اعتمدت المفوضية الأوروبية اليوم الأربعاء، النسخة الجديدة من سياسة الهجرة الأوروبية، وأقرت سياسة مشتركة ظلت لفترة حبرا على ورق، كما اقترحت إعادة المراقبة على الحدود داخل منطقة شينغن لمواجهة ما سمّته "التهديدات الإرهابية".
وفي 13 سبتمبر/أيلول الحالي، قال رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، في خطابه السنوي عن حالة الاتحاد، إنه "رغم أن المسائل المتعلقة بملف الهجرة كثيرا ما نوقشت وأثارت الجدل، فقد تمكنا من تحقيق تقدم حقيقي على العديد من المستويات. ولكن علينا أن نضاعف جهودنا، وفي نهاية الشهر، ستقدم المفوضية مجموعة جديدة من المقترحات تركز على العودة والتضامن وفتح طرق الهجرة القانونية".
وكشفت المفوضية اليوم، عن خطوات تنفيذ الإجراءات المتبقية من سياسة الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي لتصبح "أكثر متانة وعدلا وكفاءة"، واقترحت المفوضية مجموعة من المبادرات الجديدة في مجالات رئيسية، بينها برنامج جديد لإعادة توطين ما لا يقل عن 50 ألف لاجئ، ومشاريع رائدة للهجرة القانونية تساعد المفوضية في تمويلها وتنسيقها، واتخاذ مزيد من التدابير لتعزيز فعالية سياسة العودة إلى الدول الأصلية.
وأعلن المفوض الأوروبي لشؤون الهجرة، ديمتريس أفراموبولوس، بعد اجتماع المفوضية اليوم، مجموعة من التدابير التي من شأنها تمكين الانتقال إلى المرحلة الثانية من سياسة الهجرة الأوروبية.
وكان الجانب الأكثر إثارة للجدل من بين التدابير التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي في ذروة أزمة الهجرة عام 2015، هو الطابع الملزم لخطط إعادة توطين اللاجئين بين الدول الأعضاء في الاتحاد، والذي انتهت صلاحيته أمس الثلاثاء.
ورفضت عدة دول، خاصة من أوروبا الوسطى، تنفيذ الخطة، وحاولت المجر وسلوفاكيا، إلغاء الخطة عن طريق محكمة العدل الأوروبية، لكن المحكمة رفضت فى وقت سابق من هذا الشهر.
وانتهى المخطط الذي كان يسعى إلى إعادة توطين نحو 160 ألفا من طالبي اللجوء الذين وصلوا إلى إيطاليا واليونان، إلى توطين 29 ألف شخص فقط، بينما لا يزال هناك نحو 8 آلاف مرشح للتوزيع على بلدان الاتحاد الأوروبي، في حين أسفرت خطط إعادة توطين اللاجئين، بشكل اختياري، عن نتائج مماثلة تقريبا. إذ تم إعادة توطين 23 ألف طالب لجوء.
واقترحت المفوضية الأوروبية اليوم، خطة إعادة توطين جديدة لما لا يقل عن 50 ألف شخص تختارهم وكالات الأمم المتحدة لتفادي قيامهم بعمليات عبور خطرة، وينتظر أن تساعد عمليات إعادة التوطين هذه في تفادي مآسي الغرق في البحر وعمليات الاتجار بالبشر.
وقال الخبير في الشؤون الأوروبية، ماركور أنطوني، لـ"العربي الجديد"، إنه "في مواجهة الاتهامات بالتواطؤ في ما يتعلق بالمآسي التي يتعرض لها المهاجرون والنازحون في المخيمات والسجون الليبية، اقترحت المفوضية إنشاء آلية إجلاء طارئة من ليبيا، بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين".
وأضاف "تقترح المفوضية أيضا تمويل مشاريع تجريبية لتمويل عمليات إعادة توطين اللاجئين تنظمها المنظمات غير الحكومية أو جهات فاعلة خاصة. وتحث السلطة التنفيذية الأوروبية الدول الأعضاء على اعتماد مشروع البطاقة الزرقاء الأوروبية الجديد في أقرب وقت ممكن، وهي تأشيرة أوروبية لم يتم تفعيلها بشكل جيد حتى الآن، وتهدف إلى تعزيز الهجرة القانونية للعمال في المجالات التي تعاني نقصا في أوروبا".
نظام دبلن
وذكرت المفوضية مرة أخرى أن على حكومات الدول الأعضاء التوصل إلى اتفاق بشأن إعادة النظر في العنصر المركزي للسياسة الأوروبية للهجرة وهو "نظام دبلن"، والذي ينص على أنه يجب على بلد الدخول الأول النظر في طلبات اللجوء، ولا تزال الدول الأوروبية منقسمة بشكل عميق حول مفاهيم التضامن في مسألة استقبال طالبي اللجوء، والتي اقترحت المفوضية حلها بواسطة آلية دائمة وإلزامية لعمليات إعادة التوطين.
وفي هذا السياق، يقول ماركور أنطوني، "بعد النجاح في تعزيز أمن الحدود ووقف تدفق المهاجرين غير النظاميين عبر إجراءات مثيرة للجدل مثل الاتفاق مع تركيا أو الترتيبات السرية للسلطات الإيطالية مع المليشيات الليبية، يسعى الاتحاد الأوروبي حاليا إلى زيادة معدل العائدين من المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم الأصلية، بشكل طوعي أو قسري، وترغب المفوضية في ترحيل مليون ونصف المليون مهاجر".
ويوضح أن "العقبات التي تواجه هذه العملية عديدة، وتتقاسم المسؤولية جميع الجهات الفاعلة. فبلدان المنشأ مترددة في استعادة رعاياها الذين غادروا للبحث عن مستقبل أفضل، وكثيرا ما تكون الدول الأوربية أيضا متباينة في تطبيق هذه السياسة من خلال إجراءات إدارية ثقيلة ومعالجة بطيئة لطلبات اللجوء، وتنتقد هذه الدول المفوضية بسبب بطء عمليات التفاوض على اتفاقات العودة مع بلدان المنشأ".
وتقترح المفوضية تعزيز إدارة عمليات العودة من قبل وكالة خفر السواحل وحرس الحدود التي منحت صلاحيات أوسع لتنسيق عمليات العودة بالتعاون مع الدول الأعضاء. "غير أن هذه الصلاحيات الموسعة لم تؤد في الواقع سوى إلى نتائج قليلة حتى الآن بسبب وجود عدد قليل جدا من المهاجرين الذي تسري عليهم قوانين العودة سواء بشكل طوعي أو قسري"، حسب ماركور أنطوني. لذا نشرت المفوضية اليوم، "دليل جديد للعودة" موجه إلى الحكومات.
مراقبة داخل شينغن
وبين المقترحات المثيرة للجدل التي تقدمت بها المفوضية اليوم، إعادة النظر في اتفاقية شينغن من أجل تكييف القواعد لإعادة المراقبة على الحدود الداخلية بشكل مؤقت لمواجهة التهديدات الخطيرة والمتطورة للأمن الداخلي للدول الأعضاء، حسب ما جاء في المقترح.
وشددت على أنه "سيتم اتخاذ كل الضمانات الإجرائية لتظل المراقبة على الحدود الداخلية استثناء ولا يستخدم إلا إذا لزم الأمر". وقال نائب رئيس المفوضية، فرانس تيمرمانز، "وضعت قواعد شينغن لتطبيق المراقبة على الحدود الداخلية في وقت مختلف ومع تحديات مختلفة، وقد أدت الظروف الاستثنائية التي نعيشها اليوم، مثل التهديد الإرهابي المتزايد، إلى اقتراح قانون حدود أكثر ملاءمة للظروف، لذا ينبغي السماح للدول الأعضاء بالتصرف في حالات استثنائية عندما تواجه تهديدات خطيرة لسياساتها العامة أو أمنها الداخلي لاتخاذ الاجرءات التي تراها ضرورية".
وبحسب أنطوني، فإن "شينغن هو أحد الإنجازات الرئيسية للتكامل الأوروبي، وبسبب التحديات الأمنية الجديدة يسعى الاتحاد الأوروبي إلى التوفيق بين حرية الحركة والتنقل من جهة، والأمن من جهة أخرى. غير أن الأمر يتطلب الحذر ومراقبة مستمرة من قبل الجهاز التنفيذي الأوروبي".