في يناير/كانون الثاني من عام 2016، كتبت كريمة ابنة أمين الصيرفي، سكرتير الرئيس الأسبق محمد مرسي، منشورًا على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" توجه فيه رسالة لوالدها، ذكرت فيها عرَضًا، بعض أوجه المعاناة المالية والنفسية التي واجهتها هي وأسرتها كانوا فيها بين العوز والتعفف، وهو ما أثار التفاعل والتعاطف عبر مواقع التواصل، من جانب نشطاء وأسر معتقلين وموقوفين، من بينهم محمود سيف، عضو حزب الحرية والعدالة، والمحبوس منذ مارس/آذار عام 2014 والذي كتب هو الآخر منشورًا من داخل المعتقل، عرض فيه التدهور والعوز المالي الذي وصل إليه المعتقلون وأسرهم، والتي انتقل بعضها من حال الرخاء إلى حال الستر، فيما انتقل بعضهم الآخر من حال الستر إلى حال العوز، كما تراجع مستوى بعضها ووصل إلى ما دون حد الفقر.
وتعاني أسر المعتقلين لكون الزوج هو المعيل الرئيسي للأسرة، إذ إن 82% من الأسر المصرية قائمة على عمل الزوج الذي يعد مصدر الدخل الرئيسي للأسرة وفق إحصاء صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مايو/أيار الماضي، "كما أنّ العرف المصري القاضي "بتركها على الله" في تدبر أمر المعيشة، يجعل أمر تأمين مستقبل الأسر غير وارد ما يجعل الأسر في كرب مباشر في حالات مثل الاعتقال"، كما تقول كريمة*، زوجة صحافي معتقل منذ عام ونصف، موضحة أن "زوجها لم يتحسّب لأي ظرف طارئ مثل هذا"، وتابعت "كنّا في آخر الشهر حين اعتقل، وقد نفد المال، فلم يكن هناك وسيلة سوى الاستدانة لتدبر الإيجار والنفقات والإعاشة".
وتجد زوجة المعتقل نفسها في مواجهة الحياة بمفردها؛ عقب اعتقال الزوج، إذ يصبح العبء الأكبر في تدبير أمر المعيشة منوطاً بها، "وهي معاناة تضاهي ما تمر بها الأرملة والمطلّقة التي تجد نفسها في مواجهة مع العبء المالي الثقيل الذي ألقي فجأة على كاهلها" بحسب إفادة كريمة، والتي أكملت قائلة "إن زوجة المعتقل تزيد معاناتها المجتمعية على الأرملة والمطلّقة بالوصمة التي تلاحقها، والتي تعيق وتؤثر على العلاقات الاجتماعية والتعاملات لأسرة بدون أب، أو أب مختف لسبب لا يمكن دائمًا ذكره"، وهو ما جرى مع المحامي محمد رمضان المعتقل منذ 17 يونيو الماضي، إذ قال في رسالة نشرتها المحامية والحقوقية ماهينور المصري، على صفحتها على فيسبوك في يوليو/تموز الجاري، أنّ زوجته تذرّعت بحجة "سفر الأب" حين طلبت إدارة المدرسة مقابلته.
اقــرأ أيضاً
عمل الزوجة: الوسيلة الأولى لمواجهة الأزمة
يبلغ عدد المعتقلين السياسيين من الرجال والنساء، 60 ألف سجين سياسي، وفقا لتقرير "سجون مصر... هناك متسع للجميع" الصادر عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في سبتمبر/أيلول الماضي، وتواجه أسر المعتقلين الأزمة المالية عبر عدّة إجراءات: منها عمل الزوجة، وخفض الاستهلاك، ومساعدات الأهل والمقربين. وقد يزيد مورد عبر مساعدات الجماعة إن كان المعتقل عضوًا حاليًا أو سابقًا في جماعة الإخوان المسلمين، وفقا لإفادات زوجات المعتقلين الذين تواصلت معهم معدة المادة، ومن بينهن الثلاثينية ياسمين* التي تحمد الله على أنّ المبلغ الذي تركه له زوجها لنفقة شهور متصلة، حتى يستقر في الخارج ويحصل على عمل، أعانها على تدبيرمعيشتها في الأشهر الأولى لاعتقال زوجها، بعد أن أُوقف زوج ياسمين في مطار القاهرة أثناء سفره إلى الخارج في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2015 ما جعل ياسمين مسؤولة عن تدبير الأسرة المكونة من ثلاثة أولاد بين الرابعة والعاشرة من عمرهم، بالإضافة إلى تكلفة إعاشة الزوج المسجون داخل محبسه.
ولم يكن لزوج ياسمين أي مصدر دخل يتركه لأسرته الصغيرة، سوى قيمة بدل نقابة الصحافيين البالغ 1380 جنيها (76 دولارا أميركيا)، وبالرغم من عدم وجود موارد كافية لمعيشة الأسرة، إلاّ أنّ ياسمين لم تقبل غير الاعتماد على نفسها والمقربين من الأهل فقط في مواجهة هذه الأزمة. وتابعت موضحة أنها قبل اعتقال الزوج كانت متفرغة لأسرتها الصغيرة، وتعمل مصممة جرافيك لمدة يومين كل أسبوع. وأكملت: "راتبي بسيط جدًا ولم يكن مصدرًا أساسيًّا في البيت مطلقًا. كان المبلغ الذي تركه لي زوجي عونًا حتى وجدت عملاً إضافيًّا حرًّا أستطيع الإنفاق منه على البيت".
وتعيش آلاء*، التي لم يكن قد مرّ على زواجها ثلاث سنوات، حين اعتقل زوجها العضو في جماعة الإخوان المسلمين، على الراتب الأساسي للزوج، والذي يذهب جلّه إلى تغطية نفقات الإعاشة والزيارة. وتستعين آلاء بما تبقى من الراتب الأساسي، بالإضافة إلى معاش نقابة الصحافيين لسداد نفقات أسرة صغيرة وطفلتين تكبران، غير أن ارتفاع الأسعار المفاجئ بعد تحرير قيمة سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية في نوفمبر/تشرين الثاني، أجبر آلاء على أن تعمل حتى توفر نفقات معيشتها وابنتيها.
ونحّت الأكاديمية سناء، أبحاثها جانبًا لمصلحة العمل، حتى تواجه النفقات الجديدة للأسرة بعد اعتقال الزواج، إذ استنفدت أزمة الاعتقال مدخرات الأسرة تمامًا، "وأصبح العمل الإضافي بمثابة ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها".
لكن طريق كريمة، نحو العمل لم تكن معبدة مثل الحالات السابقة، إذ سحبت مؤسسة غير هادفة للربح تعمل في مجال التعليم، عرض العمل المقدم إليها، حين علمت باعتقال زوجها، "على الرغم من أن جهة العمل هذه من مؤسسات المجتمع المدني"، لكنّ كريمة أردفت مفسّرة: "أصبحت بعض مؤسسات المجتمع تخشى من الإغلاق، فآثرت عدم قبول أهالي معتقلين".
تخفيض الاستهلاك
ويعد الاستغناء عن كثير من الاحتياجات والأنشطة التي كانت تشكّل حيزا كبيرا من حياة العائلة المالية خطّ الدفاع الأوّل التي تلجأ إليه عوائل المعتقلين في مواجهة الأزمة التي يعانون من تداعياتها، وهو ما اضطرت إليه ياسمين التي نقلت أولادها الثلاثة من مدارس خاصّة إلى أخرى تجريبية، كما اضطرّت كذلك إلى تخفيض ميزانية الغذاء كثيرًا على رغم أنّ أولادها في عمر النمو والطفولة. تقول ياسمين: "كيف سأوفر 30 ألف جنيه في بداية العام الدراسي لأحافظ على المستوى التعليمي لأولادي؟ دخلي بالكاد يكفي فتح البيت. لم يعد يهمّنا ماذا نأكل. نأكل أي شيء يتحمله راتبي القليل".
ولم يكن هناك من مفر أمام آلاء، سوى العودة بابنتيها إلى بيت أهلها لإعفاء نفسها من عبء تدبير إيجار الشقة، بالإضافة لإلغاء وخفض بنود مثل الملبس والترفيه.
أمّا سناء فلم يعفها منصبها الجامعي وعمرها من ضغط نفقات المعيشة المتزايدة كما تقول، موضحة: "كنّا نعيش في مستوى مرتفع نسبيّا، تزوج ابن لي، والآخران على وشك التخرج. لكن كان علينا أن نلغي كلّ بنود هذا المستوى المرتفع وبنود الترفيه. أهتم الآن بالأساسيات فقط: فتح البيت، وإعاشة زوجي".
واضطرت جميلة* لتنحية رسالتها للماجستير جانبًا توفيرًا لنفقاتها من جانب وتكريسًا لوقتها بالكامل للعمل حتى تستطيع كفاية نفسها وابنتها الصغيرة. تقول: "حاولت العيش كما كنت من قبل، أخرج وأشتري ما أحتاج ولا أحرم ابنتي من شيء. لكن وجدت الأمر مستحيلا، إذ أصبحت أعتاش فقط من راتبي".
ولجأت كريمة، كذلك إلى تخفيض نفقاتها، حتى يكفي دخلها البنود التي كان يسددها راتب زوجها، حتى أن أمورا مثل ركوب التاكسي وشراء ملابس، والتنزه أصبحت من الرفاهيات التي لا يمكن تحملها. وتتابع "استغنيت عن شراء الكتب التي تعدّ من أولوياتي لدراساتي العليا. بالإضافة إلى تأجيل دراستي للدكتوراه فلا أقدر الآن على توفير نفقاتها، الأولوية لنفقات الأسرة ولاحتياجات إعاشة زوجي المعتقل".
إعاشة المعتقلين والزيارات
تشكل نفقات إعاشة المعتقلين وتكلفة الزيارات بندا هاما في ميزانية أسر المعتقل كما تقول ياسمين التي تصف "نفقات الزيارة والإعاشة" بأنها تعادل "تكلفة فتح بيت آخر" إذ يحتاج المعتقل إلى كلّ شيء كان يستخدمه في حياته من مأكل ومشرب ودواء وملابس وغير ذلك من ضروريات الحياة"، وبحسب ما ذكرته ياسمين فإن على أسرة كل معتقل إعداد طعام لجميع زملائه في الزنزانة في يوم زيارته، وهو ما يعد محاولة لتخفيف وطأة الاعتقال من جهة، "غير أنه يزيد العبء المالي على الأسرة من جهة أخرى"، وهو ما شرحته ياسمين بالقول "عشرون سجينا سياسيا محبوسون مع زوجي في الزنزانة، عليّ أن أعدّ لهم جميعًا طعام يوم واحد ما يكلف كثيرًا. الآن تكلفني الزيارة الواحدة ما لا يقلّ عن ألف جنيه (55 دولارا)، أي 4 آلاف جنيه في كل شهر (221 دولارا)"، وتدبر ياسمين هذا المال، عبر والدها ووالدتها اللذين يساعدانها كثيرًا، وكذلك إخوة زوجها الذين يتحملون أكثر من نصف تكاليف الزيارة والإعاشة شهريًّا.
وتتكلف آلاء، مبالغ أكبر لدى تجهيز زيارة زوجها نظرا لتوقيفه في سجن العقرب سيئ السمعة، والذي تزيد أسعار المأكولات والمشروبات فيه عن غيره من السجون، موضحة أنه "في بداية فترة السجن، مطلع عام 2015 كانت الزيارة الواحدة تتكلف ألفي جنيه (110 دولارات)"، وحين تمنع الزيارة عن سجن العقرب كما يحدث كثيرا، تضطر ياسمين إلى أن تضع في الأمانات مبلغا يناهز أو يقل عن 3 آلاف جنيه (165 دولارا)، تكفي زوجها لشراء الوجبات الأساسية فقط.
ولدى سناء، بند إضافي غير الزيارة والإعاشة وهو بند الأدوية لزوجها المريض. والذي يعد أهم بند توفره أوّلاً ثم تدبر بقية تكاليف المعيشة كما تقول، أما كريمة فتصل نفقات إعاشة زوجها الشهرية إلى 3 آلاف جنيه، ما بين نقود توضع له في الأمانات بالسجن وتكلفة زياراتها الأسبوعية وزيارة والدته الشهرية، وهو ما توفره عبر الاستدانة من أصدقاء زوجها المقربين.
اقــرأ أيضاً
دعم الجماعة
يعد دعم أسر المعتقلين الذي توفره جماعة الإخوان أحد مصادر دخل آلاء التي ينتمي زوجها إلى الجماعة، والتي توفر لها أقل من نصف راتب زوجها تنفقها كلها على الزيارات والإعاشة. وتشتكي آلاء من أنّ المعونات المخصصة لأسر المعتقلين ليس من السهل الوصول إليها، بسبب عدم وجود نظام محدد لتوزيع وتوصيل الكفالات المالية التي توفرها الجماعة لأعضائها، بالإضافة إلى تقييد حركة لجان المضارّين ولجان كفالة أسر المعتقلين. كما أنّ بعض مسؤولي لجان الكفالات معرّضون لخطر الاعتقال بدورهم، بل والتصفية كما حدث في حادث تصفية ثلاثة عشر قيادي من جماعة الإخوان في 1 يوليو/تموز من عام 2015 خلال اجتماع لتنسيق أمر رعاية أسر المعتقلين والقتلى حسبما ذكرت جماعة الإخوان.
صنع في المعتقل
في يونيو/حزيران الماضي أطلق ناشطون بينهم أهالي معتقلين مباردة #صنع_في_المعتقل والتي تقوم على توفير خامات لمصنوعات ومشغولات يدوية يعمل المعتقل وزملاؤه على تصنيعها داخل محبسهم، ثم يخرجها الأهل خلال الزيارة للبيع في الخارج.
وتؤكد المعتقلة السابقة وابنه المعتقل كريمة الصيرفي أن "الفكرة راودت كل معتقل وأنا منهم مهما كان وضعه المادي كي يساهم في مصاريف الزيارة ويرفع عن أهله الحرج"، وتابعت في منشور على صفحتها على فيسبوك "في السجن بتتحول الضروريات لرفاهية وفي المقابل بتتحول الرفاهيات لضرورة مثل رفاهية معطر الجو التي تتحول لضرورة لأن موضع الخلاء موجود في زنزانة، كما تتحول المناديل الورقية والمبللة إلى ضرورة، وكذلك تتحول الكريمات المضادة للفطريات إلى ضرورة ومبيدات الحشرات الزاحفة وطاردات الكائنات الأخرى من فئران وأبراص وسحالي وفي بعض الأوقات الثعابين تصبح ضرورة كذلك".
وتصف متطوعة في المشروع رفضت ذكر اسمها لضرورة أمنية، عمل المعتقلين في هذا المشروع بـ"المقاومة الرمزية"، وتتابع "تم بيع بعض المنتجات وبالفعل وصلت مبالغ بسيطة للمعتقلين، وفي نفس الوقت يتم نشر قضية المعتقلين بشكل مختلف عن دائرة المظلومية وهو ما يتيح للمتضامنين، دعم المعتقلين بشكل عملي، لكن الصورة ليست وردية إذ تواجه المشروع عقبات أمنية وتحديات كبيرة قد توقفه في أيّ لحظة، ما يغلق باباً من الأمل في وجه المعتقلين في مصر.
وتعاني أسر المعتقلين لكون الزوج هو المعيل الرئيسي للأسرة، إذ إن 82% من الأسر المصرية قائمة على عمل الزوج الذي يعد مصدر الدخل الرئيسي للأسرة وفق إحصاء صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مايو/أيار الماضي، "كما أنّ العرف المصري القاضي "بتركها على الله" في تدبر أمر المعيشة، يجعل أمر تأمين مستقبل الأسر غير وارد ما يجعل الأسر في كرب مباشر في حالات مثل الاعتقال"، كما تقول كريمة*، زوجة صحافي معتقل منذ عام ونصف، موضحة أن "زوجها لم يتحسّب لأي ظرف طارئ مثل هذا"، وتابعت "كنّا في آخر الشهر حين اعتقل، وقد نفد المال، فلم يكن هناك وسيلة سوى الاستدانة لتدبر الإيجار والنفقات والإعاشة".
وتجد زوجة المعتقل نفسها في مواجهة الحياة بمفردها؛ عقب اعتقال الزوج، إذ يصبح العبء الأكبر في تدبير أمر المعيشة منوطاً بها، "وهي معاناة تضاهي ما تمر بها الأرملة والمطلّقة التي تجد نفسها في مواجهة مع العبء المالي الثقيل الذي ألقي فجأة على كاهلها" بحسب إفادة كريمة، والتي أكملت قائلة "إن زوجة المعتقل تزيد معاناتها المجتمعية على الأرملة والمطلّقة بالوصمة التي تلاحقها، والتي تعيق وتؤثر على العلاقات الاجتماعية والتعاملات لأسرة بدون أب، أو أب مختف لسبب لا يمكن دائمًا ذكره"، وهو ما جرى مع المحامي محمد رمضان المعتقل منذ 17 يونيو الماضي، إذ قال في رسالة نشرتها المحامية والحقوقية ماهينور المصري، على صفحتها على فيسبوك في يوليو/تموز الجاري، أنّ زوجته تذرّعت بحجة "سفر الأب" حين طلبت إدارة المدرسة مقابلته.
عمل الزوجة: الوسيلة الأولى لمواجهة الأزمة
يبلغ عدد المعتقلين السياسيين من الرجال والنساء، 60 ألف سجين سياسي، وفقا لتقرير "سجون مصر... هناك متسع للجميع" الصادر عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في سبتمبر/أيلول الماضي، وتواجه أسر المعتقلين الأزمة المالية عبر عدّة إجراءات: منها عمل الزوجة، وخفض الاستهلاك، ومساعدات الأهل والمقربين. وقد يزيد مورد عبر مساعدات الجماعة إن كان المعتقل عضوًا حاليًا أو سابقًا في جماعة الإخوان المسلمين، وفقا لإفادات زوجات المعتقلين الذين تواصلت معهم معدة المادة، ومن بينهن الثلاثينية ياسمين* التي تحمد الله على أنّ المبلغ الذي تركه له زوجها لنفقة شهور متصلة، حتى يستقر في الخارج ويحصل على عمل، أعانها على تدبيرمعيشتها في الأشهر الأولى لاعتقال زوجها، بعد أن أُوقف زوج ياسمين في مطار القاهرة أثناء سفره إلى الخارج في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2015 ما جعل ياسمين مسؤولة عن تدبير الأسرة المكونة من ثلاثة أولاد بين الرابعة والعاشرة من عمرهم، بالإضافة إلى تكلفة إعاشة الزوج المسجون داخل محبسه.
ولم يكن لزوج ياسمين أي مصدر دخل يتركه لأسرته الصغيرة، سوى قيمة بدل نقابة الصحافيين البالغ 1380 جنيها (76 دولارا أميركيا)، وبالرغم من عدم وجود موارد كافية لمعيشة الأسرة، إلاّ أنّ ياسمين لم تقبل غير الاعتماد على نفسها والمقربين من الأهل فقط في مواجهة هذه الأزمة. وتابعت موضحة أنها قبل اعتقال الزوج كانت متفرغة لأسرتها الصغيرة، وتعمل مصممة جرافيك لمدة يومين كل أسبوع. وأكملت: "راتبي بسيط جدًا ولم يكن مصدرًا أساسيًّا في البيت مطلقًا. كان المبلغ الذي تركه لي زوجي عونًا حتى وجدت عملاً إضافيًّا حرًّا أستطيع الإنفاق منه على البيت".
وتعيش آلاء*، التي لم يكن قد مرّ على زواجها ثلاث سنوات، حين اعتقل زوجها العضو في جماعة الإخوان المسلمين، على الراتب الأساسي للزوج، والذي يذهب جلّه إلى تغطية نفقات الإعاشة والزيارة. وتستعين آلاء بما تبقى من الراتب الأساسي، بالإضافة إلى معاش نقابة الصحافيين لسداد نفقات أسرة صغيرة وطفلتين تكبران، غير أن ارتفاع الأسعار المفاجئ بعد تحرير قيمة سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية في نوفمبر/تشرين الثاني، أجبر آلاء على أن تعمل حتى توفر نفقات معيشتها وابنتيها.
ونحّت الأكاديمية سناء، أبحاثها جانبًا لمصلحة العمل، حتى تواجه النفقات الجديدة للأسرة بعد اعتقال الزواج، إذ استنفدت أزمة الاعتقال مدخرات الأسرة تمامًا، "وأصبح العمل الإضافي بمثابة ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها".
لكن طريق كريمة، نحو العمل لم تكن معبدة مثل الحالات السابقة، إذ سحبت مؤسسة غير هادفة للربح تعمل في مجال التعليم، عرض العمل المقدم إليها، حين علمت باعتقال زوجها، "على الرغم من أن جهة العمل هذه من مؤسسات المجتمع المدني"، لكنّ كريمة أردفت مفسّرة: "أصبحت بعض مؤسسات المجتمع تخشى من الإغلاق، فآثرت عدم قبول أهالي معتقلين".
تخفيض الاستهلاك
ويعد الاستغناء عن كثير من الاحتياجات والأنشطة التي كانت تشكّل حيزا كبيرا من حياة العائلة المالية خطّ الدفاع الأوّل التي تلجأ إليه عوائل المعتقلين في مواجهة الأزمة التي يعانون من تداعياتها، وهو ما اضطرت إليه ياسمين التي نقلت أولادها الثلاثة من مدارس خاصّة إلى أخرى تجريبية، كما اضطرّت كذلك إلى تخفيض ميزانية الغذاء كثيرًا على رغم أنّ أولادها في عمر النمو والطفولة. تقول ياسمين: "كيف سأوفر 30 ألف جنيه في بداية العام الدراسي لأحافظ على المستوى التعليمي لأولادي؟ دخلي بالكاد يكفي فتح البيت. لم يعد يهمّنا ماذا نأكل. نأكل أي شيء يتحمله راتبي القليل".
ولم يكن هناك من مفر أمام آلاء، سوى العودة بابنتيها إلى بيت أهلها لإعفاء نفسها من عبء تدبير إيجار الشقة، بالإضافة لإلغاء وخفض بنود مثل الملبس والترفيه.
أمّا سناء فلم يعفها منصبها الجامعي وعمرها من ضغط نفقات المعيشة المتزايدة كما تقول، موضحة: "كنّا نعيش في مستوى مرتفع نسبيّا، تزوج ابن لي، والآخران على وشك التخرج. لكن كان علينا أن نلغي كلّ بنود هذا المستوى المرتفع وبنود الترفيه. أهتم الآن بالأساسيات فقط: فتح البيت، وإعاشة زوجي".
واضطرت جميلة* لتنحية رسالتها للماجستير جانبًا توفيرًا لنفقاتها من جانب وتكريسًا لوقتها بالكامل للعمل حتى تستطيع كفاية نفسها وابنتها الصغيرة. تقول: "حاولت العيش كما كنت من قبل، أخرج وأشتري ما أحتاج ولا أحرم ابنتي من شيء. لكن وجدت الأمر مستحيلا، إذ أصبحت أعتاش فقط من راتبي".
ولجأت كريمة، كذلك إلى تخفيض نفقاتها، حتى يكفي دخلها البنود التي كان يسددها راتب زوجها، حتى أن أمورا مثل ركوب التاكسي وشراء ملابس، والتنزه أصبحت من الرفاهيات التي لا يمكن تحملها. وتتابع "استغنيت عن شراء الكتب التي تعدّ من أولوياتي لدراساتي العليا. بالإضافة إلى تأجيل دراستي للدكتوراه فلا أقدر الآن على توفير نفقاتها، الأولوية لنفقات الأسرة ولاحتياجات إعاشة زوجي المعتقل".
إعاشة المعتقلين والزيارات
تشكل نفقات إعاشة المعتقلين وتكلفة الزيارات بندا هاما في ميزانية أسر المعتقل كما تقول ياسمين التي تصف "نفقات الزيارة والإعاشة" بأنها تعادل "تكلفة فتح بيت آخر" إذ يحتاج المعتقل إلى كلّ شيء كان يستخدمه في حياته من مأكل ومشرب ودواء وملابس وغير ذلك من ضروريات الحياة"، وبحسب ما ذكرته ياسمين فإن على أسرة كل معتقل إعداد طعام لجميع زملائه في الزنزانة في يوم زيارته، وهو ما يعد محاولة لتخفيف وطأة الاعتقال من جهة، "غير أنه يزيد العبء المالي على الأسرة من جهة أخرى"، وهو ما شرحته ياسمين بالقول "عشرون سجينا سياسيا محبوسون مع زوجي في الزنزانة، عليّ أن أعدّ لهم جميعًا طعام يوم واحد ما يكلف كثيرًا. الآن تكلفني الزيارة الواحدة ما لا يقلّ عن ألف جنيه (55 دولارا)، أي 4 آلاف جنيه في كل شهر (221 دولارا)"، وتدبر ياسمين هذا المال، عبر والدها ووالدتها اللذين يساعدانها كثيرًا، وكذلك إخوة زوجها الذين يتحملون أكثر من نصف تكاليف الزيارة والإعاشة شهريًّا.
وتتكلف آلاء، مبالغ أكبر لدى تجهيز زيارة زوجها نظرا لتوقيفه في سجن العقرب سيئ السمعة، والذي تزيد أسعار المأكولات والمشروبات فيه عن غيره من السجون، موضحة أنه "في بداية فترة السجن، مطلع عام 2015 كانت الزيارة الواحدة تتكلف ألفي جنيه (110 دولارات)"، وحين تمنع الزيارة عن سجن العقرب كما يحدث كثيرا، تضطر ياسمين إلى أن تضع في الأمانات مبلغا يناهز أو يقل عن 3 آلاف جنيه (165 دولارا)، تكفي زوجها لشراء الوجبات الأساسية فقط.
ولدى سناء، بند إضافي غير الزيارة والإعاشة وهو بند الأدوية لزوجها المريض. والذي يعد أهم بند توفره أوّلاً ثم تدبر بقية تكاليف المعيشة كما تقول، أما كريمة فتصل نفقات إعاشة زوجها الشهرية إلى 3 آلاف جنيه، ما بين نقود توضع له في الأمانات بالسجن وتكلفة زياراتها الأسبوعية وزيارة والدته الشهرية، وهو ما توفره عبر الاستدانة من أصدقاء زوجها المقربين.
دعم الجماعة
يعد دعم أسر المعتقلين الذي توفره جماعة الإخوان أحد مصادر دخل آلاء التي ينتمي زوجها إلى الجماعة، والتي توفر لها أقل من نصف راتب زوجها تنفقها كلها على الزيارات والإعاشة. وتشتكي آلاء من أنّ المعونات المخصصة لأسر المعتقلين ليس من السهل الوصول إليها، بسبب عدم وجود نظام محدد لتوزيع وتوصيل الكفالات المالية التي توفرها الجماعة لأعضائها، بالإضافة إلى تقييد حركة لجان المضارّين ولجان كفالة أسر المعتقلين. كما أنّ بعض مسؤولي لجان الكفالات معرّضون لخطر الاعتقال بدورهم، بل والتصفية كما حدث في حادث تصفية ثلاثة عشر قيادي من جماعة الإخوان في 1 يوليو/تموز من عام 2015 خلال اجتماع لتنسيق أمر رعاية أسر المعتقلين والقتلى حسبما ذكرت جماعة الإخوان.
صنع في المعتقل
في يونيو/حزيران الماضي أطلق ناشطون بينهم أهالي معتقلين مباردة #صنع_في_المعتقل والتي تقوم على توفير خامات لمصنوعات ومشغولات يدوية يعمل المعتقل وزملاؤه على تصنيعها داخل محبسهم، ثم يخرجها الأهل خلال الزيارة للبيع في الخارج.
وتؤكد المعتقلة السابقة وابنه المعتقل كريمة الصيرفي أن "الفكرة راودت كل معتقل وأنا منهم مهما كان وضعه المادي كي يساهم في مصاريف الزيارة ويرفع عن أهله الحرج"، وتابعت في منشور على صفحتها على فيسبوك "في السجن بتتحول الضروريات لرفاهية وفي المقابل بتتحول الرفاهيات لضرورة مثل رفاهية معطر الجو التي تتحول لضرورة لأن موضع الخلاء موجود في زنزانة، كما تتحول المناديل الورقية والمبللة إلى ضرورة، وكذلك تتحول الكريمات المضادة للفطريات إلى ضرورة ومبيدات الحشرات الزاحفة وطاردات الكائنات الأخرى من فئران وأبراص وسحالي وفي بعض الأوقات الثعابين تصبح ضرورة كذلك".
وتصف متطوعة في المشروع رفضت ذكر اسمها لضرورة أمنية، عمل المعتقلين في هذا المشروع بـ"المقاومة الرمزية"، وتتابع "تم بيع بعض المنتجات وبالفعل وصلت مبالغ بسيطة للمعتقلين، وفي نفس الوقت يتم نشر قضية المعتقلين بشكل مختلف عن دائرة المظلومية وهو ما يتيح للمتضامنين، دعم المعتقلين بشكل عملي، لكن الصورة ليست وردية إذ تواجه المشروع عقبات أمنية وتحديات كبيرة قد توقفه في أيّ لحظة، ما يغلق باباً من الأمل في وجه المعتقلين في مصر.
-------
* تم إخفاء الأسماء الكاملة بناءً على طلب الحالات لاعتبارات عائلية ومخاوف أمنية.