لطالما حلم نزيه شبايطة، ابن مخيم عين الحلوة في صيدا (جنوب لبنان)، المولود عام 1959، بمتابعة تحصيله العلمي ودراسة هندسة الكيمياء، والحصول على درجة الماجستير من روسيا. وهذا ما حصل فعلاً. لكنه لم يكن يتصوّر يوماً ما أن ينتهي به المطاف إلى سائق سيارة أجرة.
بعد تخرّجه، عاد إلى المخيم. كان يأمل بإيجاد عمل لتعويض عائلته سنين التعب والحرمان من أجل تأمين مصاريفه في روسيا، علماً أنه حصل على منحة دراسية من منظمة التحرير الفلسطينية.
يقول شبايطة: "عندما عدت إلى المخيم، كنتُ فرحاً بالشهادة التي حصلت عليها. لم أظن أنني لن أجد عملاً. حملت شهاداتي وأوراقي الثبوتية وتقدمت بطلب الحصول على وظيفة في شركات عدة. أردت العمل لسدّ ديون أهلي التي تراكمت لتأمين احتياجاتي. لدى أبي عشرة أولاد، وهو صاحب محل صغير للجزارة. اضطر إلى الاستدانة لأتمكن من إنهاء دراستي. لكنني لم أجد عملاً، ما اضطر شقيقيّ، أحدهما ممرض والآخر يملك محلاً لبيع أسلاك للكهرباء، إلى سداد ديون أبي".
استمرّت رحلة البحث عن وظيفة نحو تسع سنوات، بدءاً من عام 1987 وحتى عام 1996، من دون جدوى. يشرح: "خلال هذه الفترة، كنتُ أُعطي دروساً خصوصية للأطفال، لكن المردود المالي كان ضعيفاً. بعدها، اضطررت إلى البحث عن عمل آخر لأتمكن من العيش. وجدتُ نفسي مرغماً على العمل كسائق سيارة أجرة، علماً أن القانون لا يتيح لي ذلك. مع ذلك، استأجرت سيارة وعملت سائقاً".
يُتابع شبايطة أنه بعد فترة، حصل على عقد عمل في الإمارات. يقول: "عملتُ مشرفاً على أعمال البناء في إحدى الشركات، لكن الأزمة الاقتصادية التي عانت منها البلاد أثّرت على الشركة التي صرفت عمالها من دون أي تعويضات. عدتُ إلى لبنان لأعاود البحث عن عمل أستطيع من خلاله تأمين مصاريف عائلتي". ويشير إلى أن ابنته تخرجت من الجامعة العربية، وقد درست الهندسة المدنية "حتى الآن، لم تستطع إيجاد فرصة عمل، وها هي المعاناة تتكرر اليوم". على الرغم من إدراكه لصعوبة إيجاد فرص عمل، أصرّ على تعليم أبنائه.
يقول شبايطة إن "العالم يسعى إلى محاربة الفلسطينيين وتجهيلهم وحرمانهم من التعليم". لكنه يرى أن "فلسطين تحتاج إلى العلم والبندقية حتى تتحرر، ولا بد من العودة إليها مهما طال الزمن". يشير إلى أنه تمكن من تعليم ابنته من خلال صندوق الطالب الفلسطيني الذي يقدم للطلبة قروضاً لمتابعة تعليمه، على أن يبدأ بسدادها حين يبدأ بالعمل. لكنه حتى الآن، لم يستطع سداد المال، ولا يدري ما قد يحصل، خصوصاً أن صندوق الطالب اتصل به من أجل سداد المبلغ، فلم يكن منه إلا إخبارهم بأن ابنته لم تجد عملاً بعد.
يتابع: "عمدت ابنتي إلى البحث عن عمل في شركات عدة في لبنان والإمارات، لكن طلباتها كانت ترفض؛ كونها فلسطينية. وحين حصلت على فرصة عمل في إحدى الشركات في الإمارات، لم تعطها الإمارات تأشيرة سفر".
يسكن شبايطة بيتاً بالإيجار في منطقة الفوار القريبة من مخيم عين الحلوة في صيدا (جنوب لبنان). كما أن عمله كسائق سيارة أجرة لا يلبّي احتياجات أسرته، ما يضطره إلى الاقتراض من الجمعيات. وما إن ينهي قرضاً حتى يحصل على آخر. تعملُ زوجته في محل لبيع الألبسة حتى تشارك في تلبية احتياجات العائلة.
لدى شبايطة عتب على الدولة اللبنانية. يقول إنه عندما استصدر بطاقة قيادة، كتب عليها المهندس نزيه شبايطة. وحين أراد تجديدها، أزيلت كلمة مهندس. لدى استفساره عن الأمر، قالوا: "لأنك فلسطيني، ولا يمكن ذكر المهنة، علماً أنه كتب على جواز سفري المهندس الكيميائي نزيه شبايطة. لكنني حتى اليوم، لم أفهم لماذا نزعت كلمة مهندس عن البطاقة". أيضاً،
يشير إلى أنه قد تقدم بطلب لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) للحصول على مساعدة، لكن طلبه قوبل بالرفض، باعتبار أن عائلته صغيرة، وعادةً ما تعطى المساعدات للعائلات الأكثر حاجة.
اقرأ أيضاً: ثابت عبدالله الإسكافي الوحيد في المخيم