عدا عن كلّ المخاطر والمشاكل التي تواجه المهاجرين في طريقهم البحرية باتجاه أوروبا، تبرز مشكلة أخرى تتمثل في كيفية دفن الغرقى من بينهم، وخصوصاً في جزيرة لسبوس اليونانية.
نجا سردار مع طفلين في رحلة مات فيها العشرات من المهاجرين غرقاً. كان المهرّبون قد خفضوا أجرة النقل إلى أقل من النصف، وحمّلوا في المراكب المطاطية أضعاف ما تتسع له من الركاب في بحر إيجه.
يقول سردار لـ"العربي الجديد" إنّ المهرّبين هناك لا يريدون سوى الدولارات وباتوا "يدللون على رحلات النقل مثلما يدلل بائع الخضار في آخر ما تبقى لديه على عربته".
أما لسبوس تلك الجزيرة اليونانية التي يصل إليها المحظوظون من المهاجرين أحياء، فقد باتت "مقبرة" بحسب المتطوعة الدنماركية ماريانا. فقد انتزعت هذه الصفة من جزيرة صقلية الإيطالية وباتت تحتل الصدارة في وفيات الهاربين من بلادهم.
يعترف أبو علي قيس من "تحالف الهلال الأحمر الأوروبي" أنّ "الوضع أكثر من مأسوي". ويتوقع متطوعون عرب آخرون عدم توقف موجات المهاجرين مع استمرار الحالة السورية، وازدياد القصف السوري والروسي على مناطق آهلة بالسكان.
بدورها، تقدّر منظمة الهجرة العالمية عدد الذين فقدوا حياتهم عند شواطئ اليونان بأكثر من 500 شخص، وخصوصاً شواطئ لسبوس التي كانت مقصداً سياحياً لسكان دول شمال أوروبا.
المنظمة نفسها تقدّر عدد من فقدوا حياتهم في محاولة عبور البحر الأبيض المتوسط منذ بداية العام الجاري بـ3406 أشخاص. وبالمقارنة مع تزايد أعداد هؤلاء الذين يغرقون في رحلتهم إلى اليونان يتضح أنّ الجزر اليونانية باتت تشكل هاجساً حقيقياً للسلطات.
فمن بين ما يقدّر بنحو 750 ألف عابر بحراً من المهاجرين عبر المتوسط نحو أوروبا، فإنّ شواطئ اليونان استقبلت 612 ألفاً من هؤلاء وفق أرقام رسمية دولية.
ومع تزايد أعداد الغرقى فإنّ مشكلة أخرى باتت تبرز في لسبوس وكوس وساموس وأغاثونيسي وجزر يونانية أخرى، تتمثل في افتقاد مقابر أو أراضٍ لدفن هؤلاء الضحايا.
كثير من هؤلاء الفارين نحو أوروبا لا يردعهم حتى الموت غرقاً. فبحسب ما تقول ماريانا: "هؤلاء البشر تجدهم وقد أصيبوا بحالة من اليأس والإحباط فلم يعد أمامهم غير هذه الطريقة. ونشاهد بعضهم وقد وصلوا للتو من سورية بعد اشتداد القصف الروسي على مناطقهم، وخصوصاً في إدلب وحلب".
بدأت السلطات المحلية في لسبوس الآن بوضع الجثث في شاحنات هي عبارة عن برادات ضخمة للموتى، ريثما تجد مقبرة لدفنهم. والثلاثاء الماضي، أعلنت تلك السلطات عن "3 أيام من الحداد" على الضحايا الذين فقدوا حياتهم غرقاً. وتأمل المنظمات التي يعمل فيها متطوعون من كل الجنسيات أن يجري تدخل جدي "لنقل كريم وإنساني لهؤلاء الباحثين عن حماية، وخصوصاً من السوريين بدلاً من تركهم لجشع المهربين".
وفي هذا الإطار، يقول أحد وسطاء المهربين لـ"العربي الجديد" عن عملهم الذي بات يوصف بـ"القتل مقابل المال"، إنّ القصة "ليست أخلاقية أو مجرد خدمة إنسانية، وكاذب من يقول لك إنّه يساعد لمجرد المساعدة. المهربون يستغلون الثغرات والتخبط الأوروبي ويجنون أرباحاً طائلة من هذه العمليات".
الحديث ليس عن حفنة دولارات يربحها هؤلاء المهربون من تركيا إلى اليونان، بل ملايين الدولارات من أرقام أكثر من 210 آلاف شخص جرى تهريبهم في شهر واحد (أكتوبر/ تشرين الأول الماضي) إلى الجزر اليونانية. وباعتراف أحد هؤلاء "الوسطاء"، فإنّ أرباح المركب الواحد تراوح بين 20 و25 ألف دولار. وفي نهاية الأسبوع الماضي من الجمعة إلى الأحد وصل أكثر من 28 ألف مهاجر إلى الجزر اليونانية. وفي الفترة من 20 إلى 27 أكتوبر/تشرين الأول عبرَ كرواتيا ما بين 45 و52 ألف مهاجر.
بالإضافة إلى تلك الرحلات نحو الجزر اليونانية، فإن تجارة تهريب أخرى ازدهرت أخيراً بعد التشدد الذي طرأ على الحدود المجرية. وهي تجارة تمرّ أيضاً عبر البحر من اليونان إلى إيطاليا تجنباً لمتاعب البرّ البلقاني. وتقدّر أرقام هؤلاء العابرين من اليونان إلى إيطاليا عبر مراكب التهريب بنحو 140 ألف شخص بحسب منظمة الهجرة العالمية. وما يقلق المنظمات الدولية هو أن شهراً واحداً (أكتوبر/ تشرين الأول الماضي) سجل وحده 218 ألف مهاجر عبر البحر المتوسط، وهو رقم يقترب من كلّ عابري العام الماضي كاملاً.
وإزاء كل التوقعات بارتفاع عدد المهاجرين إلى ملايين مع استمرارهم بالتدفق، فإنّ دول الاتحاد الأوروبي التي انشغلت قبل فترة وجيزة بكيفية توزيع 160 ألف مهاجر في ما بينها، تجد نفسها اليوم أمام مأزق أكبر بكثير. ويتجه قادة الاتحاد الأوروبي هذه الأيام لمناقشة أخرى: "كيف نجد أماكن لكلّ هذه الأعداد"؟ بعضهم بات يطرح "حلاً عالمياً". بينما المنتقدون يتساءلون: "ولماذا لا يجدون حلاً عالمياً ينهي أسباب هجرة السوريين وتفريغ بلادهم منهم منذ سنوات"؟ وهو ما يتفق مع طرح بعض السياسيين السوريين المعارضين الذين تحدثت "العربي الجديد" إليهم، ومن بينهم وليد البني.
وفي المسعى الأوروبي يبرز طلب رئيس الاتحاد الأوروبي جان كلود يونكر من مجموعة العشرين في اجتماعها هذا الشهر بتحمل مسؤوليتها في دعم المهاجرين اقتصادياً، والاعتراف بضغط هذه الأزمة على الاقتصاد العالمي.
إقرأ أيضاً: مهرّب البشر من طرطوس إلى شتوتغارت
نجا سردار مع طفلين في رحلة مات فيها العشرات من المهاجرين غرقاً. كان المهرّبون قد خفضوا أجرة النقل إلى أقل من النصف، وحمّلوا في المراكب المطاطية أضعاف ما تتسع له من الركاب في بحر إيجه.
يقول سردار لـ"العربي الجديد" إنّ المهرّبين هناك لا يريدون سوى الدولارات وباتوا "يدللون على رحلات النقل مثلما يدلل بائع الخضار في آخر ما تبقى لديه على عربته".
أما لسبوس تلك الجزيرة اليونانية التي يصل إليها المحظوظون من المهاجرين أحياء، فقد باتت "مقبرة" بحسب المتطوعة الدنماركية ماريانا. فقد انتزعت هذه الصفة من جزيرة صقلية الإيطالية وباتت تحتل الصدارة في وفيات الهاربين من بلادهم.
يعترف أبو علي قيس من "تحالف الهلال الأحمر الأوروبي" أنّ "الوضع أكثر من مأسوي". ويتوقع متطوعون عرب آخرون عدم توقف موجات المهاجرين مع استمرار الحالة السورية، وازدياد القصف السوري والروسي على مناطق آهلة بالسكان.
بدورها، تقدّر منظمة الهجرة العالمية عدد الذين فقدوا حياتهم عند شواطئ اليونان بأكثر من 500 شخص، وخصوصاً شواطئ لسبوس التي كانت مقصداً سياحياً لسكان دول شمال أوروبا.
المنظمة نفسها تقدّر عدد من فقدوا حياتهم في محاولة عبور البحر الأبيض المتوسط منذ بداية العام الجاري بـ3406 أشخاص. وبالمقارنة مع تزايد أعداد هؤلاء الذين يغرقون في رحلتهم إلى اليونان يتضح أنّ الجزر اليونانية باتت تشكل هاجساً حقيقياً للسلطات.
فمن بين ما يقدّر بنحو 750 ألف عابر بحراً من المهاجرين عبر المتوسط نحو أوروبا، فإنّ شواطئ اليونان استقبلت 612 ألفاً من هؤلاء وفق أرقام رسمية دولية.
ومع تزايد أعداد الغرقى فإنّ مشكلة أخرى باتت تبرز في لسبوس وكوس وساموس وأغاثونيسي وجزر يونانية أخرى، تتمثل في افتقاد مقابر أو أراضٍ لدفن هؤلاء الضحايا.
كثير من هؤلاء الفارين نحو أوروبا لا يردعهم حتى الموت غرقاً. فبحسب ما تقول ماريانا: "هؤلاء البشر تجدهم وقد أصيبوا بحالة من اليأس والإحباط فلم يعد أمامهم غير هذه الطريقة. ونشاهد بعضهم وقد وصلوا للتو من سورية بعد اشتداد القصف الروسي على مناطقهم، وخصوصاً في إدلب وحلب".
بدأت السلطات المحلية في لسبوس الآن بوضع الجثث في شاحنات هي عبارة عن برادات ضخمة للموتى، ريثما تجد مقبرة لدفنهم. والثلاثاء الماضي، أعلنت تلك السلطات عن "3 أيام من الحداد" على الضحايا الذين فقدوا حياتهم غرقاً. وتأمل المنظمات التي يعمل فيها متطوعون من كل الجنسيات أن يجري تدخل جدي "لنقل كريم وإنساني لهؤلاء الباحثين عن حماية، وخصوصاً من السوريين بدلاً من تركهم لجشع المهربين".
وفي هذا الإطار، يقول أحد وسطاء المهربين لـ"العربي الجديد" عن عملهم الذي بات يوصف بـ"القتل مقابل المال"، إنّ القصة "ليست أخلاقية أو مجرد خدمة إنسانية، وكاذب من يقول لك إنّه يساعد لمجرد المساعدة. المهربون يستغلون الثغرات والتخبط الأوروبي ويجنون أرباحاً طائلة من هذه العمليات".
الحديث ليس عن حفنة دولارات يربحها هؤلاء المهربون من تركيا إلى اليونان، بل ملايين الدولارات من أرقام أكثر من 210 آلاف شخص جرى تهريبهم في شهر واحد (أكتوبر/ تشرين الأول الماضي) إلى الجزر اليونانية. وباعتراف أحد هؤلاء "الوسطاء"، فإنّ أرباح المركب الواحد تراوح بين 20 و25 ألف دولار. وفي نهاية الأسبوع الماضي من الجمعة إلى الأحد وصل أكثر من 28 ألف مهاجر إلى الجزر اليونانية. وفي الفترة من 20 إلى 27 أكتوبر/تشرين الأول عبرَ كرواتيا ما بين 45 و52 ألف مهاجر.
بالإضافة إلى تلك الرحلات نحو الجزر اليونانية، فإن تجارة تهريب أخرى ازدهرت أخيراً بعد التشدد الذي طرأ على الحدود المجرية. وهي تجارة تمرّ أيضاً عبر البحر من اليونان إلى إيطاليا تجنباً لمتاعب البرّ البلقاني. وتقدّر أرقام هؤلاء العابرين من اليونان إلى إيطاليا عبر مراكب التهريب بنحو 140 ألف شخص بحسب منظمة الهجرة العالمية. وما يقلق المنظمات الدولية هو أن شهراً واحداً (أكتوبر/ تشرين الأول الماضي) سجل وحده 218 ألف مهاجر عبر البحر المتوسط، وهو رقم يقترب من كلّ عابري العام الماضي كاملاً.
وإزاء كل التوقعات بارتفاع عدد المهاجرين إلى ملايين مع استمرارهم بالتدفق، فإنّ دول الاتحاد الأوروبي التي انشغلت قبل فترة وجيزة بكيفية توزيع 160 ألف مهاجر في ما بينها، تجد نفسها اليوم أمام مأزق أكبر بكثير. ويتجه قادة الاتحاد الأوروبي هذه الأيام لمناقشة أخرى: "كيف نجد أماكن لكلّ هذه الأعداد"؟ بعضهم بات يطرح "حلاً عالمياً". بينما المنتقدون يتساءلون: "ولماذا لا يجدون حلاً عالمياً ينهي أسباب هجرة السوريين وتفريغ بلادهم منهم منذ سنوات"؟ وهو ما يتفق مع طرح بعض السياسيين السوريين المعارضين الذين تحدثت "العربي الجديد" إليهم، ومن بينهم وليد البني.
وفي المسعى الأوروبي يبرز طلب رئيس الاتحاد الأوروبي جان كلود يونكر من مجموعة العشرين في اجتماعها هذا الشهر بتحمل مسؤوليتها في دعم المهاجرين اقتصادياً، والاعتراف بضغط هذه الأزمة على الاقتصاد العالمي.
إقرأ أيضاً: مهرّب البشر من طرطوس إلى شتوتغارت