المقاومة هي الثورة
لا يمكن أن يخطئ العقل والوجدان في أن ثمة تشابهاً كبيراً بين المقاومة والثورة، من ثلاث نواحٍ: الفكرة، الرافعة الحاضنة، وشبكات التحالف، الـ"مع" والضد!
فالمقاومة والثورة كلاهما يُمثلان فكرة ترفض الوضع الذي يُراد أن يكون سائداً وطبيعياً. فبينما ترفض المقاومة الاحتلال، وكل ما أنتجه على أراضي فلسطين المحتلة، بمساندة دولية وإقليمية وعربية، ترفض الثورة الأنظمة المتواطئة مع بقاء الاحتلال الإسرائيلي والتعاطي معه، بل وترفض الأنظمة التي قامت بالتطبيع الاقتصادي والتجاري والسياسي معه، متذرعة باتفاقيات لم تفرض عليها، بل صاغتها هي، وأوهمت شعوبها أنها مرغمة عليها، والحقيقة غير ذلك.
الثورة لم تنتج من فراغ، وإنما هي امتداد طبيعي لحركات المقاومة في فلسطين، ويخطئ من يعتقد أن الشباب العربي الذي انتفض في مصر، وعدد من الدول العربية، قد انتفض بين ليلة وضحاها، ولأسباب داخلية. بل هذا هو الشباب نفسه الذي خرج في مظاهرات لعقود، يهتف داعماً للمقاومة، ورافضاً للاحتلال، وللنظام السياسي الحاكم في موطنه المتواطئ مع الكيان الصهيوني، المزروع اصطناعياً على أرض فلسطين.
بل إن مقاربة الثورة نفسها ترى أن الانظمة العربية هي أنظمة "احتلال"، وليست أنظمة وطنية، تعمل لصالح المواطن المحلي، والمواطن العربي. وقد يكون قتل المتظاهرين السلميين بأسلحة جيوشهم، التي سموها وطنية، خير دليل على أن تلك الأنظمة ما هي إلا كيانات زُرعت في غفلة من الشعوب، وتمت مساندتها من أنظمة خارجية، على مدار عقود، وألصقوا فيها من المسميات لتدعيم خرافة وطنيتها الواهية، ما بين أنظمة مقاومة وأنظمة اعتدال، وما هي بأنظمة مقاومة ولا اعتدال، وإنما جميعها أنظمة استبداد واستغلال واحتلال وتواطؤ وانبطاح!
الناظر إلى المشهد الحالي في الحرب على غزة لا يمكن أن يُخطئ أن الحاضنة لهذه المقاومة، كما الحاضنة للثورة، هي مجموعات شبابية واعية ومؤمنة بعدالة قضيتها، التي تتمحور حول الحرية والاستقلال والكرامة الإنسانية، هذه الحاضنة الشبابية التي ما انفكت تبذل الدماء والأرواح من أجل الحصول على حريتها وكرامتها، تاركةً وراءها المرجفين والخانعين من أنظمة سياسية، وشبكاتها المساندة من إعلاميين وسياسيين ورجال أعمال ومثقفين ورجال دين، يسمونهم نخبة، وما هم سوى "نكبة" حقيقية، ابتليت بها الشعوب العربية عقوداً.
والناظر إلى المشهد الحالي لا يمكن أن يخطئ أن شبكات التحالفات الداخلية والعربية والإقليمية التي وقفت ضد ثورات الربيع العربي هي نفسها التي تقف الآن ضد المقاومة، وتتواطأ ضدها. فالأمر لا يحتاج إلى جهدٍ، لكي نعرف تلك الدول وأنظمتها بسيماهم وبأسمائهم. تلك الأنظمة التي بررت موقفها مع الكيان الإسرائيلي بمجموعة مبرراتٍ واهية بشأن تورط حركات المقاومة في البدء بالعدوان، وبأنها (أي المقاومة) هي من تُضحي بالمدنيين، وهذا يذكرنا بإشاعات أطلقها النظام في مصر في 25 يناير/كانون ثاني 2011، وكذلك بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، أن المتظاهرين يقتلون رفقاءهم، ويلصقونها بقوات الأمن.
إلا أن همجية قوات الكيان الصهيوني ووحشيتها، ومن جديدها مذبحة الشجاعية، وقصف مدارس وكالة منظمة الأمم المتحدة للغوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، وقتل مئات المدنيين، بالإضافة إلى نجاح قوات المقاومة في القيام بعمليات نوعية، قُتل فيها جنود إسرائيليون، ساهم في إسقاط مبررات وادعاءات تلك الأنظمة، وإسقاط أوراق التوت التي تحتمي بها، وكشف كذبها وتورطها أمام شعوبها.
في الحقيقية، على الرغم مما يعانيه الحراك الثوري في عدد من دول الربيع العربي، حالياً، من كبوات، إلا أن هذا لا يعني انتهاءه، طالما أن حاضنته الثورية لا تزال مرتبطة بنضالات الحرية والكرامة الإنسانية والتحرر الوطني، وكذلك المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني، فهي حاضنة الثورة وملهمتها. وعلى الرغم من التضحيات الكبيرة، وخذلان الأنظمة الاستبدادية لها ومشاركتها في حصارها، فهذا لا يؤثر في المقاومة، وإنما تأثيره يقع على الأنظمة ذاتها التي تفقد شرعيتها يوماً بعد يوم، في إدارة الملفات الداخلية، كما الوطنية والقومية.