذا التقدّم لقوات المعارضة بقصف المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات المعارضة في ريف حلب الجنوبي، بأكثر من 150 غارة جوية، لمنع تقدّم الفصائل، وأدى القصف على قرية أم الكراميل المجاورة لخان طومان إلى مقتل 12 مدنياً، وجرح العشرات.
كما ارتفعت حصيلة المجزرة التي ارتكبتها طائرات النظام الحربية في مخيم الكمونة للنازحين في ريف إدلب الشمالي، إلى 30 قتيلاً، فضلا عن إصابة 70 آخرين. ويضم المخيم نازحين من ريفي حلب، وحماة، ونسبة كبيرة من الجرحى هم من الأطفال. وليست هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها مخيمات النازحين السوريين على الحدود مع تركيا إلى القصف، حيث قصف الطيران الروسي في يناير/كانون الثاني مدينة سرمدا، ما أدى إلى مقتل 13 مدنياً وإصابة عشرات آخرين.
وفيما أعرب منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن أوبراين عن شعوره "بالرعب والاشمئزاز" إزاء الاستهداف المتعمد لمخيم الكمونة، مطالباً بإجراء تحقيق فوري في المجزرة التي قال إنها تشكّل جريمة حرب، وصف البيت الأبيض استهداف المخيم بأنه "غير مبرر". وفي تعليقه الخجول على المجزرة، قال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست إنه "لا يوجد عذر للغارة على المدنيين الأبرياء الذين فروا أساساً من منازلهم هربًا من العنف".
كما دانت فرنسا الضربات التي استهدفت المخيم، ودعت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان للتحقيق بما وصفته بأنه "عمل مثير للاشمئزاز وغير مقبول يمكن أن يصل إلى جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية".
من جهته، شجب الائتلاف الوطني المعارض "المجزرة الجبانة التي ارتكبتها قوات الأسد بحق المدنيين النازحين في مخيم الكمونة"، مشيراً في بيان إلى أن قصف مخيم النازحين جاء عقب إدانة مجلس الأمن لمجازر حلب، ويمثّل تحدّياً صارخاً للإرادة الدولية، ويؤكد أنه لا يمكن الحديث عن أي مقاربة سياسية في ظل ما يرتكبه النظام وحلفاؤه من إجرام مستمر، كما لا يوجد شريك يمتلك الحد الأدنى من مقومات الشراكة في إدارة العملية السياسية، وفق البيان.
في غضون ذلك، تتواصل المعارك في منطقة الباردة ببادية القريتين في ريف حمص الجنوبي الشرقي، بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها، وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وسط أنباء عن سيطرة التنظيم على نقطتين لقوات النظام هناك، والاستيلاء على أسلحة ومعدات، فيما قام بحرق ناقلة جنود للنظام بعد قتل من فيها.
ونشر تنظيم "داعش" صوراً لاستيلاء مقاتليه على كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، إلى جانب مخازن للعتاد والذخيرة، خلال سيطرته على حقل الشاعر. وأوضح انه تمكن من الاستيلاء على دبابات، وتسعة مدافع من عيار 120-122 ملم، وصواريخ "كونكورس" و"كورنيت" الحرارية مع قواعد إطلاقها، إلى جانب عدد من الآليات والمدافع الموجهة. ومنطقة الشاعر من المواقع النفطية القليلة المتبقية بيد النظام، حيث يحاول تنظيم "داعش" تعزيز موارده المالية، من خلال إعادة سيطرته على هذه المناطق التي خسرها قبل عدة أشهر.