انتهت الدورة الـ18 من المهرجان الوطني للفيلم في طنجة، شمال المغرب بفوز فيلم "عرق الشتا" لحكيم بلعباس بجائزة المهرجان الكبرى، فيما حصل فيلم "يما" لهشام ركراكي على الجائزة الكبرى للأفلام القصيرة.
وذهبت جائزة العمل الأول للمخرجة خولة بن عمر عن فيلمها "نور في الظلام"، فيما منحت الجائزة الخاصة بلجنة التحكيم لفيلم "ضربة بالرأس" لهشام العسري، وحاز فيلم "يد فاطمة" لأحمد المعنوني على جائزة أحسن إخراج، وأحسن سيناريو لفيلم "إيبيريتا" لمحمد بوزاكو، بينما ذهبت أفضل فيلم وثائقي لـ "رحلة خديجة" لطارق الإدريسي. أما عن الأفلام القصيرة فحصل فيلم "أمل" لمخرجته عايدة السنة على جائزة لجنة التحكيم.
وعرض خلال الدورة الثامنة عشرة، 16 فيلماً على قائمة الأفلام القصيرة و14 فيلماً طويلاً روائياً ووثائقياً تنافست على لائحة الأفلام الرسمية. كرّمت إدارة المهرجان خلال أمسية الافتتاح الفنان الراحل أخيراً محمد حسن الجندي وفنانين آخرين، وإحياء ذكرى ممثلين ومخرجين رحلوا عن المشهد السينمائي المغربي أمثال العربي اليعقوبي وعبد الرحمن العلوي العبدلاوي وعبد الله المصباحي وآخرين.
أفلام قليلة استطاعت أن "تنقذ ماء وجه" المهرجان وفق رأي عدّة نقاد سينمائيين، فقد رفع فيلم "عرق الشتا" (126 د) لمخرجه حكيم بلعباس من كفّة الميزان مقابل أفلام كثيرة اتسمت بالحوارات التقليدية والصور النمطية للأحداث والرؤية الفقيرة لمخرجيها، وضعف في الإبداع في معالجة القضايا التي تتناولها تلك الأفلام.
"عرق الشتا" يتحدث بشاعرية قصة فلّاح يعيش مع زوجته وابنه ووالده المنهك وعلاقته الوجودية مع أرضه مصدر رزقه، والتي باع كليته من أجل أن ينقذها، التضحية وقسوة المناخ دفعت امبارك الفلاح أن يقضي وقته في حفر بئر أملاً في الوصول إلى ماء إلّا أنه يتلقى رسالة تهدده بالاستيلاء على أرضه. "عرق الشتا" جمع بين التوثيق تارة والدراما تارة أخرى، حول هذا المزج يقول بلعباس لـ"العربي الجديد": "لا يمكن أن نحسب للتوثيق المألوف الذي يوصل معلومة قاعدة درامية إلّا أنني أعرّف شخصياً الفيلم الوثائقي لما يجري في حياتنا دون أن نراه غالباً، إنّ الدراما التي تقدمها لنا الحياة أفضل مما تقدمه التلفزة، ما نراه اليوم في الدراما المغربية مثلا هو تبخيس لحياة الناس" يردف: "لا أفرّق بين متخيل وحقيقيّ لأنّ هناك حقائق يحملها الناس في حياتهم اليومية وعراكهم مع القدر وفي أرواحهم، ومن خلال الصورة ذات المدلول أن تعبّر لنا عن السينما الشعرية وليس فقط الكتابة".
تبلورت حكاية الفيلم منذ 17 سنة بعد لقاء قصير بين المخرج وفلاح فقد عائلته بسبب قرض بنكيّ، يقول: "حكاياي تسكنني كالكوابيس ولا أنام إلّا عندما تخرج مني وهي تملي عليّ طريقة سردها".
أمّا الالتفات للأشخاص المصابين بمتلازمة "داون" الذي وظفّه بلعباس منح الفيلم بصمة قوية وبريئة، وجد المخرج نفسه منساباً وراء شخصية "أيوب" الطفل، يقول: "اتبعت أيوب من خلال حواري معاه، لقد امتلك الحدس والبراءة عكس ما أملكه من احترافية، وغيّر أيوب مسار السيناريو الذي لم يحتوِ على قطرة ماء، لكنّ إصراره على حفر البئر وخروج الماء بين يديه جعل للفيلم نهاية أخرى".
أفلام أخرى قصيرة وطويلة انتُقدت بشدة، عجز مخرجوها عن تقديم رؤية جديدة أو معالجة ظواهر اجتماعية في المجتمع المغربي أو بعض التابوهات. جمهور عريض شاهد فيلم "لا" (17 د) لمخرجته الشابة دمنة بونعلات التي تناولت قصة شاب في الثلاثينيات يرفض الارتباط بالنساء لكرهه لهنّ، مما دفع أهل قريته إلى أن يظنوا بأنّه شاذّ جنسياً إلّا أنه تعرض لحادث جنسيّ على يد امرأة في صغره. السرد المتوقع للفيلم على طريقة "الفلاش باك" والعمر الزمني القصير للفيلم جعل المخرجة تسرد الأحداث في قالب درامي نمطي.
في فيلم "فرصة" (20 د) لمخرجه الشاب خالد الضواش، نشاهد قصة "عمار" الشاب المتنمر في حيّه إلّا أنه يتلقى اتصالاً حول إصابته بالسرطان وأمامه ثلاثة شهور من الحياة، يُحسب للفيلم حالة التحوّل السريع التي تدخل في شخصية الفيلم، من متنمّرة إلى شخصية فاضلة ثم تعود لتنمرّها بعد انتهاء الشرّ/ السرطان، وحول استيعاب تحوّل الشخصيات في فيلم قصير يقول الضواش لـ"العربي الجديد" إنّ "التحول جاء بعد معرفته بالموت وهو الحتمية التي بدّلت الشخصية إلى أخرى محبة ومعطاءة لمحيطها"، وهي حالة تبدل أوتوماتيكية كما يراها المخرج ويردف: "مغزى الفيلم ليس دينياً ولكنّه عبارة عن فرصة أو عبرة لشاب عليه أن يستفيد منها" إلّا أنّ هذه الصورة تسرّبت لنا من صورة نمطية عادة ما يرتبط بها الإنسان السيئ/ القبيح من خلال علاقته بالكحول والنساء، تعليقاً على هذه يقول الضواش: "انطلقت من المحرمات والسلوكيات التي يرفضها المجتمع المغربي، والشخصية ضعيفة تفتقر للثقة مستوحاة من طفولتي، فالتحولّ لها من وضع لآخر سهل".
وشاركت في المهرجان أسماء بارزة لمخرجين عرفوا بإنتاجاتهم الروائية أمثال هشام العسري في فيلمه "ضربة بالرأس" الذي عُرض في مهرجان "برلين السينمائي"، يعود فيه العسري إلى حقبة الغليان السياسي في الثمانينيات في عهد الحسن الثاني. الفيلم (111 د) يكثف بصرياً أحداثه من خلال الشرطي داوود الذي يعيش في الدار البيضاء، شخصية مستاءة وحاقدة على مرؤوسيها الذين يرسلونه يوم المباراة الأخيرة لكأس العالم (1986) لقضاء يوم كامل على جسر يفرق بين قريتين متصارعتين لحماية المرور المفترض للموكب الملكي.