28 سبتمبر 2024
المغرب العربي والهجمات الإرهابية في الساحل
من الملاحظ على السياسة الفرنسية في غرب المتوسط والمنطقة الساحلية الصحراوية انخراطها الواسع في عمليات واسعة، تطلق على بعضها وصف الأمني، وعلى بعضها الآخر شراكة و/أو تعاون، لكنها، في نهايتها، بسط لسياسة المستعمر القديم على منطقة تعتبرها امتدادا لأمنها القومي، وإشعاعا لسياساتها باعتبارها قوة عالمية.
في هذا الإطار، سارعت، فور وقوع الانقلاب في مالي، عام 2012، إلى تجسيد تحركها من خلال عملية "سرفال" ثم "برخان"، وهما عمليتان عسكريتان بدلالات استراتيجية، أخطرها، على الأطلاق، تمدد نطاق الدائرة التأثيرية في الأمن القومي الأوروبي والفرنسي، على وجه الخصوص، إلى المنطقة الساحلية الصحراوية، بمحاذاة الحدود الجنوبية للجزائر، ما يعني أن ثمة توجّها لإعادة قراءة تقييمية لكل المنطقة أمنيا، وعسكريا واستراتيجيا.
كيف يمكن قراءة الهجمات على مقر السفارة الفرنسية في عاصمة بوركينا فاسو، واغادوغو، والقيادة العامة للجيش البوركينابي، هناك، في ظل تنامي قوة الجماعات الإرهابية، من ناحية، وسعي فرنسا إلى فرض واقع جديد، بإيجاد قوة جديدة تتكون من أفراد عسكريين من خمس دول، من دون إشراك الأطراف المعنية والمهتمة بشؤون المنطقة، وفي مقدمتها الجزائر، من ناحية أخرى؟
بداية، يجب الحديث عن أن تلك الضربات كانت ردا على هجماتٍ قامت بها القوات الفرنسية
التابعة لعملية برخان، إضافة إلى أن العملية كانت، في حد ذاتها، إعلان قوة بإشارتين، الأولى أن الجماعات الارهابية لم تنهزم في شمال مالي، والثانية إنذار للدول المنضوية تحت مظلة "G 5"، القوة الأفريقية المشتركة التي أنشأتها فرنسا لتكون داعمة لعملية "برخان"، ومخرجا لفرنسا بعد انسحابها، من هناك، في حدود نهاية هذه السنة، بسبب صعوبات مالية وأخرى أمنية تعاني منها فرنسا.
على الرغم من الصدى الإعلامي الذي صاحب العملية في فرنسا وفي البلدان المغاربية والأفريقية الساحلية، على حد سواء، إلا أن بعض الأسئلة لم تطرح، وخصوصا المتصلة بمحاولات فرنسا الالتفاف على الجهد العسكري - الأمني الجزائري، لإنشاء قاعدة للوجود في شمال مالي، بداية، ثم الاستعانة بالدول الأفريقية الساحلية الخمس (تشاد، موريتانيا، مالي، النيجر، بوركينا فاسو) لتكون داعمة لفرنسا في المنطقة، بعد رفض الجزائر العدول عن مبدئها الراسخ في عدم التدخل خارج حدودها أو المشاركة في أي عملية عسكرية في بلدان أخرى.
يجرّنا هذا السؤال إلى الحديث عن ذلك المبدأ الاستراتيجي الجزائري الذي أرفقته البلاد بخطواتٍ أمنيةٍ، كلفتها مالا وجهدا كثيرا، كان من ثمارهما منع تمدد الفوضى إلى أبعد من شمال مالي، من ناحية، واحتواء انعكاسات سقوط نظام معمر القذافي في ليبيا، من ناحية أخرى.
من خلال هذه الحقيقة، يمكن فهم المسعى الفرنسي إلى حل المعضلة الليبية، بعيدا عن الثلاثي العربي، تونس والجزائر ومصر، كما يمكن فهم سبب سعي فرنسا إلى دعوة قادة دول الساحل التي يتكون جيش "G 5" منها، للاجتماع في باريس، كما لو أنها كانت قادرةً على ضمان استقرار أمن منطقة شاسعة، مثل منطقة الساحل بآلاف من الأفراد غير المدربين، وبعتاد لا يمكنه القضاء على الجماعات الإرهابية المتمرسة في القتال، والتي تمتلك تدريبا عسكريا عاليا، وعتادا ضمنته من خزان أسلحة القذافي، ومن أموال الفدى التي كانت الدول الأوروبية تدفعها لهذه الجماعات، لتحرير رهائنها، والتي تقدر بمئات ملايين الدولارات، وفق تقديرات مصادر استخباراتية فرنسية.
سعت فرنسا، من خلال عمليتي "سيرفال" ثم "برخان" إلى ضمان مصالحها في المنطقة الساحلية، إلا أنها بدون إشراك الأطراف الكبرى في المنطقة، على غرار الجزائر والمغرب، لم تحقق أي نجاح. ولهذا عملت على الضغط على الجزائر، خصوصا، بالاعتماد على تلك الدول المحاذية لحدود الجزائر الجنوبية (أربع منها) جرا لها لتغيير موقفها من مبدأ التدخل العسكري خارج الحدود، وربما إحلال القوات الجزائرية محل القوات الفرنسية في شمال مالي، بالنظر إلى اعتقاد فرنسا الراسخ بقدرة الجيش الجزائري، عددا وعتادا، للقيام بمهمة ضمان أمن المنطقة الساحلية - الصحراوية.
كما سعت الولايات المتحدة، من قبل، إلى الضغط على الجزائر، لتمكينها من إنشاء قاعدة عسكرية في أقصى الجنوب الجزائري، وبعد رفض السلطات الجزائرية تم إنشاء القاعدة في النيجر (قاعدة للطائرات الاستطلاعية بدون طيار)، لتكون الجزائر محاطة بسوار أطلسي حقيقي من الجنوب الشرقي (ليبيا) والجنوب (مالي والنيجر) بالوجود المشترك الفرنسي - الأميركي.
وبالعودة إلى مغزى هذا السعي الاستراتيجي الأطلسي، فإنه لا يُفهم إلا في إطار غياب مبادرة فعلية بإعادة بعث مشروع قوة مغاربية مؤسسية موجودة، لكنها غير مفعلة، وهي "اتحاد المغرب العربي"، لتكون الأداة التي تضمن وزنا استراتيجيا لقطبي المنطقة، الجزائر والمغرب، وتجر معها الدول المغاربية الأخرى إلى كتلة لها حساب، عند اتخاذ هذه القرارات الاستراتيجية من القوات الكبرى، وخصوصا عندما تكون منطقة التدخل امتدادا لفضاء تأثير أمني مغاربي جنوبا في المنطقة الساحلية -الصحراوية.
على الرغم من توفّر دروس الفشل المغاربي، من خلال الاستقطاب الذي فرضته أوروبا
وأميركا، في علاقاتهما مع دول المنطقة، والذي تجسده مبادراتٌ هندسها الغرب لأشكال تعاون وشراكة، وفق إدراكه التهديدات والشؤون الأمنية، على غرار 5+5، مسار برشلونة للشراكة الأورو متوسطية، الاتحاد من أجل المتوسـط واتفاقات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والدول المغاربية الثلاث (تونس، المغرب ثم الجزائر). إضافة إلى كل التدخلات التي تتم قريبا من حدودها (ليبيا ثم مالي) أو إبعادها من خريطة الحلول المقترحة لمعضلةٍ، مثل المعضلة الليبية، إلا أن دول المغرب العربي لم تنتبه، بعد، إلى ضرورة العمل المشترك وفق منطق الكتلة، لا وفق ذلك الانحدار في القيمة الاستراتيجية لشمال أفريقيا وغرب المتوسط لصالح دول أقل قيمةً، من حيث المعطيات الجيوسياسية.
مجرد توفر هذه الدروس للفشل المغاربي في الاتحاد للوقوف في وجه هذه التحديات هو حافز للسعي إلى بعث إرادة مشتركة، تكون من نتائجها إعادة الاعتبار للوزن الاستراتيجي في منظومة القرارات الأطلسية الأمنية والعسكرية وضامنة لوزن مغاربي، في لعبة مستقبلية في المنطقة، تكون أسسها الطاقة، الاقتصاد والاستقرار، وهي أدوات/ وسائل موجودة، وتنتظر التفعيل لتولد، في غرب المتوسط والمنطقة الساحلية - الصحراوية، قوة رادعة وذات وزن في تقرير التوجه والدور، بعيدا عن الاستقطاب الغربي - الأطلسي الذي نرى تداعياته ماثلةً في إرادة استمرار الفوضى، وعدم الاستقرار على حساب مستقبل واعد لدول المنطقة.
في هذا الإطار، سارعت، فور وقوع الانقلاب في مالي، عام 2012، إلى تجسيد تحركها من خلال عملية "سرفال" ثم "برخان"، وهما عمليتان عسكريتان بدلالات استراتيجية، أخطرها، على الأطلاق، تمدد نطاق الدائرة التأثيرية في الأمن القومي الأوروبي والفرنسي، على وجه الخصوص، إلى المنطقة الساحلية الصحراوية، بمحاذاة الحدود الجنوبية للجزائر، ما يعني أن ثمة توجّها لإعادة قراءة تقييمية لكل المنطقة أمنيا، وعسكريا واستراتيجيا.
كيف يمكن قراءة الهجمات على مقر السفارة الفرنسية في عاصمة بوركينا فاسو، واغادوغو، والقيادة العامة للجيش البوركينابي، هناك، في ظل تنامي قوة الجماعات الإرهابية، من ناحية، وسعي فرنسا إلى فرض واقع جديد، بإيجاد قوة جديدة تتكون من أفراد عسكريين من خمس دول، من دون إشراك الأطراف المعنية والمهتمة بشؤون المنطقة، وفي مقدمتها الجزائر، من ناحية أخرى؟
بداية، يجب الحديث عن أن تلك الضربات كانت ردا على هجماتٍ قامت بها القوات الفرنسية
على الرغم من الصدى الإعلامي الذي صاحب العملية في فرنسا وفي البلدان المغاربية والأفريقية الساحلية، على حد سواء، إلا أن بعض الأسئلة لم تطرح، وخصوصا المتصلة بمحاولات فرنسا الالتفاف على الجهد العسكري - الأمني الجزائري، لإنشاء قاعدة للوجود في شمال مالي، بداية، ثم الاستعانة بالدول الأفريقية الساحلية الخمس (تشاد، موريتانيا، مالي، النيجر، بوركينا فاسو) لتكون داعمة لفرنسا في المنطقة، بعد رفض الجزائر العدول عن مبدئها الراسخ في عدم التدخل خارج حدودها أو المشاركة في أي عملية عسكرية في بلدان أخرى.
يجرّنا هذا السؤال إلى الحديث عن ذلك المبدأ الاستراتيجي الجزائري الذي أرفقته البلاد بخطواتٍ أمنيةٍ، كلفتها مالا وجهدا كثيرا، كان من ثمارهما منع تمدد الفوضى إلى أبعد من شمال مالي، من ناحية، واحتواء انعكاسات سقوط نظام معمر القذافي في ليبيا، من ناحية أخرى.
من خلال هذه الحقيقة، يمكن فهم المسعى الفرنسي إلى حل المعضلة الليبية، بعيدا عن الثلاثي العربي، تونس والجزائر ومصر، كما يمكن فهم سبب سعي فرنسا إلى دعوة قادة دول الساحل التي يتكون جيش "G 5" منها، للاجتماع في باريس، كما لو أنها كانت قادرةً على ضمان استقرار أمن منطقة شاسعة، مثل منطقة الساحل بآلاف من الأفراد غير المدربين، وبعتاد لا يمكنه القضاء على الجماعات الإرهابية المتمرسة في القتال، والتي تمتلك تدريبا عسكريا عاليا، وعتادا ضمنته من خزان أسلحة القذافي، ومن أموال الفدى التي كانت الدول الأوروبية تدفعها لهذه الجماعات، لتحرير رهائنها، والتي تقدر بمئات ملايين الدولارات، وفق تقديرات مصادر استخباراتية فرنسية.
سعت فرنسا، من خلال عمليتي "سيرفال" ثم "برخان" إلى ضمان مصالحها في المنطقة الساحلية، إلا أنها بدون إشراك الأطراف الكبرى في المنطقة، على غرار الجزائر والمغرب، لم تحقق أي نجاح. ولهذا عملت على الضغط على الجزائر، خصوصا، بالاعتماد على تلك الدول المحاذية لحدود الجزائر الجنوبية (أربع منها) جرا لها لتغيير موقفها من مبدأ التدخل العسكري خارج الحدود، وربما إحلال القوات الجزائرية محل القوات الفرنسية في شمال مالي، بالنظر إلى اعتقاد فرنسا الراسخ بقدرة الجيش الجزائري، عددا وعتادا، للقيام بمهمة ضمان أمن المنطقة الساحلية - الصحراوية.
كما سعت الولايات المتحدة، من قبل، إلى الضغط على الجزائر، لتمكينها من إنشاء قاعدة عسكرية في أقصى الجنوب الجزائري، وبعد رفض السلطات الجزائرية تم إنشاء القاعدة في النيجر (قاعدة للطائرات الاستطلاعية بدون طيار)، لتكون الجزائر محاطة بسوار أطلسي حقيقي من الجنوب الشرقي (ليبيا) والجنوب (مالي والنيجر) بالوجود المشترك الفرنسي - الأميركي.
وبالعودة إلى مغزى هذا السعي الاستراتيجي الأطلسي، فإنه لا يُفهم إلا في إطار غياب مبادرة فعلية بإعادة بعث مشروع قوة مغاربية مؤسسية موجودة، لكنها غير مفعلة، وهي "اتحاد المغرب العربي"، لتكون الأداة التي تضمن وزنا استراتيجيا لقطبي المنطقة، الجزائر والمغرب، وتجر معها الدول المغاربية الأخرى إلى كتلة لها حساب، عند اتخاذ هذه القرارات الاستراتيجية من القوات الكبرى، وخصوصا عندما تكون منطقة التدخل امتدادا لفضاء تأثير أمني مغاربي جنوبا في المنطقة الساحلية -الصحراوية.
على الرغم من توفّر دروس الفشل المغاربي، من خلال الاستقطاب الذي فرضته أوروبا
مجرد توفر هذه الدروس للفشل المغاربي في الاتحاد للوقوف في وجه هذه التحديات هو حافز للسعي إلى بعث إرادة مشتركة، تكون من نتائجها إعادة الاعتبار للوزن الاستراتيجي في منظومة القرارات الأطلسية الأمنية والعسكرية وضامنة لوزن مغاربي، في لعبة مستقبلية في المنطقة، تكون أسسها الطاقة، الاقتصاد والاستقرار، وهي أدوات/ وسائل موجودة، وتنتظر التفعيل لتولد، في غرب المتوسط والمنطقة الساحلية - الصحراوية، قوة رادعة وذات وزن في تقرير التوجه والدور، بعيدا عن الاستقطاب الغربي - الأطلسي الذي نرى تداعياته ماثلةً في إرادة استمرار الفوضى، وعدم الاستقرار على حساب مستقبل واعد لدول المنطقة.