المغربيات يجهضن أكثر
النقاش الذي جرى، الأسبوع الماضي، بشأن تقنين الإجهاض في المغرب، أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه حوار طرشان، فعلى الرغم من أن منصة الندوة جمعت بين إسلاميين وليبراليين وحقوقيين ومسؤولين حكوميين وهيئات طبية، إلا أن كل واحد من هؤلاء كان جزيرة معزولة، ولم تفلح الجلسة في تقريب وجهات النظر، بل خرج من كان في القاعة متمسكا بوجهة نظره، وموليا وجهه شطر حلفه للدعم والنصرة، فحرب الإجهاض في البلاد ستتحول في المقبل من الأيام من نقاش عن ظاهرة اجتماعية كاسحة تحتاج إلى معالجة طبية عاجلة، إلى نقاش سياسي عنيف بين فريقين: محافظ وليبرالي، وربما سيكون هذا الملف ورقة انتخابية ناجحة في يد حزب العدالة والتنمية المغربي الذي يقود الحكومة. وهي ورقة ذهبية، سيجري استغلالها على الوجه الأكمل، ومن حسن حظ هذا الحزب أن هذا الملف يفتح على مبعدة أشهر من الانتخابات البلدية التي ستجري في سبتمبر/أيلول.
وليس من المصادفة أن يتنبه حقوقي مغربي، مثل محمد الصبار، الذي كان حاضرا في منصة الندوة، ويصرح بأن ملف الإجهاض فتح في الوقت الخطأ، وأن النقاش حوله يتسم بمنسوب مرتفع من الأدلجة، ستؤدي لا محالة إلى إفساده، ومن هناك إلى قبر النقاش حوله. وخرج أحد أعضاء المجلس العلمي، وهي هيئة الإفتاء الرسمية في المغرب، ليقول إن الليبراليين يريدون أن يبقوا وحدهم في هذه البلاد، ويفرضوا النموذج الاجتماعي الذي يريدون على المغاربة.
هذا هو الجو العام الذي افتتح به النقاش حول مسألة مجتمعية حساسة، تهم العلاقات التي تجري خارج مؤسسة الزواج، وينتج عنها حمل فتياتٍ كثيرات، تقول الإحصائيات الرسمية، بما فيها تقرير للأمم المتحدة، إن أكثر من 600 حالة إجهاض تجري يوميا في مصحات وقاعات سرية في المغرب، في شروط غير طبية، بينما تؤكد جمعيات عاملة في المجال أن عدد عمليات الإجهاض التي تجرى في البلاد يتجاوز الألف حالة يومياً، في أقبية الألم السرية تلك، تخرج منها الفتاة الضحية بآثار صحية وخيمة، وتنتهي موصومة بالعار، وترغمها آلة النبذ الاجتماعي على الانضمام كرها إلى سوق الدعارة الذي تتشابك فيه مصالح اللوبيات والمنتفعين من اقتصاد الظاهرة.
وبعيداً عن التشخيص العلمي لتنامي ظاهرة الإجهاض السري، والأعداد المهولة من "الأمهات العازبات"، بصرف النظر عن مستوياتهن التعليمية وأوضاعهن الاقتصادية، تستمر المغربيات في الاستنجاد بماكينة الإجهاض، أو في الإقدام على الطرق التقليدية المحفوفة بمخاطر كثيرة، والمهددة للحق في الحياة.
وسواء كان الحمل ناتجا عن اغتصاب، أو وعد وهمي بالزواج، أو تأخر في العثور على فارس أحلام، أو الانكفاء عند أول علاقة عاطفية، فإن اتساع مساحة الظاهرة وكونها واقعاً يمشي على قدميه، يجب أن لا يخرج عن بال هؤلاء الذين يذهبون إلى الفنادق الفخمة ليناقشوا بكثير من اللامسؤولية ومن الانفصام عن اليومي والمعيشي، لأن ذلك سيحول وضعاً مجتمعياً مؤلماً إلى استعراض سياسي، عينه على صناديق الاقتراع وأصوات الناخبين والناخبات.
فالمغربيات يجهضن أكثر، ليس لهبوط أخلاقي، ولا لقلة تربية، أو تدني منسوب المحافظة، بل لأن تعقيدات اجتماعية وسياسية يمر منها هذا المجتمع، ولتحولات اقتصادية عاصفة تبسط سيطرتها على البنية التكوينية للأسرة المغربية، فالأرقام تشير إلى وجود عشرات آلاف الشابات يعملن بعيداً عن عائلاتهن، يعشن وحيدات، وغالبيتهن داهمتهن العنوسة في صلب التزاماتهن تجاه عائلاتهن، بل هناك من يؤجلن الزواج بسبب الالتزام الاقتصادي تجاه أسرهن.
هذا وضع طافح وموجود، وكما أن العلاقات العاطفية لهؤلاء الفتيات تجري في الكواليس، ومشمولة بكل مقتضيات التكتم، فإن الناتج "الحرام" عنها يجري التخلص منه في السرية المميتة التي تخلف الندوب على الروح والجسد.
وأما من كان منكم بلا خطيئة، فليرمها بحجر.