بالتزامن مع قرار الهيئة العليا للتفاوض بتأجيل المشاركة في المباحثات الجارية في جنيف السويسرية، وربطها بالتزام النظام بهدنة "وقف الأعمال العدائية" وقبوله الدخول في مفاوضات مباشرة، وفك الحصار عن المدن، قامت قوات النظام بالتصعيد العسكري على الأرض. وقد ارتكبت قوات النظام مجازر بحق المدنيين، باستهداف طيرانها بعض الأسواق الشعبية في مناطق سيطرة المعارضة، وذلك لتوجيه رسالة مفادها، أن "النظام بات مدركاً أن مباحثات جنيف ما هي إلا مظلة مؤقتة لإضاعة الوقت، ريثما يتم إنتاج حل سياسي يصيغه الروس والأميركيون. بالتالي فهي فرصة له لخرق الهدنة وتوجيه رسالة لوفد المعارضة، بأنه غير معني بحل سياسي في سورية، وأنه ماضٍ في تصعيده الميداني، وبذات الوقت لإحراجه أمام جمهوره ببقائه في جنيف في حين من يفاوضه يرتكب المجازر".
وعن أسباب تعليق المشاركة، بيّن حجاب أن "الهيئة العليا للتفاوض طالبت الجميع، خصوصاً روسيا، بإلزام النظام بقرارات مجلس الأمن، وقد حصلت على تعهّدات مكتوبة وشفهية بهذا الصدد من الأمم المتحدة. إلا أنه على الصعيد العملي، لم يحدث أي انفراج في الجانب الإنساني، ولم تصل المساعدات إلا لنحو 6.5 في المائة فقط من المحتاجين إليها وفق الأمم المتحدة نفسها. وكانت معظم هذه المساعدات عبارة عن مواد تنظيف". كما أشار حجاب إلى أنه "منذ الهدنة مع النظام لم يخرج أي معتقل من سجونه، بل جرى اعتقال 2445 شخصاً جديداً منذ صدور قرار مجلس الأمن 2254، وتوفي كثير منهم تحت التعذيب".
وأكد حجاب أنه "منذ بدء العملية السياسية زادت معاناة السوريين، ولم يتم رفع الحصار عن أية بلدة، بل زاد عدد البلدات المحاصرة". وتساءل: "هل المجتمع الدولي والدول العظمى، غير القادرين على إدخال علبة حليب إلى المناطق المحاصرة، قادرون على إنجاز عملية سياسية؟".
وفي إشارة منه إلى أن "قرار التعليق حاسم ولا رجعة عنه ما لم تتغير أسباب اتخاذه"، قال حجاب: "جئنا إلى جنيف من أجل تأمين عملية انتقال سياسي حقيقي في سورية، لكنهم يبدو أنهم فهموا تجاوبنا خطأ. لن نقبل بمفاوضات وشعبنا يعاني. لن نكون طرفاً في عملية تضيع حقوق شعبنا وتزيد من معاناته".
وأوضح أن "القرارات الدولية تنصّ على إنشاء حكم انتقالي كامل الصلاحية، لا مكان فيها للمجرمين أمثال بشار الأسد"، معتبراً أن "الجولات السابقة كانت تُستهلك بالنقاشات النظرية، وهي مضيعة للوقت. ولكسر هذا الوضع، قدّمنا رؤية ومقترحات متكاملة للمرحلة الانتقالية، تتضمّن 17 مذكرة لدي ميستورا، 12 منها تتعلق بالقضايا الإنسانية والخروقات، و3 مذكرات حول الانتقال السياسي. ولكن كل ذلك لم ينجح".
وطمأن حجاب فصائل المعارضة العسكرية بأنه "لن تكون هناك مساومة أو تنازل عن الثوابت وحقوق الشعب السوري. ولا يحقّ لأحد التنازل بمن فيهم المبعوث الدولي. ولا صفقات من وراء ظهر شعبنا الذي ضحى من أجل بناء سورية الموحدة الديمقراطية".
وطالب حجاب القوى الدولية، تحديداً الولايات المتحدة، التي قال إنها "صديقة للشعب السوري"، بـ"توفير السلاح لقوى المعارضة لردع النظام الذي تدعمه روسيا وايران من دون حدود"، مشيراً إلى أنه "منذ إعلان الهدنة جرى منع تقديم السلاح للفصائل بحجة الهدنة". وحول البدائل المطروحة أمام المعارضة السورية في حال انغلاق باب المفاوضات، ذكر حجاب أن "هناك الكثير من البدائل التي ستنهي النظام".
في المقابل، كان رئيس الوفد المفاوض، أسعد الزعبي، قد أبدى ارتياحه في حديث مع "العربي الجديد"، لأن "القرار جاء في الوقت والمضمون المناسبين"، مشيراً إلى أن "القرار أعاد اللحمة الوثيقة بين مكوّنات المعارضة السورية. وأثبت الوفد المفاوض أنه هو المتحدث باسم الشعب السوري". كما لفت إلى أن "دخول النظام بمفاوضات مباشرة يعني أن هناك مفاوضات، وإذا لم يدخل فلن تكون هناك مفاوضات"، لافتاً إلى أن "الوفد جاد في العملية التفاوضية، على نقيض الطرف الآخر، فنحن لم نأت إلى جنيف لإضاعة الوقت. ويجب منع النظام من المماطلة".
ويبدو أن الهيئة العليا للتفاوض قد اتخذت قرارها بتعليق استمرارها بالمفاوضات مع بقاء جزء من الوفد في جنيف مؤقتاً، لتُبيّن للمجتمع الدولي، بأنها أدت جميع التزاماتها بما يخص السير بالعملية السياسية، وأن النظام هو من يماطل بمناقشة الأمور الجدية فيها وهو الذي قام بأكثر من ألفي خرق لهدنة وقف إطلاق النار، ولم يقم بالإفراج عن المعتقلين وفك الحصار عن المدن المحاصرة، وأنه من يقوم بالالتفاف على هيئة الحكم الانتقالي التي أقرها بيان جنيف وأيدها القرار الدولي 2254. كما أعلنت بوضوح أنها "لن تسمح بعد الآن لهذه المفاوضات بأن تكون غطاء للنظام السوري في مواصلة أعماله القتالية على الأرض".
لكن بعض المحللين يرون أن "وفد المعارضة بات اليوم في وضع صعب، وأن انسحاب المعارضة من المفاوضات سيكون هدية مجانية تُقدّم للنظام، الذي ربما هدف إلى دفعها من خلال استفزازاته في جنيف، وفي الميدان لهذا الخيار، لكي يتحلّل من الضغوط والالتزامات".
في هذا السياق، رأى عضو البرلمان السوري المنشق، الإعلامي عماد غليون، أن "دخول المعارضة لمفاوضات جنيف بضغط دولي، كان أكبر خطأ ارتكبته خلال مسار الثورة، وهي لم تكن كما يبدو مدركة تماماً لأبعاد هذه المشاركة".
من جهته، اعتبر الصحافي ياسر الخطيب، أن "قرار المعارضة صائب، وما كانت تستطيع المضي قدماً في عملية غير منتجة، بينما موازين القوى تتبدل على الأرض لصالح النظام". وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "عودة الأمور إلى ما قبل المفاوضات، أي المواجهة مع النظام، يرفع القيود عن الداعمين المفترضين للثورة السورية، ليقوموا بدورهم في تقديم السلاح المطلوب لكسر موازين القوى على الأرض، لأن دعم حلفاء النظام لم يتوقف، بل زاد خلال الهدنة والمفاوضات، بينما يتذرع أصدقاء المعارضة بالهدنة والمفاوضات".
ويبدو أن المجتمع الدولي ومن خلفه الولايات المتحدة وروسيا بعد قرار الهيئة العليا للتفاوض تعليق المفاوضات، باتوا أمام طريق واضح، إما تنفيذ القرارات الدولية بهيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، كما ورد في بيان جنيف وأيدّه القرار الدولي 2254، عبر الضغط على النظام السوري لدحض فكرة بقاء الأسد، والشروع في العملية السياسية، أو مغادرة وفد المعارضة، ونعي الحل السياسي بشكل كامل والعودة إلى الحل العسكري، أو أن يكون هناك حل جاهز تعد له كل من روسيا والولايات المتحدة لفرضه على جميع الأطراف في الوقت الذي تراه كلا الدولتين مناسباً.