30 أكتوبر 2024
المغرب... "فوبيا" الانتخابات البلدية
لم يختف هاجس الخوف من الإسلاميين في المغرب، على الرغم من كل محاولات التطبيع والتطويع والتركيع، وعلى الرغم من مرور أربع سنوات من "التعايش" معهم داخل الحكومة التي يتولون قيادتها.
أعادت نتائج الانتخابات التي جرت في سبتمبر/أيلول الجاري تأكيد قوة حضور الإسلاميين في الشارع المغربي، وأزعجت السلطة التي عبرت عن انزعاجها بطرقها الخاصة، عندما عمل إعلامها، الرسمي والخاص، على سرقة نصر الإسلاميين، و"تتويج" "فائزين" بدلاً منهم، لكن هذا "النصر الإعلامي" لخصوم الإسلاميين لن يغير من الواقع شيئاً. بل بالعكس، فإن نتائجه العكسية ستصب في صالح الإسلاميين أنفسهم، لأنها قدمتهم، مرة أخرى، "ضحايا" "سرقة أدبية" مكشوفة.
يدرك الإسلاميون، وخصوصاً منهم المشاركون في الحكومة، قبل غيرهم حساسية العلاقة مع سلطة الدولة العميقة في المغرب، الممثلة في "المخزن". لذلك، يسعون دائما إلى إيجاد التبريرات لكل التجاوزات و"التعسفات" التي ترتكبها في حقهم، والدفاع عن كل "التنازلات" التي يقدمونها لها، والعمل من أجل كسب ثقتها ونيل رضاها. ومثل هذا التصرف لا يزيد الطرف الآخر سوى حنقا وحقدا عليهم، لأنه لا يعرف مغازيه، ويتوجس من مراميه.
نماذج التصادم مع سلطة الدولة العميقة، ونتائج ذلك التصادم حاضرة في ذهن إسلاميي المغرب، فالنموذج المصري ما زال ماثلا للعيان، ولا أحد في المغرب يريد أن يكرره، والنموذج الجزائري القريب من المغرب يذكّر الجميع بأخطاء الطرفين، والكلفة الباهظة التي دفعها الشعب الجزائري نتيجة تلك الأخطاء.
قبل الانتخابات المحلية التي عرفها المغرب أخيراً، وتوجت الإسلاميين فائزين بأكبر عدد من
شكلت "الانتخابات" البلدية دائماً هاجساً كبيراً للأنظمة المستبدة والمتسلطة في المنطقة العربية، لأنها "الترمومتر" الحقيقي لقياس درجة حرارة الشارع. ومنذ انتخابات الجزائر المجهضة في تسعينيات القرن الماضي، تولد ما يمكن أن نسميها "فوبيا" الانتخابات البلدية، في المنطقة العربية، خصوصاً عندما يكون الإسلاميون مشاركين فيها. وليس غريباً أن الدول التي عرفت ثورات في عز "الربيع العربي" لم تشهد حتى الآن إجراء انتخابات بلدية، سواء في تونس أو ليبيا، أو مصر التي ما زالت سلطة الانقلاب فيها تتهرب من هذا الاستحقاق.
يحضر هاجس الخوف من الإسلاميين دائما مع كل استحقاق انتخابي، لأن ما تخشاه كل سلطة حاكمة هو الاحتكام إلى الشارع، والخوف يكبر عندما لا تكون لهذه السلطة شرعية شعبية وظهير وسند شعبي. لذلك، تلجأ إلى كل الأساليب والوسائل التي تمكنها من "الضبط"، حتى لا ينفلت زمام الأمور من بين أيديها.
وفي كل تجارب الاستحقاقات الانتخابية الديمقراطية التي عرفتها المنطقة العربية، وشارك فيها إسلاميون، خصوصاً في مصر وتونس، وقبل ذلك في الجزائر في مطلع تسعينيات القرن الماضي، حضر هاجس الخوف من الإسلاميين بقوة، وكل تجربة من هذه التجارب عبرت عن خوفها بطريقتها الخاصة، وكان لتك النتائج التي ترتبت عنها، وأدت إلى ما آلت إليه أوضاع كل بلد من هذه البلدان التي ما زالت تدفع فاتورة ردة فعل أصحاب "هاجس الخوف".
إنها "حالة مرضية"، لا يمكن أن تتجاوزها المنطقة العربية، من دون التخلص من أسبابها. وكما يقال في الطب، التشخيص نصف العلاج. ما يوجد أمامنا اليوم أعراض هذه الحالة، وهي تتضخم مع مرور الزمن، ومع التغاضي عن البحث عن العلاج. أما الأسباب فظاهرة للعيان، إلا لمن لا يريد أن يراها.
لو كانت في الدول العربية ديمقراطية حقيقية، لما وجدت حالة "هاجس الخوف" هذه، لأن الديمقراطية التي تعني المحاسبة أيضاً، كانت ستجعل الإسلاميين أمام اختبار المحاسبة الشعبية التي من شأنها أن تعاقبهم أو تجازيهم. لكن الأنظمة المستبدة، بغبائها، كانت دائماً تسارع إلى أن تجعل من الإسلاميين "ضحايا"، بدلا من أن تقدمهم للمحاسبة الشعبية.