تتجه الحكومة المغربية لتنفيذ مشروعات مائية بقيمة 40 مليار دولار، لمواجهة شح المياه، في البلد الذي يعتمد النمو الاقتصادي فيه بشكل كبير على القطاع الزراعي، ما يضطره إلى الارتهان لتساقط الأمطار، التي تحدد بين العام والآخر مصير العديد من الأنشطة.
ويواجه المغرب خصاصاً كبيراً في المياه، في سياق متسم بارتفاع الطلب الذي يتجاوز العرض، وهو ما دفع العاهل المغربي محمد السادس، في يونيو/ حزيران من العام الماضي، إلى دعوة الحكومة إلى اتخاذ تدابير عاجلة من أجل حفر الآبار وبناء السدود ومحطات تحلية المياه وإرسال خزانات مياه إلى المناطق المتضررة من ندرة المياه.
وصنف تقرير صادر في أغسطس/ آب الماضي، عن معهد الموارد العالمية، المغرب ضمن البلدان التي تشهد "إجهاداً مائياً مرتفعاً"، حيث جاء في المركز 22 ضمن 164 بلدا، ما يعني أن الطلب على المياه يتجاوز الكميات المتوفرة.
كما أفاد تقرير صادر في وقت سابق من العام الجاري عن البنك الدولي، بأن المغرب من بين 31 بلداً تعاني من الشح المائي، بنسبة تراوح بين 25 في المائة و70 في المائة، علما أن السقف العالمي لنقص المياه لا يتعدى 11 في المائة.
وترأس رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، يوم الأربعاء الماضي، اجتماعاً للجنة الوزارية للماء، من أجل بحث محاور مخطط مائي يغطي الفترة بين 2020 و2050، مشيرا إلى أن هذا المخطط الذي يتكلف نحو 40 مليار دولار، بمثابة خارطة طريق لمواجهة التحديات المستقبلية خلا الثلاثين عاماً المقبلة.
وفي تصريحات صحافية، أكد وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، عبد القادر اعمارة، أن المخطط يتضمن بناء سدود وتحلية مياه البحر ومحاربة التلوث.
ويعتبر الخبير الزراعي، ياسين أيت عدي، أن المغرب بحكم موقعه الجغرافي معرض لتأثيرات التغيرات المناخية، التي من تجلياتها الأمطار التي أفضت إلى فيضانات في جنوب المملكة في الصيف الماضي، بينما هناك مناطق تعاني من الجفاف بسبب مشاكل تتعلق بالبنية التحتية في المناطق القريبة من السدود.
ويقول عدي إن المغرب لا يعاني من ندرة عامة في المياه، لكن هناك بعض المناطق لديها مشاكل تقتضي تدخلات عاجلة، خاصة في فصل الصيف، مشيرا إلى أن حوالي نصف الموارد المائية يضيع في الطبيعة خلال مرحلة النقل أو التوزيع.
ويشير إلى أنه يفترض التوجه نحو تدبير عقلاني للندرة في بعض المناطق، حيث يتصور أنه من غير المعقول الحرص على بناء محطات سياحية أو ملاعب للغولف أو زراعة فواكه أكثر استهلاكا للمياه في مناطق تعاني من ضعف إيراداتها المالية.
ويراد من السياسة المالية التي يسترشد بها المغرب تحقيق نوع من التوازن بين تأمين حاجيات الشرب والزراعة التي تستهلك 85 في المائة من المياه، علما أن التقديرات تشير إلى أن حصة الفرد الواحد من المياه قد تنخفض إلى 700 متر مكعب في 2025، بعدما وصلت إلى 1500 متر مكعب في 2000 و2500 متر مكعب في 1980.
وينتظر أن يتزايد الطلب في الأعوام المقبلة على المياه، في سياق التوجه نحو توسيع مساحة الأراضي المرتهنة للسقي في ظل السياسة الفلاحية التي تنهجها المملكة منذ أكثر من عقد من الزمن.
وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قد حذر في تقرير له في سبتمبر/ أيلول الماضي، من خطر نفاد مخزون البلاد من المياه، خصوصا المياه الجوفية.
وقال المجلس، وهو مؤسسة دستورية، إن "الأمن المائي أصبح اليوم أولوية بالنسبة للمغرب وللسنوات المقبلة، ومن الضروري وأمام عدم الاستقرار الاجتماعي والتفاوتات المجالية، تقديم أجوبة سياسية عاجلة تنبع من سياسة تحمي وتثمن الموارد وكذا تكون مبتكرة ومستلهمة".
وفي مارس/ آذار من العام الماضي، دعت منظمة الرابطة الوطنية للمواطنة وحقوق الإنسان (مستقلة)، إلى تأميم جميع مصادر المياه بالمغرب، بما فيها المعدنية، وإسناد تدبيرها لمؤسسة وطنية تراعي الحق في الماء للجميع وبجودة عالية وثمن مناسب، معبرة في الوقت نفسه عن رفضها تسليع الماء وغلائه، وذلك بعد زيادات أقرتها الحكومة السابقة في أسعار المياه والكهرباء، بهدف تحصيل 4.5 مليارات دولار لفائدة المكتب الوطني للماء والكهرباء الحكومي، الذي كان يواجه صعوبات مالية.