المكتبة التراثية في قطر... كنز للباحثين في الحضارة العربية والإسلامية
الدوحة
أسامة سعد الدين
صحافي سوري، مراسل "العربي الجديد" في قطر.
التجول في مكتبة قطر الوطنية، وتحديداً المكتبة التراثية، يعني التنقل بين المخطوطات والمؤلفات الأصلية، والاطلاع على الحضارة الإسلامية والإنجازات العلمية. هي تعدّ كنزاً للطلاب والباحثين والشغوفين بالقراءة.
تُشكّل المكتبة التراثية القلب النابض لمكتبة قطر الوطنية، وتضم نوادر من المؤلفات والمخطوطات العربية والإسلامية. ويقول الخبير في المخطوطات في المكتبة محمود زكي لـ "العربي الجديد" إن المكتبة التراثية تهدف لأن تصبح مجموعة مركزية للمصادر الأصلية من المخطوطات والمؤلفات في المجالات والتخصصات العلمية، من خلال حصر المخطوطات العربية في العلوم غير التقليدية ذات الإنتاج الفكري المحدود مثل علم البصريات والفروسية والصيدلة والبيطرة، وما يتصل بها من دراسات وإتاحتها رقمياً من خلال منصة مكتبة قطر الرقمية، وتوظيف المخرجات البحثية لهذه المصادر في إصدارات ومعارض وفعاليات متنوعة، تقرّبها للجمهور خصوصاً الأطفال والطلاب. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، يؤكد زكي أنّ المكتبة التراثية تحرص على جمع مخطوطات المؤلفات والمصادر العلمية للعلماء العرب والمسلمين واستقصائها وحفظها، وإتاحتها لاطلاع المهتمين من الباحثين والمتخصصين أو الجمهور العام من خلال نشرها على بوابة مكتبة قطر الرقمية.
وبلغة الأرقام، فإنّ المكتبة التراثية تضمّ نحو 50 ألف مادة تاريخية، وتشمل أكثر من 26 ألف كتاب مطبوع، وأربعة آلاف مخطوط تاريخي، و70 ألف صورة فوتوغرافية، وأكثر من 1300 خريطة، بالإضافة إلى عشرات الأطالس ومجسمات الكرة الأرضية، وآلات الرحالة، ومجموعة ضخمة من المواد الأرشيفية. ويتألف المعرض الدائم للمكتبة التراثية من 12 قسماً، تتناول العلوم، والآداب، ومكانة المرأة، والرحالة، ومن أبرزها قسم "قطر عبر الزمن" الذي يستعرض تنوع المصادر التاريخية التي تملكها المكتبة التراثية في ما يتعلق بدولة قطر.
ومن الوثائق المتاحة التي تعرض للمرة الأولى، ديوان للشيخ جاسم بن محمد بن ثاني (1825-1913) مؤسس دولة قطر، والذي طبع في المطبعة المصطفوية، مومباي، عام 1907. وهناك صور توقيع اتفاقية استقلال قطر، إضافة إلى قماش يوضح لون العلم القطري الذي رفعه الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني حاكم دولة قطر خلال الفترة من 1913 إلى 1949.
وحول دور المكتبة التراثية في حفظ التراث من مصادره الأصلية، تقول المتخصصة في المعلومات في قسم الوثائق التاريخية في المكتبة، مريم المطوع، لـ"العربي الجديد"، إن المكتبة التراثية تضم مجموعة واسعة من المصادر والكتب والمواد الأرشيفية التي تتناول مختلف الموضوعات المتعلقة بتاريخ الحضارة العربية والإسلامية، وتُعد مصادر الموضوعات العلمية متمثلةً في الفلك والعلوم الطبية والفيزياء الأكثر إقبالاً وتأثيراً في مجالات البحث العلمي، لما لها من أهمية في مجالات البحوث المتعلقة بتطوير العلوم التطبيقية والتنمية المستدامة. وتشير إلى أنه مع تزايد مراكز البحوث في قطر يتزايد الإقبال على هذه المصادر من قبل الباحثين والطلاب، وتعمل المكتبة على توفيرها وتسهيل الاطلاع عليها. وتُشكّل مجموعة المصادر في المكتبة التراثية، وهي في معظمها مخطوطات أصلية، مرجعاً مهماً للباحثين والمهتمين، إذ يمكنهم الاطلاع على هذه المصادر والاستفادة منها، بحسب المطوع. وتؤكد أنّ حفظ وتوفير المصادر، تحديداً المتعلقة بالعلماء المسلمين على وجه الخصوص، يساهمان في إثراء المعرفة لدى زوار المكتبة التراثية، وتوسيع مجالات البحث والتفكير النقدي في البلاد، ورفع مستوى الوعي الثقافي لدى أفراد المجتمع، الأمر الذي يعد من أهم أهداف مكتبة قطر الوطنية المستمدة من رؤية قطر الوطنية 2030 من أجل الوصول إلى مجتمع قائم على المعرفة.
اقــرأ أيضاً
وتُسلّط مكتبة قطر الوطنية الضوء على العصر الذهبي للحضارة الإسلامية من خلال إتاحة فرصة الاطلاع عبر مجموعتها التراثية أو بوابة مكتبة قطر الرقمية على العديد من أهم مؤلفات العلماء العرب والمسلمين والمنجزات العلمية للحضارة العربية والإسلامية وتاريخ الجزيرة العربية. ومن المخطوطات النادرة في علم البصريات الموجودة في المكتبة التراثية المؤلفات الكبرى للعالمين أبي علي الحسن بن الهيثم (المتوفى نحو سنة 430 للهجرة/ 1038 للميلاد)، وكمال الدين الحسن بن علي الفارسي (المتوفى سنة 718 للهجرة/ 1319 للميلاد).
كرّس العالم العربي أبو علي الحسن بن الهيثم، الذي عاش في القرن الحادي عشر الميلادي في أوج العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، حياته لدراسة الضوء وهو المؤسس الأول لعلم البصريات. ابتكر ابن الهيثم الذي يُعدُّ من أغزر مؤلفي عصره إنتاجاً اختراعات استثنائية في مجال البصريات، وساهمت اكتشافاته الجوهرية بدور كبير في تطوير ما يعرف الآن باسم المنهج العلمي الحديث. وصحّح ابن الهيثم بعض المفاهيم السائدة في ذلك الوقت وأثبت رياضياً وهندسياً أنّ العين لا تُصدر الضوء إلى الأشياء، وإنّما تُبصر الأشياء بواسطة انعكاس الضوء من الأجسام المرئية عليها، ليبطل النظريات اليونانية لإقليدس وبطليموس التي تنص على أنّ العين تُصدر شعاعاً ضوئياً إلى الجسم المرئي وهو ما يُمكّنها من رؤيته.
يعود الفضل للعالم ابن الهيثم في اكتشاف ظاهرة انعكاس الضوء، وله الفضل أيضاً في اكتشاف ظاهرة انعطاف الضوء، التي تعني انحراف الصورة عن مكانها عند مرور الأشعة الضوئية من وسط معين إلى وسط آخر غير متجانس معه، كما لاحظ أيضا انعدام الانعطاف عند مرور الأشعة الضوئية بزاوية قائمة بين وسطين غير متجانسين. وله مؤلفات عديدة، من أهمها "كتاب المناظر" الذي يناقش فيه دراسات عن الضوء والقمر والنجوم والمرايا والظلال والشمس. من أبرز مخطوطات ابن الهيثم التي تسطع بضوء المعرفة في مكتبة قطر الوطنية "قول في الضوء"، و"مقالة في ضوء القمر"، و"مقالة في صورة الكسوف"، و"قول في أضواء الكواكب"، و"قول في هيئة العالم"، فضلاً عن تلك المتوفرة عبر مكتبة قطر الرقمية.
ويعدّ كتاب "تنقيح المناظر لذوي الأبصار والبصائر" لكمال الدين الحسن بن علي الفارسي الحلقة الثانية الكبرى للمنجز العلمي للحضارة العربية والإسلامية في علم البصريات وتصحيح نظرياته وتطوير تطبيقاته العملية. ولدى مكتبة قطر الوطنية نسخة نفيسة مخطوطة من هذا الكتاب، نُسخت عام 899 ه/ 1493م، وتتضمن رسوماً إيضاحية هندسية وطبية، منها تشريح العين وما يتصل بها في عملية الإبصار والرؤية من أعصاب وغيرها. ويمكن مشاهدة هذا المخطوط الأصلي عند زيارة المعرض الدائم للمكتبة التراثية، بحسب المطوع.
وفي وضعه نظرية جديدة لتفسير كيفية حدوث ظاهرة الطَّيْف (قوس قزح)، سبق الفارسي أنطوان دومينيس وديكارت، وعاصر الفيزيائي الألماني ثيودوريك. وله أيضاً يرجع القول السبّاق إن الضوء يسري بحركة مَوْجِيَّة مثله مثل الصوت. وفي هذا يقول: "الحركة التي مر تقريبها في الأضواء، إنما هي على نحو حركة الأصوات، لا على نحو حركة الأجسام".
اقــرأ أيضاً
يذكر أنّ مكتبة قطر الوطنية افتتحت رسمياً يوم 16 إبريل/ نيسان الماضي، ووضع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الكتاب رقم مليون على رفوفها إيذاناً بالافتتاح الرسمي للمكتبة التي تبلغ سعتها الإجمالية لعرض الكتب مليوناً و200 ألف كتاب. ومن خلال وظيفتها كمكتبة بحثية وتراثية، تعمل مكتبة قطر الوطنية على نشر وتعزيز رؤية أعمق لتاريخ وثقافة منطقة الخليج العربي، وتتيح للمواطنين والمقيمين، فرصاً متكافئة في الاستفادة من مرافقها وتجهيزاتها وخدماتها.
وبلغة الأرقام، فإنّ المكتبة التراثية تضمّ نحو 50 ألف مادة تاريخية، وتشمل أكثر من 26 ألف كتاب مطبوع، وأربعة آلاف مخطوط تاريخي، و70 ألف صورة فوتوغرافية، وأكثر من 1300 خريطة، بالإضافة إلى عشرات الأطالس ومجسمات الكرة الأرضية، وآلات الرحالة، ومجموعة ضخمة من المواد الأرشيفية. ويتألف المعرض الدائم للمكتبة التراثية من 12 قسماً، تتناول العلوم، والآداب، ومكانة المرأة، والرحالة، ومن أبرزها قسم "قطر عبر الزمن" الذي يستعرض تنوع المصادر التاريخية التي تملكها المكتبة التراثية في ما يتعلق بدولة قطر.
ومن الوثائق المتاحة التي تعرض للمرة الأولى، ديوان للشيخ جاسم بن محمد بن ثاني (1825-1913) مؤسس دولة قطر، والذي طبع في المطبعة المصطفوية، مومباي، عام 1907. وهناك صور توقيع اتفاقية استقلال قطر، إضافة إلى قماش يوضح لون العلم القطري الذي رفعه الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني حاكم دولة قطر خلال الفترة من 1913 إلى 1949.
وحول دور المكتبة التراثية في حفظ التراث من مصادره الأصلية، تقول المتخصصة في المعلومات في قسم الوثائق التاريخية في المكتبة، مريم المطوع، لـ"العربي الجديد"، إن المكتبة التراثية تضم مجموعة واسعة من المصادر والكتب والمواد الأرشيفية التي تتناول مختلف الموضوعات المتعلقة بتاريخ الحضارة العربية والإسلامية، وتُعد مصادر الموضوعات العلمية متمثلةً في الفلك والعلوم الطبية والفيزياء الأكثر إقبالاً وتأثيراً في مجالات البحث العلمي، لما لها من أهمية في مجالات البحوث المتعلقة بتطوير العلوم التطبيقية والتنمية المستدامة. وتشير إلى أنه مع تزايد مراكز البحوث في قطر يتزايد الإقبال على هذه المصادر من قبل الباحثين والطلاب، وتعمل المكتبة على توفيرها وتسهيل الاطلاع عليها. وتُشكّل مجموعة المصادر في المكتبة التراثية، وهي في معظمها مخطوطات أصلية، مرجعاً مهماً للباحثين والمهتمين، إذ يمكنهم الاطلاع على هذه المصادر والاستفادة منها، بحسب المطوع. وتؤكد أنّ حفظ وتوفير المصادر، تحديداً المتعلقة بالعلماء المسلمين على وجه الخصوص، يساهمان في إثراء المعرفة لدى زوار المكتبة التراثية، وتوسيع مجالات البحث والتفكير النقدي في البلاد، ورفع مستوى الوعي الثقافي لدى أفراد المجتمع، الأمر الذي يعد من أهم أهداف مكتبة قطر الوطنية المستمدة من رؤية قطر الوطنية 2030 من أجل الوصول إلى مجتمع قائم على المعرفة.
وتُسلّط مكتبة قطر الوطنية الضوء على العصر الذهبي للحضارة الإسلامية من خلال إتاحة فرصة الاطلاع عبر مجموعتها التراثية أو بوابة مكتبة قطر الرقمية على العديد من أهم مؤلفات العلماء العرب والمسلمين والمنجزات العلمية للحضارة العربية والإسلامية وتاريخ الجزيرة العربية. ومن المخطوطات النادرة في علم البصريات الموجودة في المكتبة التراثية المؤلفات الكبرى للعالمين أبي علي الحسن بن الهيثم (المتوفى نحو سنة 430 للهجرة/ 1038 للميلاد)، وكمال الدين الحسن بن علي الفارسي (المتوفى سنة 718 للهجرة/ 1319 للميلاد).
كرّس العالم العربي أبو علي الحسن بن الهيثم، الذي عاش في القرن الحادي عشر الميلادي في أوج العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، حياته لدراسة الضوء وهو المؤسس الأول لعلم البصريات. ابتكر ابن الهيثم الذي يُعدُّ من أغزر مؤلفي عصره إنتاجاً اختراعات استثنائية في مجال البصريات، وساهمت اكتشافاته الجوهرية بدور كبير في تطوير ما يعرف الآن باسم المنهج العلمي الحديث. وصحّح ابن الهيثم بعض المفاهيم السائدة في ذلك الوقت وأثبت رياضياً وهندسياً أنّ العين لا تُصدر الضوء إلى الأشياء، وإنّما تُبصر الأشياء بواسطة انعكاس الضوء من الأجسام المرئية عليها، ليبطل النظريات اليونانية لإقليدس وبطليموس التي تنص على أنّ العين تُصدر شعاعاً ضوئياً إلى الجسم المرئي وهو ما يُمكّنها من رؤيته.
يعود الفضل للعالم ابن الهيثم في اكتشاف ظاهرة انعكاس الضوء، وله الفضل أيضاً في اكتشاف ظاهرة انعطاف الضوء، التي تعني انحراف الصورة عن مكانها عند مرور الأشعة الضوئية من وسط معين إلى وسط آخر غير متجانس معه، كما لاحظ أيضا انعدام الانعطاف عند مرور الأشعة الضوئية بزاوية قائمة بين وسطين غير متجانسين. وله مؤلفات عديدة، من أهمها "كتاب المناظر" الذي يناقش فيه دراسات عن الضوء والقمر والنجوم والمرايا والظلال والشمس. من أبرز مخطوطات ابن الهيثم التي تسطع بضوء المعرفة في مكتبة قطر الوطنية "قول في الضوء"، و"مقالة في ضوء القمر"، و"مقالة في صورة الكسوف"، و"قول في أضواء الكواكب"، و"قول في هيئة العالم"، فضلاً عن تلك المتوفرة عبر مكتبة قطر الرقمية.
ويعدّ كتاب "تنقيح المناظر لذوي الأبصار والبصائر" لكمال الدين الحسن بن علي الفارسي الحلقة الثانية الكبرى للمنجز العلمي للحضارة العربية والإسلامية في علم البصريات وتصحيح نظرياته وتطوير تطبيقاته العملية. ولدى مكتبة قطر الوطنية نسخة نفيسة مخطوطة من هذا الكتاب، نُسخت عام 899 ه/ 1493م، وتتضمن رسوماً إيضاحية هندسية وطبية، منها تشريح العين وما يتصل بها في عملية الإبصار والرؤية من أعصاب وغيرها. ويمكن مشاهدة هذا المخطوط الأصلي عند زيارة المعرض الدائم للمكتبة التراثية، بحسب المطوع.
وفي وضعه نظرية جديدة لتفسير كيفية حدوث ظاهرة الطَّيْف (قوس قزح)، سبق الفارسي أنطوان دومينيس وديكارت، وعاصر الفيزيائي الألماني ثيودوريك. وله أيضاً يرجع القول السبّاق إن الضوء يسري بحركة مَوْجِيَّة مثله مثل الصوت. وفي هذا يقول: "الحركة التي مر تقريبها في الأضواء، إنما هي على نحو حركة الأصوات، لا على نحو حركة الأجسام".
يذكر أنّ مكتبة قطر الوطنية افتتحت رسمياً يوم 16 إبريل/ نيسان الماضي، ووضع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الكتاب رقم مليون على رفوفها إيذاناً بالافتتاح الرسمي للمكتبة التي تبلغ سعتها الإجمالية لعرض الكتب مليوناً و200 ألف كتاب. ومن خلال وظيفتها كمكتبة بحثية وتراثية، تعمل مكتبة قطر الوطنية على نشر وتعزيز رؤية أعمق لتاريخ وثقافة منطقة الخليج العربي، وتتيح للمواطنين والمقيمين، فرصاً متكافئة في الاستفادة من مرافقها وتجهيزاتها وخدماتها.
