وإن كان البرلمان المغربي قد أفلح في إيجاد مخرج بظلّ كورونا لممارسة الرقابة على عمل الحكومة، من خلال الأسئلة الكتابية، مع وجود إمكانية الإرسال بالوسائل الإلكترونية المعمول بها حالياً، أو الشفوية من خلال تخصيص ثلاثة نواب من كل كتلة قد يطرح أحدهم سؤالاً شفوياً باسم الأخيرة وينوب عن الباقين، إلا أنّ الإشكال طرح أخيراً على مستوى التشريع، الذي يبقى عملية دقيقة تتطلب مقتضيات واضحة، منها عدم تفويت حقّ البرلماني الشخصي في التصويت، الذي لا يمكن تفويضه أو المساس به، لارتباطه بأحد مظاهر السيادة الشعبية، وفقاً للفصل الـ60 من الدستور المغربي.
وفي الوقت الذي طرح فيه احتساب أصوات الحاضرين عن كل كتلة أو مجموعة، باعتبارها تمثل جميع أصوات البرلمانيين الغائبين، تساؤلات عدة عن مدى احترام هذا الإجراء للدستور، لم تتأخر ردود فعل الأحزاب السياسية على ما وقع في الجلسة العامة الأخيرة. إذ عبّر الأمين العام لحزب "الأصالة والمعاصرة" المعارض، عبد اللطيف وهبي، أول من أمس السبت، عن رفضه خرق مجلس النواب لمقتضيات الفصل الـ60 من الدستور المتعلقة بعملية التصويت، داعياً رئيس كتلة حزبه في مجلس النواب، رشيد العبدي، إلى طرح الموضوع على طاولة ندوة رؤساء الكتل المقبلة.
من جهته، اتهم عمر بلافريج، البرلماني عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، رئيسي مجلس النواب ولجنة المالية والتنمية الاقتصادية، بخرق الدستور بتواطؤ مع بعض النواب "عديمي المسؤولية"، مطالباً المؤسسة التشريعية بتفعيل آلية التصويت عن بعد، التي يتوافر عليها البرلمان المغربي منذ 15 سنة.
في المقابل، كشف مصدر من مكتب مجلس النواب لـ"العربي الجديد"، أنه في ظلّ غياب رؤية مستقبلية بشأن مدة الجائحة، والتحدي الذي قد تطرحه استعجالية بعض القوانين، وكذا في ظلّ غياب مقتضيات قانونية في الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب يمكن الاستناد إليها لعقد الجلسات التشريعية في ظلّ ظروف استثنائية فرضها انتشار فيروس كورونا، قرّر رؤساء الكتل والفرق البرلمانية خلال اجتماع لهم مع رئيس مجلس النواب، اعتماد تصويت ممثلي الكتل باعتباره تصويتاً للكتلة ككل، وباعتبار ذلك حلاً حتى تجاوز مطب تعطيل المؤسسة التشريعية.
وبحسب المصدر ذاته، يمكن التفكير في طريقة التصويت عن بعد بالطرق الحديثة، ما سيسمح لجميع البرلمانيين بالمشاركة، مشيراً إلى أنّه يمكن الاقتداء في هذا الصدد، بالترتيبات المتخذة من قبل مكتب مجلس المستشارين، لإعمال التصويت الإلكتروني عن بعد، انطلاقاً من الأيام المقبلة من أجل تمكين النواب كافة من ممارسة حقهم الشخصي في التصويت بما يتوافق مع مقتضيات الفصل 60 من الدستور ومضمون المادة 175 من النظام الداخلي للمجلس.
وتعليقاً على الجدل الذي أثاره اعتماد تصويت ممثلي الكتل، باعتباره تصويتاً للكتلة ككل، شدد أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري في جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، رشيد لزرق، على "ضرورة تعديل النظام الداخلي لمجلسي البرلمان، مجلس النواب ومجلس المستشارين، واعتماد التصويت الإلكتروني، والتأسيس التشريعي لرقمنة العمل البرلماني، ومواكبة المتغيرات العالمية الكبرى"، لافتاً إلى أنه "يمكن بهذا الصدد استحضار التجربة الفرنسية، التي أسست لذلك من خلال المادة الـ27 من دستورها بإجازة التصويت الإلكتروني من خلال آلية يحدّدها النظام الداخلي لمجلسي البرلمان، مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية".
ورأى لزرق، في تصريحات لـ"العربي الجديد" أنّ تعديل النظام الداخلي لمجلسي البرلمان بهدف إجازة التصويت الإلكتروني "ليس بالأمر العسير، ولا يمكن أن يثير خلافات سياسية"، مشيراً إلى أنّ ذلك "من شأنه المساهمة في المزيد من إحكام آلية العمل عن بعد، وبالأخص منها عملية التصويت، نظراً لدقّتها ومحوريتها في مسار التصديق على مشاريع القوانين".
وبحسب لزرق، فإنّ رئيس مجلس النواب مدعو إلى مواصلة العمل في إطار مكتب المجلس وبالتنسيق الكامل مع رؤساء الكتل البرلمانية، للنظر في سبل تحسين ظروف وآليات تنظيم الجلسات المقبلة، بما يُراعي شروط السلامة الصحية وقيام المجلس بمهماته.