يكشف أحد أبرز القياديين في حركة "النهضة"، عبد اللطيف المكي، الذي يشغل منصب عضو مكتب الحركة التنفيذي ونائب رئيس لجنة الانتخابات، فضلاً عن عمله كوزير الصحة في حكومة "الترويكا" التي قادتها الحركة، في مقابلة مع "العربي الجديد" عن أبرز توجهات الحركة المتعلقة بالاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
* هل مبادرة المرشح التوافقي لا تزال قائمة؟
لم يتحدد الموقف النهائي للحركة من الانتخابات الرئاسية بعد، وسنعلن عن موقفنا النهائي خلال الأسبوع الأول من الشهر المقبل، عند انعقاد مجلس الشورى. غير أن انسجام الرئاسات الثلاث (الحكومة ومجلس النواب والرئاسة)، في المرحلة المقبلة مسألة أساسية لترجمة الثورة ومبادئها على الواقع المعيشي للتونسيين.
* ماذا عن الحد الأدنى الذي تعتبره النهضة قاعدة للوفاق على مرشح موحد؟
إن الاتفاق مع ثلاثة أو أربعة أحزاب هامة لها تمثيل في المجلس الوطني التأسيسي كافٍ لتشكيل وفاق حول مرشح موحد. كما أن دعوة "النهضة" كانت لمرشح توافقي لا لرئيس توافقي. كذلك أجرت الحركة أكثر من ثلاثين اتصالاً مع أحزاب وشخصيات في هذا الخصوص، وهناك اتفاق على مسألة التحالف في الدورة الثانية. أما في ما يخص الدورة الأولى، فلم يحصل اتفاق إلى حد الآن. مع العلم أن من ترشحه النهضة سيصل عملياً وحسابياً إلى الدورة الثانية، ولذلك قلنا أثناء النقاش لمَ لا نساند مرشحاً من البداية طالما أن النتيجة هي نفسها؟
وفي حال فشلت مبادرة المرشح التوافقي، فيمكن أن نرشح الرئيس السابق للحكومة، علي العريض، أو وزير العدل السابق نور الدين البحيري، أو نائب رئيس حركة النهضة عبد الفتاح مورو. وقد نفاجئ الجميع بتقديم امرأة كمرشحة للرئاسة، وليس لدينا أي عائق فكري أو نفسي تجاه هذه المسألة.
وفي ما يخص أسماء المرشحين للانتخابات التشريعية من خارج الحركة، نذكر اللاعب الدولي ووزير الرياضة السابق طارق ذياب، الخبير في الجباية (وكاتب الدولة السابق للمالية) سليم بسباس، بالإضافة إلى وجوه رياضية أخرى مثل عادل الدعداع (رئيس سابق لنادي حمام الأنف لكرة القدم)، وغيرهم.
كذلك فإن تسعين في المائة من القوائم جاهزة، وهي تعكس تمازج الأجيال داخل الحركة، ولذلك هناك تمثيل جيد للشباب والمرأة، وهناك انفتاح على شخصيات من خارج الحركة. أي أننا يمكن أن نعمل بشراكة مع جميع الأطراف سواء كانت حزبية أو مستقلة.
* كيف تفسرون وجود كوادر حركة "النهضة" في هذه القائمات؟
إنّهم موجودون في إطار التوازن بين خدمة مؤسسات الدولة والبرلمان، ولكن هذا لا يعني أننا سنحكم لوحدنا ولكن بشراكة، لأن الحكم مسؤولية وليس غنيمة ويتطلب تضحيات شخصية ومهنية وعائلية. ونحن جربنا صعوبتها ونؤمن أن تونس تحتاج إلى شراكة حقيقية في إدارة الشأن العام. حوربنا عندما وصلنا إلى قلب الفساد.
* ما تعليقك على تصريح رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر، الذي أعلن فيه أنه يتشرف بأن يكون مرشحاً وفاقياً؟
إنه ردٌّ ذكي، لأن بن جعفر رأى في المقترح ترشيداً للممارسة الديمقراطية، والذين رفضوا المبدأ فضّلوا المصلحة الحزبية على المصلحة الوطنية.
* لقد ذكرت سابقاً أنكم حوربتم لأنكم حاربتم الفساد، حدثنا عن تجربة الحكم عموماً وتجربتك في وزارة الصحة؟
نعم، نحن حوربنا لأننا بدأنا الإصلاح ووصلنا إلى ما يسمى في تونس بـ"اللحمة الحيّة" أي عمق الأشياء، ونحن حكمنا بأخلاقنا بلا أحقاد ولا ضغينة ولا تصفية حسابات، لأن الحكم يتطلب مخلصين يتميزون بنظافة اليد وصدق العمل من أجل المجموعة. ولكننا اصطدمنا بشبكة المصالح القديمة، والنظام القديم رضخ لتأثير اللوبيات وسخّر الدولة لخدمتها لأن الفساد في تونس منظومة متماسكة. ولا يمكن الإصلاح إلا بسلطة سياسية مستقلة، وعندما وصلنا إلى "اللحمة الحية"، علا الصراخ وبدأت الدعوات لإسقاط الحكومة. والمقصود هنا بإسقاط الحكومة هو إسقاط الديمقراطية وليس الإسلاميين.
* برأيك هل وقع إسقاط حكومة "الترويكا" في تونس، كذلك إسقاط حكم الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، فضلاً عن فوضى ليبيا بفعل داخلي أم خارجي؟
أود أن أشير مرة أخرى إلى أن الهدف ليس إسقاط الإسلاميين بل إسقاط المشروع الديمقراطي في المنطقة، لأن قوى إقليمية عربية بعيدة جغرافياً هي أنظمة آتية من متحف السياسة، لا مكان لها في القرن الحادي والعشرين، وتعمل بمعية قوى دولية على إسقاط المشروع الديمقراطي في المنطقة العربية، لأنه يشكل خطراً على مصالحها.
فالوطن العربي عملاق نائم بثرواته ومكانه الإستراتيجي في العالم، والديمقراطية ستجعل منه قوة حقيقية، تفرض قرارها المستقل مثلما فعلت الصين والهند وأميركا اللاتينية. ولذلك تعمل على إفشال المشروع الديمقراطي بكل قواها وتضخ أموالاً ضخمة لتحقيق هذا الهدف، وتغيير المعادلات السياسية في تونس، ومسألة السيارتين الإماراتيين إلى رئيس حزب "النداء"، الباجي قائد السبسي، هي قطرة من بحر لأن ما خفي كان أعظم.
* وجّهت حركة "نداء تونس" من جهتها اتهاماً لزعيم حركة "النهضة" راشد الغنوشي بأنه تلقى سيارة من دولة قطر، ما تعليقك؟
الغنوشي، يتنقل بسيارة تونسية وبحراسة تونسية، وهذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة.
* ماذا عن تجريم تمجيد النظام السابق الذي دعا إليه الغنوشي في عيد المرأة التونسية؟
جميع فئات المجتمع تأذت من النظام السابق، حتى بعض الذين كانوا من داخل النظام نفسه، لأن الناس هُجِّروا وسجنوا وعُذبوا ولا مجال لتمجيده، وينبغي تجريم تمجيده أخلاقياً وقانونياً إن لزم الأمر. وموقف الغنوشي كان رداً على قيام بعض رموز النظام السابق بتمجيده في الفترة الأخيرة.