قد تكون إجابة المرزوقي غير مقنعة للكثيرين، لكنها إجابة مسؤولة واستباقية بالحد الأدنى من جهة، ومن جهة ثانية فإن مرحلة الانتقال من وضع إلى آخر، مثلها مثل الديمقراطية، ليست وصفة طبخ يمكن تطبيقها بالطريقة والأدوات نفسها في كل البلدان، إذ إن لكل بلد ظروفه وبيئته السياسية ومحدداته المجتمعية، التي تتيح له ابتداع آلية سلسة للانتقال من نظام سياسي موجه إلى نظام ديمقراطي تمثيلي.
السؤال الذي وجه للمرزوقي قبل سنوات يطرح اليوم في الجزائر العالقة، منذ خلع الشعب للرئيس عبد العزيز بوتفليقة واستقالته من منصبه في الثاني من إبريل/نيسان 2019، عند معضلة المرحلة الانتقالية، بين تمسّك الجيش برئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح بمستند دستوري وبين مطلب كتلة سياسية وشعبية واسعة بإزاحة كافة رموز النظام السابق بمستند ثوري وشعبي. نظرياً، المسافة لا تزال متباعدة بين طرفي الثقل في المشهد الجزائري، وليست هناك أية وسيلة ممكنة للتقارب والوصول إلى نقطة تفاهم وطني بشأن الخيار الممكن غير سبيل واحد يفرض نفسه الآن في الجزائر، ويرتكز على مبدأين اثنين هما "الحوار المسؤول" و"التنازلات الممكنة".
في محطة حساسة كهذه التي توجد فيها الجزائر راهناً، ابتدع البولنديون "المائدة المستديرة"، للخروج من مرحلة الشارع والمرور إلى مرحلة الحل السياسي، واستحدث التونسيون "هيئة تحقيق أهداف الثورة" كمؤسسة حوار تمثيلية. أما في الجزائر، وقد أنجز الشارع استحقاقاته الثورية، فتتطلب المرحلة حلاً إبداعياً يختصر زمن الأزمة ويضع البلد على سكة التحول.
صحيح أن الشارع طرف مركزي في كل نقاش سياسي، لكن حيوية الشارع لا يجب أن تكون رادعاً للمبادرة، بل محركاً للقوى السياسية لجعل المرحلة الانتقالية تأسيسية تتم فيها التوافقات الكبرى حول الأهداف الديمقراطية والقواعد الأساسية، وتنشأ فيها الأطر التمثيلية التي تساعد على الوصول إلى مؤسسات الانتقال الديمقراطي المخوّلة لها إعادة صياغة مفهوم الدولة وكتابة النصوص المؤسسة ومراجعة العلاقات الوظيفية بين مؤسساتها. وعلى أن يرجأ في هكذا مراحل كل نقاش حول القضايا الجدلية إلى حين توفير إطار ديمقراطي يتيح النقاش الهادئ ويوفر ظروف التفاهمات المجتمعية والسياسية، بشأن أي من القضايا والهواجس والمسارات المستقبلية.