05 نوفمبر 2024
المغرب... ماذا يقع في أعالي الدولة؟
شَغَل رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بنكيران، عموم الطبقة السياسية والإعلامية في بلاده، عندما كسَّر بروتوكلات التداول العام في الشؤون السياسية المعتادة، وتحدّث عن وجود دولتين في المغرب، واحدة يترأسها الملك محمد السادس، وثانية لا نعرف من أين تستقي قراراتها. وهو في ذلك يشير إلى وجود إرادتين في تدبير الحقل السياسي، وتوَجُّهين يصنعان خريطته، ويُعدَّانها لما بعد الانتخابات التشريعية المقبلة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016.
ولم يعتد الحقل التداولي المغربي على هذا النوع من التصريحات من أعلى هرم الدولة. وعادةً ما كانت هاته التهم، أو الطريقة في تفجيرها، تتم من خارج حقل الدولة، لم يسبق أن مارس رئيس حكومة، أو وزير أول، هذا النوع من الانتقاد الحاد الذي يشي بتعدّد مراكز القرار في أعالي الدولة، وهو في حالة مزاولةٍ لمهامه. بل اعتاد الحقل السياسي على نوع من التكلف البلاغي والحديث بالمتشابهات، وتفادي التعليق المباشر والنيئ من داخل هرم الدولة. فقد سبق أن عارضت قوى سياسية، منها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، في ستينيات القرن الماضي، وسليله الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في ثمانينياته، وجود مراكز قرار داخل الدولة المغربية، تدفع المؤسسة المركزية فيها، أي الملكية، إلى قراراتٍ تتعارض مع التمثيلية الشعبية، أو التوجه الساعي الى الديموقراطية، والحائز على الشرعية الشعبية أو التاريخية.
حدث أول شرخ من هذا النوع في مايو/ أيار 1960، مع أول حكومةٍ يساريةٍ، والتي تم إعفاؤها بتدخلٍ من ولي العهد آنذاك، الحسن الثاني، الذي سيصبح عاهل البلاد بعد سنة تقريباً، وقد تولى هو نفسه رئاسة الحكومة البديلة. وتأسس على هذا الشرخ تاريخ من الصراع والمواجهات بين شرعية القوى المنحدرة من المقاومة (وجيش التحرير) والقصر والمحيط الملكيين. وما زالت أدبيات التاريخ السياسي، تذكر كيف كان الأب المؤسس لليسار المغربي، من خلال الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، المهدي بنبركة، ورفيقه، عبد الرحيم بوعبيد، يتحدّثان وقتها عن العقل المستشار أحمد رضا كديرة، صديق الملك والقوى المحيطة به في إحداث الشقاق بين القصر والحركة الوطنية.
وقد لخص محمد عابد الجابري هذا الصراع بالحديث عن القوة الثالثة، المشكّلة من ذوي المصالح وبقايا المدافعين عن الحماية الفرنسية والمتعاونين وقواد الجيش الذين تربوا في حضن العكسر الاستعماري .. إلخ، والتي سعت إلى إبعاد الملكية عن حاضنتها الشعبية ممثلة في الحركة الوطنية، والتي كانت وراء عودة الملك محمد الخامس إلى العرش بعد نفيه. وقد ذكر عبد الرحيم بوعبيد بعضاً من تفاصيل ذلك، في مذكراته التي تشرف العبد الضعيف لربه بترجمة فحواها وتعميمها، بعد وفاته رحمه الله. وجاء فيها على تفاصيل الحديث بينه وبين الحسن الثاني، ولي العهد وقتها الذي عبر عن نيةٍ واضحة في الحكم، وطلب من بوعبيد البقاء في حكومته لكنه رفض، وتلا ذلك فصل من المواجهة القاسية بين اليسار والقصر، أدخلت البلاد في دهاليز الدم والتزوير الانتخابي والحكم الفردي واحتكار الثروة.. إلخ.
ومن أهم الفترات المفصلية في التأريخ لهذه المرحلة ما قاله المهدي بنبركة، في تقريره "الاختيار الثوري"، عندما تحدّث، قبل اغتياله بثلاث سنوات، عن الأخطاء الثلاثة التي ارتكبتها الحركة التقدمية الوطنية في المغرب، يتعلق أحدها بالإطار المغلق الذي مرّت فيه بعض معاركنا، بمعزل عن مشاركة الجماهير الشعبية.
وعلى الرغم من تجاوز بعض من مخلفات الصراع الطويل والشاق الذي طبع مغرب الحسن الثاني، في التسعينيات، بدخول المغرب في تجربةٍ للتناوب السياسي، تم التوافق على تسميتها ـالتناوب التوافقي، فسرعان ما عاد شبح الحيطة والشك إلى مربع القرار المغربي، بعد أن نال حزب عبد الرحمن اليوسفي (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) الرتبة الأولى في اقتراع العام 2002، ولم يتم تعيين الوزير الأول من الحزب الفائز. وقتها، راج في الحقل السياسي والإعلامي مفهوم الخروج عن المنهجية الديمقراطية، بتعيين وزير أول تكنوقراطي على رأس الحكومة. وكان أن توجه اليوسفي، بدعوة من المؤسسة الملكية، إلى بلجيكا، وألقى محاضرة عرفت من بعد بمحاضرة بروكسيل، تحدث فيها عن إفشال الانتقال الديموقراطي في المغرب وعودة القوة الثالثة. والجامع بين الفترتين والموقفين أنهما تمّا بعد أن خرج اليسار من الحكم، وغادر دفة الدولة، وبعد أن كانت الفأس قد وقعت في الرأس.
وفي أثناء المراحل التي عرفت الصراعات السياسية، كان الحديث يتم عن وجود حكومة الظل في مواجهة الحكومة الفعلية، حكومة الانتخابات التي تظل قراراتها وتأثيرها محدودين، غير أن الأمر اتخذ اليوم طابعاً جديداً وغاية في التوتر، في حديث رئيس الحكومة، وهو ما زال في قيادة الدولة حسب الدستور والوظيفة، عن دولة الظل التي تعيش بالقوة نفسها، وبالقدرة المؤسساتية نفسها التي تملكها دولة محمد السادس الحقيقية، بلغة عبد الإله بنكيران.
لم يتحدّث بنكيران عن الدولة العميقة، كما تَبيَّأتْ في الحقل التداولي والسياسي والإعلامي المغربي قادمة من المشرق، والتي يحيل وجودها على دولةٍ أخرى ظاهرية، بل شاء لها أن تكون دولةً قادرةً على أن تأتي قراراتها وتعييناتها من المجهول، أي لا تستمد شرعيتها في القرار، وفي التعيينات، من شرعية محمد السادس، الملك وأمير المؤمنين ورئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية .. إلخ.
إنها دولة موازية، كما يقول الناطق الرسمي سابقاً، حسن أوريد، في كتاباته عن هذا المفهوم. واللافت أن الأطروحة جاءت من رئيس الحكومة، ومن الحزب الأول في البلاد، والذي ينتظر تكريس انتصاراته في الانتخابات المقبلة، وينزعج من أي ارتباكٍ في المسار بطريقة غير مشروعةَ. أي الانقلاب على المسار الديمقراطي بطريقةٍ غير مشروعة، تمنح النصر لغيره، أي ممثل الدولة غير الرسمية، تلك الدولة التي لا يرأسها محمد السادس.
تدفع النزاهة الأدبية إلى الإقرار بشجاعة خروج رئيس الحكومة في بلاد المغرب من القاموس الفضفاض الذي راكمته السياسة في الحديث عن شؤون الدولة، ومغامرته بأطروحةٍ كاملة عن الدولة الظل التي تعد للخروج عن المسار الديمقراطي، في الساعات الأخيرة للإعداد للاقتراع التشريعي. وهو ما يضع النقاش العمومي حول مصير السياسة وخريطتها تحت راية القلق والتوتر، بل يجعل الفرقاء كلهم يحدّدون مواقفهم من الزاوية التي اختارها رئيس الحكومة وقائد الإسلام السياسي في الدولة.
وضع الرئيس تأطيراً مفهومياً للصراع، عندما ورّط الجميع في ضرورة تحديد الموقف من التحكّم، باعتباره معضلة السياسة اليوم، وقد نزل بهذا المفهوم إلى الشارع العام، حيث يغتنم كل نهاية أسبوع، ليتحدث بوصفه أمين عام للحزب الذي يقود الأغلبية الحكومية التي يتحدّث باسمها طوال أيام الأسبوع، ويوضح التفاصيل التي يقصدها بالمفهوم الذي وضعه عتبةً سياسيةً قبل العتبة الانتخابية في البلاد.
من معي، ومن مع التحكّم؟ هذا هو الرهان الشكسبيري الذي وضعه بنكيران، بشأن الانتخابات المقبلة، أن نكون أو لا نكون، هو ذا السؤال.
يعطي بنكيران بنية مادية للتحكّم، عندما يتحدّث عن واحدٍ من جوانبه، والمتمثل في الوساطة بين الملك من جهة والشعب وممثليه من جهة أخرى، وقد صرح علانية بالقول: تعبنا من الوسطاء، وهو يعني المربع الذي يحيط بمركز الدولة. وله في ذلك حكمة نافذة، أي السعي في ذلك إلى تغيير الوضع بإلغاء الوساطة، وتعويضها بممثلين نابعين من صناديق الاقتراع.
يتم كل هذا النقاش، ولم تنجح الفصائل السياسية الأخرى في نقل الصراع وتقدير المواقف على قاعدة الأداء الحكومي، المفروض أن يكون موضع الحساب والجردة المرتبطة به، اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ومؤسساتية ومالياً .. إلخ.
والواضح أن النجاح، بالنسبة لمن يقود الحكومة، حصل لمّا نجح في نقل الأضواء الكاشفة من الأزمة الاجتماعية الواقعية إلى افتراض الأزمة السياسية التي يتحملها الناس، حتى ولو كان ذلك بالعزوف عن المشاركة السياسية. .. وتلك قصة أخرى.
ولم يعتد الحقل التداولي المغربي على هذا النوع من التصريحات من أعلى هرم الدولة. وعادةً ما كانت هاته التهم، أو الطريقة في تفجيرها، تتم من خارج حقل الدولة، لم يسبق أن مارس رئيس حكومة، أو وزير أول، هذا النوع من الانتقاد الحاد الذي يشي بتعدّد مراكز القرار في أعالي الدولة، وهو في حالة مزاولةٍ لمهامه. بل اعتاد الحقل السياسي على نوع من التكلف البلاغي والحديث بالمتشابهات، وتفادي التعليق المباشر والنيئ من داخل هرم الدولة. فقد سبق أن عارضت قوى سياسية، منها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، في ستينيات القرن الماضي، وسليله الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في ثمانينياته، وجود مراكز قرار داخل الدولة المغربية، تدفع المؤسسة المركزية فيها، أي الملكية، إلى قراراتٍ تتعارض مع التمثيلية الشعبية، أو التوجه الساعي الى الديموقراطية، والحائز على الشرعية الشعبية أو التاريخية.
حدث أول شرخ من هذا النوع في مايو/ أيار 1960، مع أول حكومةٍ يساريةٍ، والتي تم إعفاؤها بتدخلٍ من ولي العهد آنذاك، الحسن الثاني، الذي سيصبح عاهل البلاد بعد سنة تقريباً، وقد تولى هو نفسه رئاسة الحكومة البديلة. وتأسس على هذا الشرخ تاريخ من الصراع والمواجهات بين شرعية القوى المنحدرة من المقاومة (وجيش التحرير) والقصر والمحيط الملكيين. وما زالت أدبيات التاريخ السياسي، تذكر كيف كان الأب المؤسس لليسار المغربي، من خلال الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، المهدي بنبركة، ورفيقه، عبد الرحيم بوعبيد، يتحدّثان وقتها عن العقل المستشار أحمد رضا كديرة، صديق الملك والقوى المحيطة به في إحداث الشقاق بين القصر والحركة الوطنية.
وقد لخص محمد عابد الجابري هذا الصراع بالحديث عن القوة الثالثة، المشكّلة من ذوي المصالح وبقايا المدافعين عن الحماية الفرنسية والمتعاونين وقواد الجيش الذين تربوا في حضن العكسر الاستعماري .. إلخ، والتي سعت إلى إبعاد الملكية عن حاضنتها الشعبية ممثلة في الحركة الوطنية، والتي كانت وراء عودة الملك محمد الخامس إلى العرش بعد نفيه. وقد ذكر عبد الرحيم بوعبيد بعضاً من تفاصيل ذلك، في مذكراته التي تشرف العبد الضعيف لربه بترجمة فحواها وتعميمها، بعد وفاته رحمه الله. وجاء فيها على تفاصيل الحديث بينه وبين الحسن الثاني، ولي العهد وقتها الذي عبر عن نيةٍ واضحة في الحكم، وطلب من بوعبيد البقاء في حكومته لكنه رفض، وتلا ذلك فصل من المواجهة القاسية بين اليسار والقصر، أدخلت البلاد في دهاليز الدم والتزوير الانتخابي والحكم الفردي واحتكار الثروة.. إلخ.
ومن أهم الفترات المفصلية في التأريخ لهذه المرحلة ما قاله المهدي بنبركة، في تقريره "الاختيار الثوري"، عندما تحدّث، قبل اغتياله بثلاث سنوات، عن الأخطاء الثلاثة التي ارتكبتها الحركة التقدمية الوطنية في المغرب، يتعلق أحدها بالإطار المغلق الذي مرّت فيه بعض معاركنا، بمعزل عن مشاركة الجماهير الشعبية.
وعلى الرغم من تجاوز بعض من مخلفات الصراع الطويل والشاق الذي طبع مغرب الحسن الثاني، في التسعينيات، بدخول المغرب في تجربةٍ للتناوب السياسي، تم التوافق على تسميتها ـالتناوب التوافقي، فسرعان ما عاد شبح الحيطة والشك إلى مربع القرار المغربي، بعد أن نال حزب عبد الرحمن اليوسفي (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) الرتبة الأولى في اقتراع العام 2002، ولم يتم تعيين الوزير الأول من الحزب الفائز. وقتها، راج في الحقل السياسي والإعلامي مفهوم الخروج عن المنهجية الديمقراطية، بتعيين وزير أول تكنوقراطي على رأس الحكومة. وكان أن توجه اليوسفي، بدعوة من المؤسسة الملكية، إلى بلجيكا، وألقى محاضرة عرفت من بعد بمحاضرة بروكسيل، تحدث فيها عن إفشال الانتقال الديموقراطي في المغرب وعودة القوة الثالثة. والجامع بين الفترتين والموقفين أنهما تمّا بعد أن خرج اليسار من الحكم، وغادر دفة الدولة، وبعد أن كانت الفأس قد وقعت في الرأس.
وفي أثناء المراحل التي عرفت الصراعات السياسية، كان الحديث يتم عن وجود حكومة الظل في مواجهة الحكومة الفعلية، حكومة الانتخابات التي تظل قراراتها وتأثيرها محدودين، غير أن الأمر اتخذ اليوم طابعاً جديداً وغاية في التوتر، في حديث رئيس الحكومة، وهو ما زال في قيادة الدولة حسب الدستور والوظيفة، عن دولة الظل التي تعيش بالقوة نفسها، وبالقدرة المؤسساتية نفسها التي تملكها دولة محمد السادس الحقيقية، بلغة عبد الإله بنكيران.
لم يتحدّث بنكيران عن الدولة العميقة، كما تَبيَّأتْ في الحقل التداولي والسياسي والإعلامي المغربي قادمة من المشرق، والتي يحيل وجودها على دولةٍ أخرى ظاهرية، بل شاء لها أن تكون دولةً قادرةً على أن تأتي قراراتها وتعييناتها من المجهول، أي لا تستمد شرعيتها في القرار، وفي التعيينات، من شرعية محمد السادس، الملك وأمير المؤمنين ورئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية .. إلخ.
إنها دولة موازية، كما يقول الناطق الرسمي سابقاً، حسن أوريد، في كتاباته عن هذا المفهوم. واللافت أن الأطروحة جاءت من رئيس الحكومة، ومن الحزب الأول في البلاد، والذي ينتظر تكريس انتصاراته في الانتخابات المقبلة، وينزعج من أي ارتباكٍ في المسار بطريقة غير مشروعةَ. أي الانقلاب على المسار الديمقراطي بطريقةٍ غير مشروعة، تمنح النصر لغيره، أي ممثل الدولة غير الرسمية، تلك الدولة التي لا يرأسها محمد السادس.
تدفع النزاهة الأدبية إلى الإقرار بشجاعة خروج رئيس الحكومة في بلاد المغرب من القاموس الفضفاض الذي راكمته السياسة في الحديث عن شؤون الدولة، ومغامرته بأطروحةٍ كاملة عن الدولة الظل التي تعد للخروج عن المسار الديمقراطي، في الساعات الأخيرة للإعداد للاقتراع التشريعي. وهو ما يضع النقاش العمومي حول مصير السياسة وخريطتها تحت راية القلق والتوتر، بل يجعل الفرقاء كلهم يحدّدون مواقفهم من الزاوية التي اختارها رئيس الحكومة وقائد الإسلام السياسي في الدولة.
وضع الرئيس تأطيراً مفهومياً للصراع، عندما ورّط الجميع في ضرورة تحديد الموقف من التحكّم، باعتباره معضلة السياسة اليوم، وقد نزل بهذا المفهوم إلى الشارع العام، حيث يغتنم كل نهاية أسبوع، ليتحدث بوصفه أمين عام للحزب الذي يقود الأغلبية الحكومية التي يتحدّث باسمها طوال أيام الأسبوع، ويوضح التفاصيل التي يقصدها بالمفهوم الذي وضعه عتبةً سياسيةً قبل العتبة الانتخابية في البلاد.
من معي، ومن مع التحكّم؟ هذا هو الرهان الشكسبيري الذي وضعه بنكيران، بشأن الانتخابات المقبلة، أن نكون أو لا نكون، هو ذا السؤال.
يعطي بنكيران بنية مادية للتحكّم، عندما يتحدّث عن واحدٍ من جوانبه، والمتمثل في الوساطة بين الملك من جهة والشعب وممثليه من جهة أخرى، وقد صرح علانية بالقول: تعبنا من الوسطاء، وهو يعني المربع الذي يحيط بمركز الدولة. وله في ذلك حكمة نافذة، أي السعي في ذلك إلى تغيير الوضع بإلغاء الوساطة، وتعويضها بممثلين نابعين من صناديق الاقتراع.
يتم كل هذا النقاش، ولم تنجح الفصائل السياسية الأخرى في نقل الصراع وتقدير المواقف على قاعدة الأداء الحكومي، المفروض أن يكون موضع الحساب والجردة المرتبطة به، اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ومؤسساتية ومالياً .. إلخ.
والواضح أن النجاح، بالنسبة لمن يقود الحكومة، حصل لمّا نجح في نقل الأضواء الكاشفة من الأزمة الاجتماعية الواقعية إلى افتراض الأزمة السياسية التي يتحملها الناس، حتى ولو كان ذلك بالعزوف عن المشاركة السياسية. .. وتلك قصة أخرى.