تابع التونسيون، مساء الأحد، الجولة الثانية من المناظرات التلفزيونية الخاصة بالانتخابات الرئاسية، والتي ضمت كلا من المرشحين محسن مرزوق ومنجي الرحوي وإلياس الفخفاخ ومحمد الهاشمي الحامدي وعبد الكريم الزبيدي ومحمد الصغير النوري وحمادي الجبالي ومحمد لطفي المرايحي وحاتم بولبيار.
وكانت المناظرة ساخنة للغاية على عكس مناظرة يوم السبت، وشهدت تقلبات وتفاعلات بين المتناظرين وتلاسناً وردوداً.
وشهدت المناظرة تطوراً واضحاً في لغة الخطاب ما عكس استعداد المرشحين لهذا الحدث، كما أن ردود الفعل على مواقع التواصل تؤكد وجود متابعة كبيرة للحدث، وهو ما سيجعل منها محطة مهمة في تحديد المزاج الانتخابي مستقبلاً.
غير أن المضامين لم ترتق إلى حقيقة مهام رئيس الجمهورية، فتحولت المناظرة إلى استعراضات إنشائية والتزامات لا تمت بصلة إلى ما يوكله إليه الدستور من صلاحيات، وعمد أكثر من مرشح إلى تقديم نفسه وكأنه الرئيس المنقذ الذي سيخرج البلاد من الفقر والبطالة والدين العام، وسيطور التعليم والصحة والاقتصاد، ويخلص البلاد من التبعية الاقتصادية والسياسية، حتى أن بعضهم هدد بإيقاف كل المعاهدات مع فرنسا إذا لزم الأمر، بينما بدا آخرون وكأنهم يتحدثون عن بلد آخر غير تونس.
وعلى عكس كل ما شهدته الحملات الانتخابية حتى الآن، عاد خطاب الهوية من جديد بين المتناظرين واستحوذ على جزء كبير من وقت المناظرة، بعد أن فجر المرشح الهاشمي الحامدي دعوته لمراجعة الدستور واعتماد الإسلام كمصدر وحيد للتشريع، ما يمنع تقديم أي قانون يعارض أحكامه.
واستطرد الحامدي، وهو متمرن على الخطاب السياسي اليومي في قناته الخاصة بلندن المعروفة باسم "المستقلة"، في سلسلة وعود بالجملة تستهدف جميع الفئات، من خلال إسقاط ديون الفلاحين ومنحة للعاطلين ودفاع عن العمال بالخارج والمتقاعدين وتوفير موارد مالية بمليارات الدنانير.
واعتبر الحامدي أن المعركة لا تزال مستمرة لبناء الدولة العادلة في تونس لأن الظلم متواصل والتهميش متواصل، داعيا إلى "انتخاب رئيس من خارج المنظومة الموجودة منذ الاستقلال ينظر للجهات الداخلية لأن أساس الأمن هو العدل في التنمية وتوزيعها"، مشددا على ضرورة إنشاء سوق مشتركة بين تونس والجزائر وليبيا والانتقال الحر بين مواطني المحافظات الحدودية، كما داعا إلى تأميم الثروات الوطنية.
ورد عليه المرشح اليساري منجي الرحوي، مؤكداً أن تونس دولة مدنية قانونها وضعي والعودة إلى مناقشة المرجعيات الدستورية غير ممكن وأن التونسيين حسموا هذا الأمر نهائياً.
واقترح الرحوي تغيير العملة لمحاصرة التهريب وعودة الاقتصاد الموازي إلى الاقتصاد المنظم، معتبرا أن مفهوم الأمن القومي مفهوم شامل لأن الانقطاع المدرسي وموت الرضع وانقطاع المياه كلها تتعلق بالأمن القومي.
وفي باب العلاقات الدولية، أكد الرحوي أنه يلتقي مع كل من يدافع عن مصلحة العالم العربي، داعيا إلى تنويع الشراكات أفريقياً ودولياً ومع القوى الجديدة في أميركا اللاتينية والصين، كما شدد على ضرورة إنشاء جسم ديبلوماسي يقوم على أهداف ومخطط واضح وداعيا إلى إحداث وزارة للهجرة واحتضان التونسيين العاملين بالخارج.
ودعا وزير الدفاع المستقيل، عبد الكريم الزبيدي إلى رفع جاهزية القوى الأمنية والعسكرية لخوض حرب غير تقليدية ضد الإرهاب، مشددا على ضرورة حياد المؤسستين الأمنية والعسكرية عن كل التجاذبات السياسية.
وقال الزبيدي: "لا بد من تحديد مفهوم الأمن القومي، وينبغي عدم توسيع هذا المفهوم لمجالات أخرى، مؤكدا ضرورة العمل من أجل دولة قوية قادرة على مقاومة الفوضى والتهريب بإمكانيات ذاتية وتعاون دولي".
ودعا إلى الابتعاد عن الشعبوية، ملتزما بتعديل القانون الانتخابي ومنع السياحة الحزبية والبرلمانية ومنع سجن الشبان الذين يتورطون لأول مرة في استهلاك المخدرات والإحاطة بهم.
من جهته، دعا محسن مرزوق عن حركة "مشروع تونس" إلى ضرورة مواجهة العائدين من بؤر التوتر بكل قسوة وإعادة العلاقات مع سورية. وشدّد على ضرورة استعمال الطاقة النووية السلمية لحل المشاكل البيئية ومعضلة الطاقة والماء بالخصوص، وتنويع شبكة أصدقاء تونس لأن المقاربات الأمنية تقوم اليوم عبر تعاون دولي بالأساس، معتبرا أن الأمن الحقيقي هو العدالة وتطبيق القانون بين الجميع بنفس الدرجة.
واعتبر مرزوق أن العدالة الانتقالية في تونس لم تحقق أهدافها وتحولت إلى عدالة انتقائية وانتقامية ولم تتحقق المصالحة بين التونسيين ولم تندمل الجروح بعد، متعهدا بحماية حرية التعبير والإعلام والحريات الفردية والعامة ومقاومة التمييز، مؤكداً دعمه إصدار مجلة للحريات الفردية.
أما رئيس الحكومة الأسبق، حمادي الجبالي، الذي يترشح كمستقل، فشدّد على ضرورة مقاومة الفساد بجدية، وعلى تعزير إمكانيات الجيش وتقوية الأمن الجمهوري لمقاومة الجريمة المنظمة والعنف والمخدرات ووضع منظومة أمن متكاملة تقوم على إمكانيات تكنولوجية متطورة، لافتا إلى أن تأمين الوطن يتم بالإنتاج والعمل هو المفهوم الصحيح للأمن القومي.
وأكد ضرورة الحياد وعدم التدخل في شؤون الآخرين، وفي نفس الوقت الدفاع عن مبادئنا في الديمقراطية والحرية في الدول الأخرى.
وختم الجبالي بأنه لا بد من خدمة الاقتصاد في السنوات القادمة، وتفادي الخلل في الميزان الاقتصادي ودخول أسواق جديدة ومراجعة الاتفاقيات التي لا تخدم مصالحنا.
بدوره، اعتبر المرشح الياس الفخاخ عن حزب التكتل أن رئيس الجمهورية ينبغي أن يكون رجل اقتصاد قادرا على فهم الملفات وإدارة المفاوضات، معتبرا أن ما تعيشه تونس يمثل لحظة افتخار للتونسيين وأن صورة تونس اليوم أفضل مما كانت عليه قبل الثورة، ردا على ما قاله أحد المتناظرين بشأن تراجعها.
وقال الفخاخ إنه لا بد من إعادة الفهم الحقيقي لعمل السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية والحكومة، "لأن تجربة السنوات الماضية لا يمكن أن تكون أساسا لبناء أمن قومي"، معتبرا أن أفريقيا هي قارة المستقبل وهي فرصة لتونس ولكن للأسف لا توجد إرادة ولا استراتيجية لتنفيذ ذلك.
من جهته، اعتبر لطفي المرايحي مرشح حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري أن مقاومة التهريب تتطلب إرادة سياسية حقيقية لأن هناك بارونات ولوبيات تدير عمليات التهريب، وهناك ارتباطات وثيقة بين النافذين وبين المهربين، مؤكدا أن بناء منظومة للدفاع الوطني تتم عبر بناء الاقتصاد الوطني أولا وترتيب البيت الداخلي حتى يكون منيعا، عبر توفير قدرات ديبلوماسية واقتصادية وعسكرية، وتراجع هذه العوامل يحد من قدراتنا على التأثير في الواقع الإقليمي.
وشدّد المرشح المستقل ورجل الاقتصاد محمد الصغير النوري على ضرورة تفعيل السلطة المحلية، قائلا: "غيبنا الشعب فغابت التنمية لأن الحكم المحلي يشرك الشباب ويحد من المركزية ويقدم حلولا فعلية لمشاكل تونس".
وأضاف أن "ما سمعته من تدخلات يدل على وعي ضعيف بتعريف الأمن القومي … وأدعو إلى اقتصاد قوي وانخراط في المنظومة التكنولوجية الحديثة وتطبيق القانون، وكل هذا فشلت فيه المنظومة الحالية". وأشار إلى "أننا لم نكن محايدين في ليبيا أو سورية وهذا أضر بِنَا"، داعيا إلى دعم الفضاء المغاربي وتحويل تونس إلى منصة أوروأفريقية في مجالات الصحة والتعليم لها ذراع في كلتا القارتين.
وختم النوري بالقول إنه "مرت تسع سنوات وتسع حكومات ولم يتغير شيء، وما أسمعه هو مجرد أفكار وليس مشاريع حقيقية"، مضيفاً: "أنا اختيار جديد ولكم الاختيار فلا تضيعوا الفرصة".
واعتبر المترشح المستقل حاتم بولبيار أن الأمن التونسي كفء ولكن تنقصه الإمكانيات، قائلا: "سألغي وزارة السياحة وسأقلص من عدد الوزارات"، وأكد أن هجرة الكفاءات والأدمغة تكلف تونس الكثير ولا بد من العمل على إعادتها للبلاد عبر تغيير نظام الجرايات في القطاع العام وخصوصا للأطباء.