09 نوفمبر 2024
المغرب والجزائر.. خلافات لا تُفسد التعاون
الخلافات الجزائرية المغربية لا تنتهي، وتعتبر من أقدم الخلافات بين دول المغرب العربي، وأكثرها ثباتاً، وهي من النوع الذي لا يجذب وساطاتٍ للتقريب بين الجانبين. وقد نشأت أجيال في البلدين على مدى ثلاثة عقود في ظل وجود هذه الخلافات التي باتت تُحتسب وكأنها من منطق الأمور وطبيعة الأشياء. وتعود هذه الخلافات في جذورها ما بعد استقلال البلدين إلى مفاعيل الحرب الباردة وانقسام العالم بين معسكرين: شرقي وغربي، من دون أن تنجو دول عدم الانحياز من أن تصنف على هذا المعسكر أو ذاك، وحيث كانت الجزائر الجمهورية تندرج في مجموعة الدول الصديقة للمعسكر الاشتراكي، بينما تصنف المغرب الملكية أقرب إلى المعسكر الرأسمالي الغربي. ثم جاءت أزمة الصحراء بعد الانسحاب الإسباني منها لتؤجج الخلافات بين البلدين منذ أواخر سبعينات القرن الماضي، وما زالت هذه المسألة تسمم علاقات البلدين، حيث تعتبر المغرب الصحراء جزءاً من ترابها الوطني، بينما تعتبرها الجزائر مُلكاً للصحراويين تنطبق عليها معايير تصفية الاستعمار والاستقلال. ولا يلوح في الأفق ما ينبّىء عن نهايةٍ لهذه الخلافات التي يتخللها، مع ذلك، تبادل التهاني بين قيادتي البلدين في العيد الوطني للبلد الآخر، مع تنافس زادت وتيرته منذ العام الماضي 2017 على اكتساب دول القارة الأفريقية، بعد عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي. وتحدثت صحيفة المساء المغربية، أخيراً، عن تحول العداء للمغرب إلى "عقيدةٍ" للمؤسسة العسكرية في الجزائر.
ثارت، في الأسابيع الأخيرة، أزمة بين البلدين بشأن تصريحاتٍ لوزير الخارجية الجزائرية، عبد القادر مساهل، تحدث فيها عن نقل الخطوط المغربية مخدراتٍ على متنها، واستثمار المغرب
في أفريقيا بأموال يجري تبييضها في القارة السمراء، وهو ما أدى إلى مغادرة السفير المغربي الأراضي الجزائرية، إلا أن الأزمة لم تلبث أن هدأت مع ظهور وزيري خارجية البلدين، مساهل ونظيره المغربي ناصر بوريطة، في لقاء ودي في اجتماع دول خمسة زائد خمسة المتوسطية في الجزائر. وقبل أيام، أفادت أنباء صحافية مغربية بأن الخطوط الملكية المغربية سحبت دعوى قضائية، كانت قد رفعتها على الحكومة الجزائرية، احتجاجاً على تصريحات الوزير مساهل، بما يؤذن بطي صفحة هذه الأزمة الفرعية التي تشي، على الرغم من سلبيتها، بأن حركة الطيران المدني والتجاري بين البلدين لم تتوقف، ولا تتوقف. وواقع الحال أن التنقل بين البلدين الجارين قائم على قدم وساق وبوتيرة طبيعية، بينما الحدود البرية مقفلة بين الجانبين منذ نحو ربع قرن، وباتفاق بينهما لدرء خطر تنقل عناصر إرهابية عبر الحدود الطويلة بين البلدين (1599 كيلومتراً). لكن ذلك لا يمنع، على الرغم من الرقابة المشددة من قيام حركة تهريب نشطة للبضائع بين البلدين، بما يسهم في حل مشكلة البطالة وتخفيض أسعار السلع، وإن كان يحرم الخزينة العامة من موارد مستحقة!.
ولا يقتصر التبادل البيني على حركة الطيران المدني والتمثيل الدبلوماسي، فالتعاون الاقتصادي بين البلدين الشقيقين يشمل خط أنبوب غاز جزائري إلى إسبانيا مروراً بالمغرب، حيث يبدأ الأنبوب من الصحراء الشرقية في الجزائر، مروراً بشمال المغرب وجبل طارق، ويعبر البحر في مضيق جبل طارق وصولاً إلى إسبانيا، وينال المغرب رسوماً ضريبية تقدر بمليار ونصف مليار دولار سنوياً، تضاهي ما نسبته 10% من عائدات الأنبوب الذي يمتد بطول 2136 كليومتراً، وبدأ العمل منذ نحو عشرين عاماً، وفي ذروة الخلافات السياسية بين البلدين. ويبلغ حجم التبادل بين الطرفين ما معدله عشرة مليارات دولار في العام، وحيث تصنّف الجزائر بأنها الشريك التجاري الأول للمغرب. وقد تضاعفت الصادرات المغربية إلى الجزائر 25 مرة بين عامي 1999 و2012، جنباً الى جنب مع تصاعد الخلافات السياسية. ويتطير اقتصاديون في المغرب من توجّه السلطات الجزائرية للحد من حركة استيراد نحو تسعمئة سلعة من الخارج، نظراً للأزمة المالية التي تشهدها الجزائر، والقرار بوقف الاستيراد يشمل مختلف دول العالم، ولا يقتصر على بلد أو بلدان معينة. ولا شك أن بقاء الحدود البرية مغلقةً مع بقاء مشكلة الإرهاب قائمةً يقلل من فرص التبادل التجاري، على أنه يبقى، بعدئذ، أن الخلافات السياسية لم تنعكس على حركة الطيران، أو على التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي، فيما يسهم ذلك كله في تبريد الأزمة السياسية بين البلدين، ويمنع تصعيدها، مع بقائها على حالها من الجمود والاستعصاء "التاريخي".
والمغزى من ذلك كله أن الخلافات السياسية الشديدة لم تنعكس على المصالح الاقتصادية
المتبادلة، ولم تضعف العلاقات بين الشعبين، أو تنال منها، علاوة على استمرار التمثيل الدبلوماسي بين البلدين بدون انقطاع. وإذا كان هذا الحال يمثل سابقةً بالغة الإيجابية على المستوى العربي، فإنه ليس نادر الحدوث في عالمنا، فبين تركيا واليونان إرثٌ ثقيلٌ من الخلافات السياسية والثقافية ذات العمق التاريخي، لكن كل ما هو خارج الحقل الدبلوماسي والسياسي بين البلدين، فإنه يشهد تبادلاً طبيعياً وتعاوناً مثمراً بين بلاد الأناضول وبلاد الإغريق، وهناك مشاريع مطروحة لمد خطوط بحرية وخط لسكة الحديد بين البلدين. وتتجه العلاقات التجارية والاقتصادية إلى بعض التحسّن بين الهند وباكستان، الجارتين اللدودتين، بما في ذلك فرص الاستثمار لكل من البلدين في البلد الآخر، والتبادل التجاري المباشر، لا عن طريق دولة ثالثة. وهو حال أغلبية دول العالم، حين تباعد بينها خلافات وصراعات سياسية، من دون أن ينعكس ذلك على الروابط التجارية والاقتصادية والسياحية والثقافية التي لا تتأثر كثيراً بهذا التباعد. وليس أدل على ذلك من أن الصراع بين المعسكرين الكبيرين في القرن الماضي لم يمنع من التواصل التجاري والدبلوماسي بين موسكو وواشنطن، فيما التنافس الشديد بين أميركا والصين لا يحول دون التدفقات التجارية الكبيرة والمنظمة، وكذلك التواصل الدبلوماسي بين البلدين.. علماً أن نموذج الصراع العربي الإسرائيلي يظل خارج هذا التصنيف، نظراً لطابعه الوجودي الخاص. ويبقى نموذج المغرب والجزائر يمثل حالة عقلانية متقدمة، في عزل الخلافات السياسية عما عداها من أوجه العلاقات، ومن احترام الأواصر بين الشعبين.
ثارت، في الأسابيع الأخيرة، أزمة بين البلدين بشأن تصريحاتٍ لوزير الخارجية الجزائرية، عبد القادر مساهل، تحدث فيها عن نقل الخطوط المغربية مخدراتٍ على متنها، واستثمار المغرب
ولا يقتصر التبادل البيني على حركة الطيران المدني والتمثيل الدبلوماسي، فالتعاون الاقتصادي بين البلدين الشقيقين يشمل خط أنبوب غاز جزائري إلى إسبانيا مروراً بالمغرب، حيث يبدأ الأنبوب من الصحراء الشرقية في الجزائر، مروراً بشمال المغرب وجبل طارق، ويعبر البحر في مضيق جبل طارق وصولاً إلى إسبانيا، وينال المغرب رسوماً ضريبية تقدر بمليار ونصف مليار دولار سنوياً، تضاهي ما نسبته 10% من عائدات الأنبوب الذي يمتد بطول 2136 كليومتراً، وبدأ العمل منذ نحو عشرين عاماً، وفي ذروة الخلافات السياسية بين البلدين. ويبلغ حجم التبادل بين الطرفين ما معدله عشرة مليارات دولار في العام، وحيث تصنّف الجزائر بأنها الشريك التجاري الأول للمغرب. وقد تضاعفت الصادرات المغربية إلى الجزائر 25 مرة بين عامي 1999 و2012، جنباً الى جنب مع تصاعد الخلافات السياسية. ويتطير اقتصاديون في المغرب من توجّه السلطات الجزائرية للحد من حركة استيراد نحو تسعمئة سلعة من الخارج، نظراً للأزمة المالية التي تشهدها الجزائر، والقرار بوقف الاستيراد يشمل مختلف دول العالم، ولا يقتصر على بلد أو بلدان معينة. ولا شك أن بقاء الحدود البرية مغلقةً مع بقاء مشكلة الإرهاب قائمةً يقلل من فرص التبادل التجاري، على أنه يبقى، بعدئذ، أن الخلافات السياسية لم تنعكس على حركة الطيران، أو على التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي، فيما يسهم ذلك كله في تبريد الأزمة السياسية بين البلدين، ويمنع تصعيدها، مع بقائها على حالها من الجمود والاستعصاء "التاريخي".
والمغزى من ذلك كله أن الخلافات السياسية الشديدة لم تنعكس على المصالح الاقتصادية